كلمة الأسبوع

محمد بن عبد الله الرسول القدوة

الشيخ مأمون المغربي


محمد بن عبد الله الرسول القدوة
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في ذكرى ولادة الحبيب الأعظم سيدنا محمد ،  إنما نذكر ولادة رسالة إلهية عالمية خاتمة أصّلت وأكّدت عقيدة التوحيد والتوجيه الذي جاء به الأنبياء قبله وجددت التشريع وعممته ليكون صالحاً للبشرية إلى قيام الساعة ، كما قال تعالى :
) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( [المائدة/3]، وكما قال سبحانه :
)مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ( [الأنعام/38] لا بد أن نُذكر أنفسنا أنه الأسوة والقدوة لنا جميعاً،  كما قال تعالى :

) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (  [الأحزاب/21]

وأنه المعلم والمربي والمرشد لكل الناس ، فقد قال رسول الله : صلى الله عليه وسلمإنما بُعثت مُعلماً) ، وقد بُعِثَ النبي  رحمة للخلائق كلها كما قال تعالى :) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( [الأنبياء/107] ، ودالاً لهم على طريق الهداية والنجاة ، ومبيناً الخبيث من الطيب ، والطالح من الصالح ، والمنكر من المعروف ، والباطل من الحق ، والكفر من الإيمان ، راسماً لنا خطين واضحين متوازيين ، أحدهما يرشدنا إليه لأنه يوصلنا إلى الجنة ، والآخر يحذرنا منه لأنه يوصلنا إلى النار .

كما قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ/28]

هذا الحبيب الأعظم مُعلمٌ للأجيالِ قاطبة على اختلاف الأزمنة وعلى امتداد الأمكنة ، يقولُ لهم: صلى الله عليه وسلمفمن رغب عن سنتي فليس مني) ، ورسولُ الله هو قدوتنا في كل شيء ، يَدعونا للعبادة فنجد أنه أكثرنا عبادة ، ويدعونا للعلم فنجد أنه أكثرنا علماً ، ويدعونا للبذل والإنفاق فنجد أنه أكثرنا إنفاقاً في كل شيء ، ويدعونا للزهد في الدنيا فنجد أنه أكثرنا زهداً فيها ، ويُذَكِّرُنا بالآخرة فنجد أن الآخرة كانت رأيَ العينِ أمامَهُ ، ويَدعونا للجهاد في سبيل الله فنجد أنه كان دائماً لابساً لأمَةَ الحرب لا يَنزعها ، بل ويشارك في المعارك والمواقع ، ويتمنى أن يُقتل فَيَرْجِع ، ثم يُقتَل فَيَرجِع ، ثم يُقتل فَيَرجع ، ترغيباً لنا بالشهادة في سبيل الله ، ويَطلب منا أن نَكون غَيورين على ديننا وعرضنا وأرضنا فنجد أنه أشدَ الناسِ غَيرةً ، بل إذا انتُهِكَت محارمُ اللهِ لا يَقُومُ لِغَضَبِهِ شَيء ، ويرغبنا بالشجاعة والنجدة فنجد أنه أكثر الناس شجاعة ونجدة ، وقد سُمِعَتْ رَجَّةٌ في أطرافِ المدينةِ ذات ليلة ، فَخَرَجَ الناسُ فَزِعِيْنَ في العَتَمَات ، وَإِذْ بالنبي  راجعٌ بعد أن استطلعَ الخبر ، وهو يقول لهم: صلى الله عليه وسلملن تُراعوا لن تُراعوا) فقد كان أولَ الناس وصولاً إلى مكان الخَطَر .

فرسولُ الله حينما يدعوك إلى الثبات على الحق ، ولو كُنتَ في هذه الدنيا وحيداً غريباً ، فهو يُعطيك في ذلك المثلَ عن نفسه في الثبات على المبدأ ، أليس هو القائل : صلى الله عليه وسلموالله يا عماه ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه) .

وفي يوم حنين وقد تَفَرَّقَ عنه أصحابُه ، وبَقِيَ في الميدان وحده وهو يَحُثُّ بَغْلَتَهُ نحو الأعداء ويقول: صلى الله عليه وسلمأنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) .

إن وجود القدوة الصالحة المتمتعة بكل الصفات الفاضلة والكريمة ضرورة لنبي البشر ليتأسوا بها، ويتبعوها ويسيروا على نهجها  استجابة لفطرة التقليد الموجودة عند البشر والقدوة الوحيدة الكاملة في الدنيا إنما تتمثل في شخص سيد البشر محمد فقط يشير إلى ذلك  قوله تعالى :
) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( [القلم/4] ، وما مِن إنسان يَقتَدِيْ بِرَسُول اللهِ  ويَتَعَرَّضُ للأنوار المحمدية ، إلا انْقَلَبَ رأساً على عَقِبْ فصلُح حاله ، وصِيْغَ صِيَاغَةً جَدِيْدَةً في كل شيء  فاستقامت حياته ، وأولُ ما يَجِبُ أن يَظْهَرَ فِيك إذا اقتديتَ بالنبي أمران اثنان:

الأمر الأول: أن تَرتَقِيْ بِعَقْلِكَ فِكراً ، وَبِقَلبِكَ عَاطِفَةً ، وَبِنَفْسِكَ تَزْكِيَةً ، فالعقل تصبح أفكاره في عظائم الأمور ، وفكره في قضايا الأمة الكبرى ، واشتغاله بما يَعود على الأمة بكل خير في الدنيا والآخرة ، وأما القلب فيصبح ألمه لما يَجري على دينك وقضيتك ، وأمله في أن نعود كما كنا قادة الركب وسادة العالم ، وأما النفسُ فتَخَرجُ من دائرة دَسَائِسِهَا وحُظُوظِهَا الفانية من متع وشهوات ، وتخرج من دائرة الأنا إلى دائرة الجماعة ، وتسعَد بالتعرض للنفحات الربانية والأسرار الإلهية . هذا هو الأمر الأول ، الإرتقاء عقلاً وقلباً ونفساً .

الأمر الثاني: اتساع دائرتك ،  وفهمك  ونظرتك للحياة الدنيا والآخرة على حد سواء فانظر إلى جعفر بن أبي طالب  وهو يتحدث إلى النجاشي فيقول: صلى الله عليه وسلمكنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونُسيء الجِوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بَعَثَ اللهُ رسولاً منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لِنُوَحِّدَهُ ونعبدَهُ ، وأمرنا بصدق الحديث وصلة الرحم وحسن الجوار) هكذا اتسعت الدائرة أمام جعفرَ وإخوانه ، وإذا به بعد ذلك يُنافِحُ وَيُناضل عن الذي آمن به ، ويَعْمَلُ من أجله ويقاتل في سبيله ، فيستشهد في غزوة مؤتة وهو حاملٌ للراية في يده اليمنى ، فَتُقطع يمينه فيمسك الراية باليسرى ، فتقطع اليسرى فَيَتَلَقَاهَا بصدره فَيُقتَل ، وإذا به يَطير في الجنة بجناحين ، كما أخبر عنه المصطفى ، لقد اتسع أفقه فطار في الجنة بجناحين .

والملاحظ - ويا للأسف - أن الأمة اليوم قد هَبَطَتْ إلى دائرة الأفُقِ الضيق ، ونَامَتْ في سراديبِ غَفْلَتِهَا ، وَرَسَّخَ الأعداءُ خُبثَهم ومكرهم في عقول أبناء الأمة ، وأفهمونا أن علينا أن نَعيش في هامش الحياة ليس لنا قضية ، وماذا نَستطيع أن نفعل نحن للأمة وللدين وللأرض وللعقيدة ، وصَدّقناهم ونِمْنَا وهم يَحْدُونَ لنا كما يُحْدَى للطفل الصغير ، لكي يَنامَ نوماً عميقاً يُريْحُ أُمَّهُ من شَغَبِهِ وَضَوْضَائِه .

وبعد فإن الأمة العربية والإسلامية لا يمكن أن تنهض من كبوتها وتعيد مجدها فتتوحد بعد فُرقة وتقوى بعد ضعف وتعز بعد ذل ، إلا إذا اهتدت بهدي نبيها القدوة  ، وجعلت من كتاب ربها وسنة نبيه وسيرته المنهج الأول في حياتها لتفوز بخيري الدنيا والآخرة وتنعم برفقة النبيين والصديقين والصالحين كما قال تعالى : ) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا(.

 اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأكرمنا بمتابعة النبي في هديه وسنته وسيرته ، إنك ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين .

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=33&id=2052