الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت 1311-1389هــــــــ - 1892-1969م فقيه الحنفية ، حافظ مقرئ متقن ، ورعٌ زاهد . عبد الوهاب بن عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد القادر بن عبد الوهاب ، الحافظ ، الشهير بدبس وزيت. عرفت أسرته بلقب الحافظ ، لأن كثيراً من أفرادها كانوا من حفظة القرآن الكريم البارعين . نشأته وشيوخه : ولد في حي العقيبة بدمشق سنة 1311 هــــ ، وحفظ القرآن الكريم على والده ولما يبلغ الحلم ، ثم أعاد قراءته على الشيخ محمد سليم الحلواني ، شيخ القراء حتى جوده وضبط القراءة وأتقنها . ثم اتصل بالشيخ محمود ياسين ، فقرأ عليه علوم اللغة والفقه الشافعي ، وكذلك أخذ الفقه الشافعي على الشيخ أحمد الجوبري . وتلقى عن الشيخ أمين سويد أصول الفقه والتصوف ، وقرأ على الشيخ محمود العطار أصول الفقه كذلك واللغة العربية ، و ( حاشية الباجوري على الجوهرة في التوحيد ) ، وكان يذهب إليه في بلدة كفرسوسة ماشياً مع زملائه ، ومنهم الشيخ حسن حبنكة الميداني ، والشيخ صالح فرفور ، وكان المترجم أنشطهم في المشي . أخذ عن الشيخ عبد القادر الإسكندراني ، والشيخ صالح الحمصي ، والشيخ عبد الرحمن البرهاني ، والتقى بالشيخ عبد الحكيم الأفغاني ، واجتمع بالشيخ سليم المسوتي ، وأخذ عن الشيخ عيسى الكردي الطريقة النقشبندية . وكان أعظم شيوخه أثراً فيه مفتي الشام الشيخ محمد عطا الكسم ، والشيخ محمد عطا أستاذه المباشر . إجازاته : حصل على ثلاث إجازات إحداها من المحدث الشيخ بدر الدين الحسني والثانية من شيخه مفتي الشام محمد عطا الكسم ، أجازه فيها بالمعقول والمنقول ، وبكل ما تجوز له روايته من علوم الشريعة . أما الإجازة الثالثة فمن الولي الصالح الشيخ محمد رضوان عالم المدينة المنورة ، وهي إجازة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وبدلائل الخيرات . أتقن حفظ القرآن الكريم وتجويده أي إتقان وخاصة مخارج الحروف ، وكانت له نكهة خاصة أصبحت سمة له عرفت بالقراءة الدبسية ، بل صار كلامه كان مجوداً بدون تكلف لشدة ما أخذ نفسه بالضبط .
صفاته : زاهد ورع ، والزهد والورع علامة متميزة عنده ، يتحرى الحلال ، ويتحفظ من الحرام ، يرضى بالكفاف من العيش ، ويقنع به فلا تفتنه الدنيا . ترك كثيراً من الحلال لئلا يقع في القليل من الحرام ، ورأى أن الشيطان يدخل على ابن آدم من سبعين باباً من أبواب الخير . وبلغ به التحري في طلب الحلال والاحتراز عن الشبهات أنه لم يستجب إلا لدعوات أصحابه المخلصين الذين يطمئن إلى طيب طعامهم ، وكان زهده يتجلى في ملبسه ومطعمه ومسكنه وسائر شؤون حياته فيبتعد عن المظاهر ، ومن زهده أنه يرفض الهدايا من طلابه وأنه رغب عن كثير من الوظائف العالية ، وقد عرضت عليه في دمشق وبيروت وغيرهما من العواصم العربية . بسط يده للفقراء ، وتعرض لحل مشكلاتهم ، وعطف عليهم . كُسي ثوباً من المهابة والوقار وجمع إليهما نفساً مرحةً وروحاً زكية تتسع لأحوال العامة والخاصة ، مع أنس وأدب ، ومع تواضع من غير مذلة وعزة من غير كبرياء ، هادئ رزين شان العلماء الذين ملأهم الله علماً ورزقهم فهماً . حرص على الوقت كل الحرص ، وعرف كيف يستفيد من وقته ، فرسم لنفسه نظاماً صارماً للعمل الدائب النافع أمضى الليل بالقيام ، والنهار بالدراسة والتدريس والسعي في أمور المسلمين، حتى الطرقات كان يقطعها بتلاوة القرآن الكريم . المناصب التي تقلدها : تولى الخطابة والإمامة في مسجد سيدي شركس بسوق القطن ، وكانت خطبه قصيرة ولكنها مفيدة جداً تعتمد على الفقه مادة ، وليس هذا إلا لاهتماماته الفقهية . صلّى إماماً في مسجد تحت المئذنة ، وكان إمام جزء في صلاة التراويح بجامع التوبة . وألقى دروساً في مساجد كثيرة إلى جانب الحلقات التي عقدها في بيته وبيوت أصحابه . أول ما درس في ( جامع يلبغا ) بتكليف من شيخه عطا الله الكسم رحمه الله ثم توالت دروسه ، فدرس في الجامع الأموي ، وكانت له حلقة خاصة في جامع التوبة لخاصة طلابه درس فيها الكتب الكبار كحاشية ابن عابدين ، واللباب في شرح الكتاب والاختيار وشروح المنار وغيرها . وأسهم في التعليم بمدارس عدة كمدارس الريحانية ، ومدرسة الجمعية الغراء ، والمدرسة التجارية التي يديرها الشيخ مصطفى الطنطاوي ، ومدرسة سعادة الأبناء ، درس فيها التجويد والفقه وغيرهما . كان عضواً في رابطة العلماء التي يرأسها الشيخ أبو الخير الميداني ، وكان رئيساً لجمعية المدرسة التجارية التي تعلم الطلاب الفقراء مجاناً ، ورئيساً فخرياً لجمعية العقيبة الخيرية ، إحدى أوليات الجمعيات المشهورة في دمشق . كان المرجع الأول في الفتاوى والرسائل التي كانت تنهال عليه من شتى أقطار العالم الإسلامي ، كان يأخذ بعزائم الأمور لنفسه وللمستفتي ، يفتي بالمشهور من مذهب الإمام أبي حنيفة ، ويدع الأقوال الضعيفة . وحلقة درسه في غاية الضبط والإتقان ، يطلب من تلاميذه تحضير البحث المقرر قبل مجيئهم . حفظ عليه كثيرٌ من الطلاب القرآن الكريم ، وكانوا لا يجارون في قراءتهم وضبطهم . ولقد اهتم بكتب معينة وعمل على تدريسها منها : حاشية ابن عابدين شرح منية المصلي للحلبي . شرح الحكم لابن عطاء الله وغيره . الهداية للمرغيناني . مراقي الفلاح للشرنبلالي . عمله : اشتغل إلى جانب دروسه ، ونشر العلم والسعي في الخير بأعمال بر شتى ، فعمل على تجديد وعمارة عدة مساجد وأسهم في إنشاء جمعية المدرسة التجارية ، وجمعية العقيبة الخيرية التي كان رئيساً لها . وفاته : في صبيحة 10 رمضان عام 1389هـــ ، توفي رحمه الله بعد أن استيقظ مبكراً ، فصلّى الفجر وأقبل على التلاوة حتى أضحى ، فصلى الضحى ركعات كثيرة ، ثم عاد إلى التلاوة مكرراً سورة الرعد مراراً ، وهكذا إلى وقت الظهر ، فصلى وعاد إلى التلاوة حتى أسلم روحه إلى بارئها .
|
||||||||
|