الجامع الأموي » الدور الهام للجامع الأموي

أهمية دور الجامع الأموي

إدارة التحرير


لم تكن وظيفة الجامع في العهود الماضية تقتصر على شؤون العبادة وحدها ، بل كان الجامع باتساعه وعظمته وأهمية موقعه في دمشق ، عاصمة أضخم إمبراطورية في زمانها ، حافلاً بالنشاطات السياسية والاجتماعية وكان مركزاً للإشعاع الثقافي والعلمي ، فكانت حلقات التعليم والدراسة للصغار والكبار في شتى زواياه وجوانبه ، كما أنشئت حوله عشرات المدارس والمكتبات ، حتى أصبح يؤلف معها وقتئذ مدينة جامعية حقيقية ، وتضم بعض هذه المدارس أضرحة لعظماء التاريخ كصلاح الدين الأيوبي وأخيه الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد والظاهر بيبرس .
1- الدور الثقافي والعلمي:
ويتجلى في التدريس والتعليم والإفتاء وقراءة القرآن وتدريس الفقه وأنواع العلوم ، وفي العناية بالكتب .
ذكر ابن شداد أنه كان في الجامع سنة 680هـ /1281م :
- 27 سبعاً للقرآن يحضرها 420 قارئاً .
- 73 متصدراً لإقراء القرآن الكريم .
- سبع لتلقين الصغار وعددهم 378 ولداً .
- 11 حلقة للاشتغال بعلوم الحديث الشريف .
وكان في الجامع عدد من الزوايا أو المدارس ، منها زاوية نصر المقدسي المعروفة بالغزالية والزاوية الأسدية والمنجائية والقوصية والسفينية والمقصورة الكبيرة والزاوية الشيخية والزاوية المالكية بالإضافة إلى مواعيد منها ميعاد بالكلاسة للقاضي الفاضل ، وميعاد للشيخ مجد الدين تجاه قبر هود ومائة وعشرون حلقة لقراءة الكتاب العزيز وتعليمه ، وحلقة ، وحلقة الكوثرية التي أوقفها السلطان نور الدين الشهيد على صبيان أيتام يقرؤون في كل يون بعد العصر ثلاث مرات من سورة الكوثر حتى آخر القرآن الكريم ويهدون ثوابها للواقف ، ولهم على ذلك مرتب معلوم .
وفي القرن الثامن الهجري ، كان يدرس القرآن الكريم بالجامع الشيخ إبراهيم الحلبي الصوفي بالرواق الثالث بكرة وعشياً وكانت حلقته مشهورة يحضرها الكثيرون ، حتى إنه ختم القرآن في حلقته ألف رجل اسم كل منهم محمد وكان يأتي إلى الجامع في السحر ويستمر إلى هدي من الليل .
وزار المسجد الجامع ، إبراهيم الخياري سنة 1080هـ/1669م فقال: " والمسجد ولله الحمد عامر بالتدريس في مواطن منه ، في أول النهار وآخره وبين العشاءين ، وخطيبه يراعي النغمة في أداء الخطبة كبلاد الروم ، ولا يراعي فصاحة الألفاظ ولا بلاغة المعاني مثل خطباء الحرمين ".
 
وفي سنة 1173هـ /1759م زاره الشيخ مصطفى العلواني وذكر أن بالجامع سبعة تداريس ، أعظمها تحت القبة وخمساً وعشرين حلقة ، في كل منها مدرس من بعد صلاة الفجر إلى قبيل الظهر وقال: " إن بالجامع أربعة مشاهد ، أحدها قرب منارة عيسى ، يقام به الذكر عقب صلاة الجمعة ، والآخر شرقي خارج الحرم ، وشيخه يقيم به الذكر ليلة الجمعة والاثنين ، والثالث غربي ، وشيخه على طريق الششتري ، يقام به الذكر عقب صلاة الجمعة ، والرابع غربي وله شباكان مطلان على حمام الجامع وبه بركة ماء يتوضأ منها " .
وعلاوة على ما سلف ، فقد كان العلماء الوافدون على دمشق يقيمون ميعاداً في الجامع ويجيبون عن الأسئلة المشكلة التي تطرح عليهم ، وكان يحضر مواعيدهم هذه عدد كبير من أهل دمشق ، ومن هؤلاء العلماء الغزالي وتاج الدين الكندي وسبط ابن الجوزي وغيرهم ، وقد بقيت حلقات العلم قائمة في الجامع حتى نهاية العصر العثماني واستمرت بعد ذلك ولكن على نطاق ضيق ، وصار عدد هذه الحلقات يقل عاماً بعد عام حتى وصل في أيامنا سنة 1409هـ/1988م إلى بضع حلقات ، إحداها بعد الفجر ، والأخرى بعد المغرب يحضرها عدد محدود من طلاب الشريعة ، وبعض المارة ، وفي شهر رمضان تزداد الحلقات ، ثم تعود لما كانت عليه بعد العيد .
أما المؤذنون والأئمة ، فقد كان في الجامع سنة 1300هـ/1883م خمسة وسبعون مؤذناً يبدأ عملهم مع ثلث الليل الأول فيسبحون ويبتهلون حتى مطلع الفجر على نظام مدروس ونغمات متعرف عليها .
واليوم قل عددهم ومات رؤساؤهم ، وصاروا يؤذنون من غرفة في الجدار الغربي بواسطة الإذاعة ، وبطل صعودهم إلى المآذن ، ويتناوبون قبيل الفجر على التسبيح والابتهال ، وينشدون القصائد الدينية بعد العشاء ، ولكل يوم من أيام الأسبوع نغمة مخصوصة متعارف عليها عندهم .
وكانت تعقد مجالس الفتوى للمفتين الأربعة .
واشتهر الجامع بخزائن الكتب الموقوفة على الجامع ، ذكر أبو شامة أنه جرى في سنة 613هـ / 1216م جمع خزائن الكتب في مشهد عروة (مشهد علي رضي الله عنه) بعد أن كانت موزعة في الأروقة والزوايا ، وكان من بين هذه الكتب كتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668هـ /1269م .
روى العلموي أن تاج الدين الكندي أوقف عام 613هـ/ 1216م كتباً نفيسة بلغ عددها 761 مجلداً .
وروى المحبي أن الدفتري أوقف عام 1081هـ /1670م كتبه كلها على الجامع ووضعها في بيت الخطابة ، وكان به خزانة كتب. حكى المحبي (كتابه) في ترجمة على الدفتري أنه وقف كتبه ، واستودعها بيت الخطابة بالقرب من المقصورة بالجامع الأموي ، إلى أن دعى النظارة عليها بعض المفتين بالشام واحتوى عليها ، وفيها نفائس الكتب .
وذكر ابن النديم أن أول من حفل بجمع الكتب من أمراء المسلمين خالد بن يزيد الأموي فأنشأ مكتبة في هذه الحاضرة وأنشأ داراً للترجمة .
وازداد عدد الكتب المخطوطة مع الأيام وكان في دمشق عدد من المكتبات نقل أكثرها إلى الظاهرية فيما بعد ، وكانت مجموعة ضخمة من المخطوطات محفوظة في قبة المال في صحن الجامع الأموي ، كما أن (البارون فون سودن) حصل على موافقة السلطان فأرسل موفداً عنه في نهاية القرن الماضي ولما فتحت القبة بحضور ناظم باشا والي دمشق وبعض الوجهاء تبين أن قبة المال كانت تحوي رقوقاً كثيرة بعضها ذو موضوع ديني ، وفيها أجزاء التوراة باللغة السريانية وبكتابة أسطر انجيلية ، ورقوق عليها كتابات يونانية ولاتينية وآرامية وسامرية ، ويعتقد أن أقدمها كتب في القرن الخامس الميلادي. وهناك رقوق أخرى عربية بكتابة كوفية ، وكان يقدر عدد موجودات الجامع الكبير ببضعة آلاف من المخطوطات ، وبعد الحريق الكبير سنة 1311هـ/ 1893م احترق كثير من المخطوطات ونقل الباقي إلى مكتبة بيت الخطابة في الأموي .
ولقد نقلت بعض المخطوطات إلى ألمانيا بمناسبة زيارة الامبراطور غليوم الثاني إلى دمشق ، ولقد نقلت بعض المخطوطات ذات القيمة الفنية أو العلمية إلى المتحف الوطني بدمشق ، وقد كان الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضي الله عنه قد أرسل مصحفاً لكل ولاية ومنها الشام .
ويصف ابن كثير مصحف دمشق فيقول: " أن زيداً هو الذي كتب المصحف الإمام الذي بالشام عن أمر عثمان" ويضيف " وهو خط جيد ، قوي جداً فيما رأيته" ويقول في كتاب فضائل القرآن " أما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي بالشام بجامع دمشق ، عند الركن ، شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله. وقد كان قبلاً بمدينة طبرية ، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود سنة 518هـ/ 1224م وقد رأيته كتاباً عزيزاً جليلاً عظيماً ضخماً ، بخط حسن مبين قوي ، بحبر محكم ، في رق أظنه من جلود الأيل " .
ويذكر الذهبي أن الأتابك طغتكين أمير دمشق هو الذي نقله سنة 492هـ /1098م من طبرية إلى دمشق ، وكان الصليبيون قد استولوا على بيت المقدس .
وعندما زار ابن جبير دمشق رأى مصحف عثمان في الركن الشرقي من المقصورة الحديثة في المحراب ، وأكد
ابن بطوطة ذلك وأضاف أن الخزانة تفتح كل يوم جمعة بعد الصلاة.
فيزدحم الناس على لثم ذلك المصحف ، وهناك يحلف الناس غرماءهم ومن ادعوا عليه شيئاً .
واستمر المصحف موجوداً في الجامع الكبير حتى بداية العهد العثماني فلقد ذكر ابن طولون أن السلطان سليم العثماني لما دخل إلى دمشق سنة 922هـ /1516م زار المسجد الأموي بليلة الاثنين السابع عشر من رمضان وقرأ بالمصحف العثماني وزار مشهد النبي يحيى عليه السلام.
ويمكن القول أن الجامع كان في العهود الماضية جامعة دمشق ويؤلف مع المدارس المتصلة به والمقامة حوله مدينة جامعية حقيقية , وتعج بالأساتذة والطلبة الذين يجدون فيها المسكن المريح والجو العلمي .
وهذا فضلاً عن الأسواق المحيطة بالجامع التي تحوي ما يحتاجه طلاب العلم من الكتب والورق وأدوات النسخ والكتابة .
المراجع :
- جامع دمشق الأموي , د. عبد القادر الريحاوي , دمشق 1996
- خطط دمشق , أكرم العلبي , دمشق 1989
- الجامع الأموي الكبير , د. عفيف البهنسي , دمشق 1988 .
2- الدور السياسي والاجتماعي :
 
من هذا الجامع الرائع الكبير كان الخليفة يستقبل عماله ورسله ، ويقاضي الناس ، ويفصل في الأمور الجلل .
ولقد أنشأ الخليفة الرضي معاوية قصر الخضراء ملاصقاً للجامع منذ أن كان والياً لكي يسهل عليه الانتقال من مسكنه إلى بيت الحكم والعبادة دونما مسافة يقطعها أو فاصل يفصله عن مهامه .
ولقد كان معاوية أول من أوجد المحراب ، كما أنه أول من استعمل المنبر وخطب منه جالساً ، ثم هو أول من أنشأ المقصورة كما يقول اليعقوبي ، وهي حجرة في داخل المسجد جعلت مقاماً للخليفة ، وقد تضاربت الأقوال في تعليل السبب من إنشاء المقصورة فكانت لحمايته ثم كانت لاعتزاله ، ولكن الأصفهاني يعتقد أنها كانت مكاناً للتداول في أمور الدولة .
ولقد سكن قصر الخضراء سليمان بن عبد الملك خلال خلافته القصيرة وله في الجامع مجلس وكرسي فخم ويقول فيليب حتي : " وكان للخليفة مجالس رسمية تعقد في المسجد الأموي الذي لا يزال من أفخم المعابد في العالم وأروعها وفي مثل هذه الحال من الأبهة والمجد ، فيما يخيل لنا ، استوى الخليفة سليمان الذي كان قد ارتقى العرش فاستقبل موسى بن نصير وطارق بن زياد فاتحي إسبانية ، ووراءهما جموع من الأسرى ، وما يكاد يحصى من الأسلاب ، وكان من هؤلاء الأسرى ، أفراد الأسرة القوطية المالكة الصهب الشعور ، ومن الأسلاب والكنوز والذخائر النفيسة المتنزعة من قصور الأندلس ، وإذا كان هناك مشهد من مشاهد التاريخ يمكن أن يمثل قمة ازدهار الدولة الأموية فهو هذا" ولقد أصبح من المؤكد أن المشاهد الأربعة كانت جزء هاما من قصر الإمارة الأموي الذي امتد خارج المسجد ، من قصر الخضراء في الجنوب إلى الباب الغربي وحتى الباب الشمالي .
وهكذا كان الجامع رمز السلطة الدينية والدنيوية ، ثم كان قلب دمشق تتهافت عليه النفوس ويتقرب منه الناس ن وحوله تنهض الأضرحة والمدارس والأسواق ، كسوق العنبر والطيب وسوق الصياغ والخيل. وكان يقف أمام أبوابه رجال الشرطة والوراقون وعاقدو الأنحكة والشهود .
وقد اقتطفنا من كتب التاريخ والرحلات نبذة تمثل العادات والتقاليد ندرجها فيما يلي:
أ- كانت الأعلام الخاصة بالدولة الحاكمة تنصب على الباب الأوسط لواجهة المجاز القاطع أي الرواق المؤدي إلى المحراب والمنبر .
روى ابن طولون أنه بعد دخول العثمانيين لدمشق أخرجوا من القلعة سنجقاً أحمر في رأسه هلال ، ونصبوه على الباب الأوسط ، ورفعوا سنجق الجراكسة (المماليك) وكان من حرير أصفر .
ب- كانت المقصورة الكبرى الكائنة أمام المحراب والمنبر مخصصة لصلاة والسلاطين وكان يسمح في العهد المملوكي لنائب السلطنة حين توليه فقط أن يصلي صلاة الجمعة فيها كنائب للسلطان ، ويقدم يومها خلعة للخطيب ، ذكر ابن طولون أن السلطان سليم صلى الجمعة بعد الفتح في هذه المقصورة ومعه الوزراء وكبار رجال الدولة ، وأغلقت أبوابها عليهم .
وبعد الصلاة قدم للخطيب والمؤذنين والأئمة ثلاثة آلاف ليرة عثمانية لكل منهم ، كما قدم لبواب المقصورة ألفاً. كذلك صلى صلاة العيد بعد الفتح عام 923هـ /1517م في هذه المقصورة، وحضر في منتصف الليل لزيارة الجامع ترافقه الشموع والمشاعل فصلى بالمقصورة وقرأ في مصحف عثمان وزار ضريح النبي يحيى ثم صعد المنارة الشرقية .
ج- وصف صاحب كتاب المروج السندسية موكب الباشا العثماني وقال: إنه كان يركب من السرايا ويدخل من باب البريد في أول صلاة الجمعة بعد تعيينه .
وروى ابن كثير وصفاً لموكب القاضي المعين حديثاً في العهد المملوكي حيث يلبس خلعة القضاء ويركب من دار السعادة (مقر نائب السلطنة) إلى الجامع ويتم تقليده تحت قبة النسر بحضور القضاة والأعيان .
د- كان منبر الجامع المكان الذي تقرأ من فوقه الفرمانات والكتب السلطانية والمراسيم ، وقرأ فرمان الأمان لأهل دمشق الوارد من هولاكو وتيمورلنك فيما بعد ، كذلك يقرأ تقليد نواب السلطنة والقضاة وكبار الموظفين .
هـ- كانت مجالس الحكام والقضاة الأربعة والعلماء تعقد في مشهد عثمان في العهد المملوكي للفصل في القضايا المعضلة .
و- كانت تستخدم منارة العروس ــ كما يروي القلقشندي ــ لإشعال النيران في الليل والدخان في النهار ، لإرسال الإشارات إلى القاهرة حول تحركات التتار ، كما كان يجري في المناور المقامة على رؤوس الجبال .
ز- من العادات الشائعة قديماً إقامة أناس في المسجد يعتكفون وينامون فيه ولا سيما في المآذن ، روى الهروي أن الغزالي المشهور كان يقيم بالمئذنة الغربية وكذلك ابن تومارت الذي غدا ملكاً على المغرب .
كذلك كانت المئذنة الشرقية التي يعتقد أن عيسى بن مريم سينزل فيها مقراً لسكن الغرباء السودان.
وكان يجري فيه العزاء للسلاطين والأمراء ذكر العلموي أنه عمل عزاء السلطان صلاح الدين ثلاثة أيام .
كذلك جرت في أيام نائب السلطنة المملوكية بردبك عام 871هـ/1416م مأدبة هائلة في صحن الجامع استخدم فيها ألفا صحن من القاشاني .
ويتحدث ابن جبير عن الجامع من أنه أيضاً مجمع للناس يتحدثون ويتسامرون في صحنه فيقول :
(ومنظر هذا الصحن من أجمل المناظر وأحسنها وفيه مجتمع أهل البلد وهو مفرجهم ومنتزههم كل عيشة تراهم فيه ذاهبين وراجعين من شرق الى غرب من باب جيرون الى باب البريد فمنهم من يتحدث مع صاحبه ومنهم من يقرأ ولايزالون على هذه الحال من ذهاب ورجوع الى انقضاء صلاة العشاء ثم ينصرفون ولبعضهم بالغداة مثل ذلك وأكثر الاحتفال إنما هو بالعشي فيخيل لمبصر ذلك أنها ليلة سبع وعشرين من رمضان المعظّم لما يرى من احتفال الناس واجتماعهم ).
المراجع :
-    الجامع الأموي الكبير , د.عفيف البهنسي , دمشق 1988
-    جامع دمشق الأموي , د. عبد القادر الريحاوي , دمشق 1996
 
Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=220&id=677