كلمة الأسبوع

الإسـلام علــمنــي

الدكتور محمد علي الملا


الإسـلام علــمنــي

الإسلام مَدرسة تربوية وأخلاقية يتعلم فيها المسلم أسس الأخلاق ومبادئها القويمة, فهو دين قد جاء لِيُعلِي من شأن الأخلاق, قال الله سبحانه: )وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حظ عظيم( [فصلت: 34-35] ووصف الله سبحانه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم  بالخلق العظيم, قال الله تعالى: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم( [القلم: 4].

وعَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَال: دَخَلْنَا عَلَى عَاثِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْنَا: يَا أم الْمُؤْمِنِين، مَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ الله؟ قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْانَ، تَقْرَؤُنَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَت: إقْرَا: )قَدْ أفْلَحَ الْمُؤْمِنُون( قَالَ يَزِيد: فَقَرَاْتُ: )قَدْ افْلَحَ الْمُؤْمِنُون( إِلَى )لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون( قَالَتْ: (كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].

بل كان الهدف الأسمى مِن بِعثته صلى الله عليه وسلم  إتمام مكارم الأخلاق, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَق) وفي رواية الموطأ: (مكارم الأخلاق) [أخرجه مالك وأحمد]. وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِم) [أخرجه أحمد]. ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي).

والأخلاق التي نَتعلمها من الإسلام هي سلوكيات المسلم مع ربه وخالقه, وسلوكياته مع نفسه, وسلوكياته مع جميع الناس من حوله, وكذا سلوكياته مع جميع الكائنات التي تَعيش معه في الكون.

فالإسلام علمني أن أعبد الله تعالى حق العبادة، ولا أشرك به شيئاً، ولا أتخذ غيره ناصراً وولياً:

قال الله تعالى: )وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير( [الأنعام: 13-18].

وعن قَتَادَة رضي الله عنه قَال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِك رضي الله عنه؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم  كَانَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِه، وَرَدِيفُهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه، لَيْسَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، إِذْ قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَل) قَال: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْك، ثُمَّ سَارَ سَاعَة، ثُمَّ قَالَ: (يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَل) قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْك، قَال: (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَاد؟) قَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم. قَال: (فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا). قَال: (فَهَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله، إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِك؟) قَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم. قَال: (فَإِنَّ حَقَّهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ). [أخرجه أحمد].

قال البارودي :


والإسلام علمني أن أراقب الله تعالى وأخشاه حق خشيته :

قال الله تعالى: )فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون( [البقرة: 150] وقال سبحانه: )الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا( [الأحزاب: 39].

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم  يَوْمًا فَقَال: (يَا غُلامُ، إني أعلمك كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّه، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقلام، وَجَفَّتِ الصُّحُف) [أخرجه أحمد].

قال الشاعر :

والإسلام علمني أن أجاهد نفسي وأجاهد شيطاني، وأجتث بذور الشر من داخلي :قال الله تعالى: )وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيم( [يوسف: 53]. وقال سبحانه: )أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُون( س: 60-62].

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللهِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَة: (يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَة، النَّاسُ غَادِيَان، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا) [أخرجه أحمد].

قال الشاعر :


والإسلام علمني أن أتآلف مع إخواني، وأرعى حقوق الأخوة الإسلامية :

قال الله تعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون( [الحجرات: 10] وقال سبحانه: )وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون( [الحشر: 9].

وعنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَد، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) [أخرجه أحمد].

قال الشاعر :

والإسلام علمني أن أحب الخير لجميع الناس كما أحبه لنفسي, وأن أكره لهم الشر كما أكرهه لنفسي: قال الله تعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون( [آل عمران: 104]. وقال سبحانه: )يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم( [الشعراء: 88-89].

وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذ؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  عَنْ أَفْضَلِ الإِيمَان؟ قَالَ: أَفْضَلُ الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ ِللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ الله) قَالَ: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا، أَوْ تَصْمُتَ) [أخرجه أحمد].

قال الشاعر

والإسلام علمني أن أحترم الآخرين وأحسن التعايش معهم :

قال الله تعالى: )لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون( [الممتحنة: 8-9]. وقال سبحانه: )إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(  (58) [الأنعام: 58].

وعن بن أبي ليلى, أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا بالقادسية, فمرت بهما جنازة, فقاما, فقيل لهما: إنها من أهل الأرض, فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  مرت به جنازة فقام. فقيل: إنه يهودي. فقال: (أليست نفساً؟) [أخرجه أحمد].

قال الشاعر :

والإسلام علمني أن أتآلف مع الكون والكائنات :قال الله تعالى: )وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) [الذاريات: 20-21]. وقال سبحانه: )أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَت( [الغاشية: 17-20].

وعَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  ذَكَرَ أُحُدًا فَقَالَ: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّه) وفي رواية: (نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  إِلَى أُحُدٍ فَقَال: (إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّه) [أخرجه أحمد]. وعَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ y، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّار، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِي تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْض) [أَخْرَجَهُ البُخَارِي].

قال الشاعر :

اللهم علمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وبارك لنا فيه يا رب العالمين .

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=2656