الثلاثاء 09 رمضان 1445 - 19 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2018-04-15 الساعة 07:38:59
المخدرات
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي

فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى

 وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 123 - 126]

وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ

سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن اللهُ الخمر, وشاربَها, وساقيها, وبائعها,

ومبتاعها, وعاصرها, ومعتصرها, وحاملها, والمحمولة إليه, وآكِلَ ثمنها». [أبو داود]

وقال صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مسكر خمرٌ، وكلُّ خمرٍ حرام». [مسلم]

عنوان خطبة اليوم: المخدرات

أيها الأخوة:

أجمع علماءُ الإسلام على أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق المصالح ودرء

المفاسد، ومن جملة المصالح ما سماه العلماء: (الضروراتُ الخمس), وهي: (حفظُ النفس، وحفظُ الدين، وحفظُ العقل، وحفظُ العِرْض، وحفظُ المال).

ومن هذا المنطلق حاربَت الشريعة الإسلامية وحرَّمت تناوُلَ وتداول المسكرات والمخدرات بجميع أنواعها المختلفة؛ لإضرارها بهذه الضرورات الخمس، فهي تضر

بالنفس فتزهقها وتضر بالعقل فتذهبه وتضر بالعرض فتفسده وتضر بالمال فتتلفه وتضر بالدين فتتهاون به، ولأضرارها على المستوى الشخصي والعائلي والوطني

والعالمي، فضلاً عن تسبُّب المخدرات والمسكرات في السرقة والزنا والقتل وجميع أنواع المنكرات، وتحطيم كيانات الأُسَرُ, والانتحار.

المخدرات: موادٌّ تؤثر في المناطق المخِّيَّةِ العليا, فتسترها وتخفيها عن أداء وظيفتها وعملها، وتسمى (المواد الفعالة نفسياً).

وأخطرُ ما فيها الإدمانُ عليها, ويسميه الأطباءُ الاعتمادُ الجسدي، ومعناه: أنه لا يستطيعُ المتعاطي أن يبقى بلا مخدر.

صنفت منظمة الصحة العالمية المواد الفعالة نفسياً في تصنيفها العاشر للاضطرابات

العقلية والسلوكية الصادر عام 1993 إلى عشرة أصناف رئيسة، منها الأفيون ومشتقاته: كالهيروئين والمورفين والترامادول، ومنها القنب ومشتقاته كالحشيش والماريجوانا. ومنها المهدئات والمنومات: كالباربيتورات وغيرها، ومنها الكوكائين، ومنها المنبهات والمنشطات: كالكابتاغون.

وإضرارها حاصل سواء أُخذت بالحُقَن أو المضغ أو التدخين, أو غيرها من الطرق, فتؤدي إلى تغييب العقل, وإضرار الصحة, وإفساد الأخلاق.

هذا, ويحذِّر العلماء من تجربة المورفين, ولو مرة واحدة, فقد تكون هذه كافيةً للتعوُّد عليه والإدمان.

من هنا حذِّر الإسلامُ من الصاحب السيّء, ورغَّبَ بالصاحب المؤمن الصالح.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلُ الجليس الصالح وجليس السوء

كحامل المسك ونافخ الكير، فحاملُ المسك إما أن يُحْذِيَك، وإما أن تبتاعَ منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرقَ ثيابك، وإما أن تجدَ منه ريحاً مُنْتِنَة» [متفق عليه].

يقول المستشار في القضاء السوري الأستاذ أحمد البكري أن نسبة 60 بالمئة من

الموقوفين بتهمة تعاطي المخدرات من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 14 إلى 20 سنة، وإن 90 بالمئة من هذه الحالات نتيجة رفقة السوء.

استكتبت أخاً فاضلا متخصصا بالطب النفسي لصالح هذه الخطبة فكان مما كتب لي

تحت عنوان (الأخطاء القاتلة) يقول:

من خلال تجربتي الشخصية في الإشراف على علاج ومتابعة مرضى الإدمان لأكثر

من أربع سنوات في المركز التخصصي الوحيد في سورية لعلاج الإدمان /مشفى ابن رشد للأمراض النفسية/ لاحظت ثلاثة أخطاء متكررة يقع فيها أغلب مدمني المخدرات تهوي بهم في هذا المستنقع:

1-  خطأ التجربة: يندفع الكثير من ضحايا المخدرات إليها بغرض التجربة وحب الفضول ولو أنهم علموا أن هذا الأمر ليس محلاً للتجربة لنجوا؛ لأن التجربة ولو لمرة واحدة قد تهوي بهم. ولماذا التجربة والنتائج معلومة.

2-  استعمال الأدوية بدون إشراف طبيب ثقة: عدد من ضحايا المخدرات في العصر الحالي يقعون في هذا الخطأ لتناولهم أدوية خطيرة من دون إشراف طبي, وعدد من

الصيدليات لا يعمل فيها صيدلاني أمين بل أُناس آخرون يتصرفون بالأدوية على

هواهم فيقعون بالخطأ بحسن نيّة أو بدونها، فالصواب ألا يأخذ أحد دواء إلا بإشراف طبيب ثقة.

3-  الهروب من الواقع: يظن الكثير من المدمنين في لحظة تعاطيهم لهذه المواد

لأول مرة أن هذه المواد قد تنسيه همومه ومشاكله والإحباطات التي تعرض لها في حياته لذلك يلجأ إليها رغم علمه بضررها. والحقيقة أنها تزيد مصائبه ويضيف بذلك

مشكلة الإدمان إلى مشاكله السابقة ولو أنه تحمل المسؤولية وواجه مشاكله بحكمة وتعقل لكان خيراً له.

أيها الإخوة:

ذَكَرَتْ صحيفةُ الأهرام المصرية يوماً تصريحاً للنائب العام في مصر يقول فيه: إن معركةَ المخدرات هي معركةُ حياة أو موت، نواجِهُ مخطَّطاً دولياً يستهدف تخريب مصر اجتماعياً وأخلاقياً واقتصادياً.

كَتَبَتْ صحيفةٌ استرالية مقالاً نُشِرَ في صحيفة الشرق الأوسط, اتَّهمت فيه صراحةً المخابراتِ الإسرائيلية (الموساد) والمخابرات الأمريكية بالاتصال بتجار المخدرات في لبنان, وترويج هذه المخدرات في الدول العربية المحيطة.

وذكرت الصحيفة أنه تَمَّ القبضُ على ثلاثة شبان يهود, وفي حوزتهم 2طن من الحشيش, كانوا يقومون بتهريبها إلى مصر ودول الخليج العربي، وقد بلغ عددُ اليهود الذين تمَّ القبضُ عليهم في أثناء تهريبهم المخدرات في عام واحد فقط (83 يهودي إسرائيلي).

 

 

حكم المخدرات:

أجمع الفقهاءُ على حُرمة المخدرات, فقد ذكر الإمام ابن حجر: ( أن شربَ المخدرات

من كبائر الذنوب ). وقال غيره:( إن فيها من المفاسد ما ليس في الخمر، فهي أولى

بالتحريم، ومَن استحلَّها فإنهُ يستتاب، فإن تاب, وإلا قُتل مرتداً، لا يُصلّى عليه، ولا

يُدفن في مقابر المسلمين ).وجاء في كتب الحنفية قولهم: ( يحرمُ أَكْلُ البَنْج و

الحشيش والأفيون؛ لأنه مَفْسَدةٌ للعقل, ويصدُّ عن ذكر الله تعالى, وعن الصلاة،

ويجب تعزيرُ آكِلها بما يروِّعه ). أي: يجب معاقبةٌ متعاطيها بما يراه أولي الأمر

رادعاً له.

الوقاية والعلاج:

أما الوقـاية ففي أربعة:

1. شغلُ الوقت بالأمور النافعة من خَيْرَي الدنيا والآخرة.

2. إقامةُ علاقات الود والاحترام بين أفراد الأسرة.

3. صحبةُ الصالحين وترك الفاسدين, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأكُلْ طعامك إلا تقي, ولا تصاحِبْ إلا مؤمناً» [أبو داود].

4. تقويةُ دافع الحب لله, والخوفِ من عقابه.

العـلاج:

مَنْ أصيب فإن بابَ التوبة مفتوحٌ، ولْيَعلم أن اللهَ أفرحُ بتوبة عبده من الظمآن الوارد، والعقيم الوالد، والفاقد الواجد.

وليعلم أن اللهَ يباهي ملائكتَه بالشاب التائب. وليعلم؛ أن اللهَ يُحِبُّ التوابين, ويحب المتطهرين. وليعلم أن اللهَ يمد له يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويمد يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

وخطواتُ العلاج:

1ـ القراءةُ والتعرُّفُ أكثرَ وأكثر على مضارّ هذه الأمور. ومراجعة طبيب ثقة مختص بالطب النفسي فهو الوحيد المؤهل لعلاج مثل هذه الحالات ويوجد في سورية مركز متخصص في علاج الإدمان هو مشفى ابن رشد للأمراض النفسية يتم فيه علاج الإدمان بسرية تامة وبجودة علمية مقبولة والله هو الشافي والمعافي.

2ـ التوجُّهُ إلى الله بصدق الدعاء للإعانة على ترك هذه الأمور: (اللهم آتِ نفوسنا تقواها, وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها)

ثم العزمُ الأكيد على تركها, وليعلم من أصيب بهذا الداء أن امتناعَه خمسة عشر يوماً عن هذه المواد يُذْهِبُ أثرَها من الدم.

3ـ الابتعادُ عن كل مَنْ يُذكّره بهذه المعصية من رفاقٍ أو أمكنةٍ أو صورٍ أو أفلام.

4ـ المحافظةُ على الصلوات, وقراءة القرآن, والأوراد الواردة عن النبي صلى الله

عليه وسلم؛ فإنها تُعطي من السعادة الداخلية ما يفوق بمئات المرات ما تعطيه هذه السموم.

تروي كتب التاريخ والسير:

- أن الصحابيَّ الجليل عروةَ بن الزبير أصابت الغرغرينا عَظمَ رجله, وأراد الطبيبُ

قطعَها، فعرض عليه شرب الخمر حتى يغيب عن وعيه, فيقطعَ رجله، فلم يرضَ عروة

بن الزبير, وطلب منهم أن يأتوه بقارئٍ للقرآن وقال: إذا رأيتموني تغيرَّ لونُ وجهي فاعملوا ما شئتم, فلما تغير لون وجهه, قام الطبيب بعمله دون أن يشعر بألم هذه الجراحة!!..

- أصيب الإمامُ علي بن الحسين زين العابدين بورمٍ، فعرض عليه الطبيبُ الجراح

تناوُلَ بعض الحشائش المخدرة (نبات الشيكران) حتى لا يحس بألم الجراحة, فلم

يرضَ أن يتناوله وقال: إذا دخلت في الصلاة فافعلوا ما بدا لكم. ولما دخل في الصلاة, وغاب في تلك المناجاة العذبة قام الجراحُ بالعملية دون أن يشعر الإمام!!..

واليومَ يفسِّر العلماءُ هذه الظواهرَ وأمثالَها بقولهم: إن هناك مورفينات داخلية في الدماغ, تزداد زيادةً كبيرة في حال الصلاة, وقراءة القرآن الكريم, وذكر الله عز وجل.

فنقطةُ العلاج الرابعةُ: قراءة القرآن الكريم والمحافظةُ على الصلوات, والأوراد النبوية.

5ـ استشارةُ مَنْ يوثَق بدينه وعلمه وعقله في ما يَعرِض للمرء من مهمات الحياة.

نسأل الله أن يحمي شبابنا وبناتنا وبلادنا وبلاد المسلمين.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 2275
تحميل ملفات
فيديو مصور