الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2018-02-18 الساعة 09:17:21
أمهات مربيات
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

                          

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]

قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهٌ: قُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ وَقُوا أَهْلِيكُمْ بِوَصِيَّتِكُمْ. وقال: علموهم وأدبوهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها». [البخاري]

عنوان خطبة اليوم: أمهات مربيات.

أيها الإخوة:

في زحمة هذه الحياة ومع دخول أجهزة الاتصال ومواقعه إلى بيوتنا بتنا بحاجة أكبر

إلى العناية بالتربية داخل البيوت، ذلك لأن الابن والبنت إن لم يكن محصناً بالتربية والعلم داخل بيته فإن غزوه سهل وإن أخذه من بين أيدينا سريع، وإن حسرات ذلك

عائدة على نفسه أولاً ووالديه ثانياً والمجتمع عامة ثالثاً.

من أجل هذا عزمت أن أخطب اليوم عن أمهات مربيات والأسبوع القادم عن آباء مربين، لنشد الهمم في العناية بأبنائنا ليكونوا قرة عين في الدارين.

لا يخفى عليكم أهمية الأم في التربية، وجوداً وعدماً، وها أنا أضع بين أيدي نساءنا نماذج لأمهات مربيات صنعن العالم يوم ربّين أبناءهن تربية عالية، لعلهن يسلكن

سبيلهن ويتعلم منهن فيخرجن لنا من الأبناء مثل ما خرجن.

أولاهن أم سليم  بنت ملحان.

 وهي أم سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنهما، وهي صاحبة أعظم مهر في الإسلام

ذلك أنه  خطبها أبو طلحة الأنصاري وكان يومها مشركا  فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره.

فأسلم وتزوجها وحسن إسلامه، وكانت تغزو مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وروت عنه أحاديث، وروى عنها ابنها أنس.

أما موقفها التربوي العظيم مع ابنها أنس فروت كتب السيرة، أن كل واحد من

 الأنصار أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة هدية، ولم يكن لأم سليم ما تهدي فأتت بابنها أنس، وكان له من العمر عشر سنين، إلى رسول الله صلى

الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ابني هذا يخدمك وليس عندي ما أهديه، فقبله رسول الله وكناه أبا حمزة، وكان دخول أنس لبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و

القرب منه سبب سعادته في الدنيا والآخرة.

ومرة زار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أهل أنس، فقالت أم سليم: يا رسول الله، إن لي خويصة، قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنس: ادع الله له قال أنس: فما ترك لي

خير دنيا ولا آخرة إلا دعا لي به: اللهم ارزقه مالا وولدا، وبارك له.

يقول أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة

 اليوم. وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك. وقد عمّر سيدنا أنس وكان آخر الصحابة موتاً بالبصرة.

ومن تربيتها لابنها ما خرّجه مسلم بإسناده عن أنس رضى اللَّه عنه قال: أتى علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه

وسلّم لحاجة قالت: ما حاجته؟ قالت: إنها سر، قالت: لا تحدثن بسر رسول اللَّه صلّى

اللَّه عليه وسلّم أحدا.

 قال أنس لتلميذه ثابت: واللَّه لو حدثت به أحدا ًلحدثتك يا ثابت.

فمهما استطاعت الأم المربية أن تُلْحِق ولدها بالصالحين وأن تدعوه لصحبتهن و

كثرة مجالستهن فلتفعل فإنها تهديه بهذا سعادة الدارين بإذن الله.

والثانية: أم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه وعنها.

هي صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك الشيباني: ولد الإمام أحمد في آخر القرن الثاني، وعاش في بيتٍ فقير، مات أبوه وهو طفل، فتكفلت أمه بتربيته.

قال أحمد: فحفظتني أمي القرآن وعمري عشر سنوات، وقال: كانت أمي توقظني وتلبسني اللباس، وتحمي لي الماء قبل صلاة الفجر وأنا ابن عشر سنوات، وكانت

تتخمر وتتغطى بحجابها وتذهب معي إلى المسجد؛ لأنه بعيد. فلما بلغت السادسة عشرة من عمري، قالت لي أمي: اذهب في طلب الحديث، فإن السفر في طلب الحديث هجرة

إلى الله الواحد الأحد. قال: فأعطتني متاع السفر عشرة أرغفة شعير، ووضعت

معها صرة ملح، وقالت: يا بني! إن الله إذا استُودع شيئاً لا يضيعه أبداً، فأستودعك

الله الذي لا تضيع ودائعه. ومرت الأيام وصار ذاك الطفل الصغير إمام الدنيا.

وإني لأذكر قبل عشرين سنة طفلاً كان يأتي إلى المسجد ليحفظ القرآن الكريم وله

من العمر تسع سنوات، توصله أمه إلى باب المسجد في التاسعة صباحاً وتقف على الباب أو في عتبات المسجد حتى صلاة الظهر، لتأخذه وترجع إلى المنزل، كان بيتها

في الجادات المرتفعة من حي المهاجرين وكان المسجد يومها في حي مساكن برزة.!

 سألناها مرة وقد أشفقنا عليها وهي تغدو وتروح أياماً وأسابيع وأشهراً ولمدة

سنتين، أشفقنا عليها لماذا لا ترسل ابنها إلى مسجد قريب في حيها، فقالت لأن ابني أحب أستاذه في هذا المسجد واجتهد في الحفظ معه فلا أريد أن أبدل له المسجد فلعله

لا يجتهد كاجتهاده هنا.!

وبالفعل حفظ ابنها عمر القرآن الكريم وهو في الحادية عشر من عمره.

 وقبل أشهر كنت في زيارة منزل أحد الإخوة في أعالي حي المهاجرين فقلت له لقد

كان عندنا في مسجد في حي مساكن برزة طفل من شأنه كيت وكيت، فابتسم وقال إنه جارنا وقد غدا اليوم طبيباً فضلاً عن أدبه وحفظه القرآن.

فمهما استطاعت الأم المربية أن تنفق من وقتها لتقدمه لأولادها فإنها ستسعد بهم

في الدارين بإذن الله.

الثالثة: أم الإمام الأوزاعي:

والإمام الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمَد الأَوْزَاعِيُّ. من أئمة أتباع التابعين، ومن علماء الشام الغر الميامين، جمع بين العلم والأدب، والعبادة والخشية، وبر الخلق وعدم مداهنتهم.

قال الحافظ ابن كثير: (بقي أهل دمشق وما حولها من البلاد على مذهبه نحواً من

مائتين وعشرين سنة).

ثم انتقل مذهبه إلى الأندلس وانتشر هناك فترة، ثم ضعف أمره في الشام أمام مذهب الإمام الشافعي، وضعف في الأندلس أيضاً أمام مذهب الإمام مالك الذي وجد أنصاراً وتلاميذ في الأندلس، بينما لم يجد مذهب الأَوْزَاعِيِّ الأنصار والتلاميذ.

وُلِد الإمام في العقيبة بدمشق ثم ارتحلت به أمه إلى بَعْلَبَكَّ ونشأ في البقاع يتيماً في حجر أمه، ربّته أمه تربية تعجز الملوك أن تربي أنفسها وأولادها مثل تربيته.

قال ابن كثير: (لم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار وغيرهم أعقل

منه، ولا أورع ولا أعلم، ولا أفصح ولا أوقر ولا أحلم، ولا أكثر صمتًا منه)، كان المتعين على من جالس الأوزاعي أن يكتب كل كلمة يقولها.

ذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء، عن العباس بن الوليد قال: (ما رأيت أبي يتعجب من شيء في الدنيا تعجبَه من الأوزاعي، يقول: سبحانك تفعل ما تشاء، كان الأوزاعي يتيماً فقيراً في حجر أمه، وقد بلغ حكمك فيه أن بلغته حيث رأيته.

يا بني! عجزت الملوك أن تؤدب أنفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه، ما رأيته ضاحكاً قط حتى يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول في نفسي: أترى في

المجلس قلباً لم يبك).

وعن الوليد بن مسلم قال: (ما كنت أحرصَ على السماع من الأوزاعي حتى رأيت

النَّبي صلى الله عليه وسلم في المنام والأوزاعي إلى جنبه، فقلت: يا رسول الله!

عمن أحمل العلم؟ قال: عن هذا، وأشار إلى الأوزاعي).

كانت والدة الإمام الأوزاعي من صغره تعلمه الأدب وترسله إلى العلماء وتتابع

عباداته وأوراده، وربما دخلت عليه تتفقده في صلاة الليل فوجدت موضع مصلاه،

رطباً من دموعه في الليل.

بمتابعة هذه الأم لولدها وبتوفيق الله تعالى صار الأوزاعي أوزاعياً، ولو أهملته وانشغلت عنه بسواه لكان رجلاً عادياً يمر على هذه الأرض وتطوي الأرض ذكره.

وإني لأعلم من الإخوة الحاضرين من أخبرني بأن أباه توفاه الله تعالى ولأمه خمس وثلاثون سنة، وقال لي كانت أمي ملكة جمال، وقد جاءها من الخاطبين من جاء لكنها حبست نفسها على تربيتي وتربية إخواني الأربعة فصرنا بفضلها بعد فضل الله تجاراً

 وذا شأن بين الناس ومهما كنا نحن في خير فمن خيرها بعد خير الله تعالى، كان يحدثني وهو ابن الستين بذلك وعيناه مغرورقتان بالدموع.

فمهما استطاعت الأم المربية أن تتابع أولادها في برامجهم وأوقاتهم  فإنها ستسعد

بهم وسيسعدون في الدارين بإذن الله.

الرابعة: أم الإمام البخاري:

ولد الإمام البخاري رحمه الله (194هـ) ببلدة بخارى. مات أبوه وهو صغير فكفلته

أمه وأحسنت تربيته.

ذهبت عيناه في صغره، فشق ذلك على أمه وباتت تواصل ليلها بنهارها داعية له ساعية لعلاجه، فرأت ذات ليلة الخليل إبراهيم عليه السلام في المنام، يقول لها: "

يا هذه! قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك" فأصبح البخاري وقد رد الله عليه بصره، فتبدل حزنها سروراً.

ثم ربته أمه أحسن تربية، فكانت تذهب به للمسجد، وترسله للعلماء وحلقات العلم. وصار فيما بعد إمام الدنيا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمهما استطاعت الأم المربية أن تدعو لأولادها فإن سعادتهم في الدارين بدعائها.

 روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ثلاث دعوات مستجابات، لا شك في إجابتهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على الولد». أي له أو عليه.

أيها الإخوة:

لو أردت أن أسرد لكم أخبار أمهات مربيات من ماضينا وحاضرنا لطال بي المقام

 فهذه أم الإمام الشافعي وتلك أم الإمام مالك وأخرى ست الشام أم حسام الدين

وأخرى أم الحافظ ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق، وهكذا الكثيرات من أمهاتنا.

 

 

 

 

 

الأمهات يلدن للشمس ضياء

وللجواهر حسنَها وصفاها

ما سيرة الأبناء إلا الأمهات

فهم إذا بلغوا الرقي صداها

جعلت من الصبر الجميل غذائها

ورأت رضا الزوج الكريم رضاها

فمُها يرتل آي ربك بينما

يدها تدير على الشعير رحاها

بلت وسادتها لآليء دمعها

من طول خشيتها وتقواها

جبريل نحو العرش يرفع دمعها

كالطل يروي في الجنان رباها

لولا وقوفي عند أمر المصطفى

وحدود شرعته ونحن فداها

لمضيت للطواف حول ضريحها

وغمرت بالقبلات طيب ثراها

 

أيتها الأخوات الكريمات:

مهما أرادت بنت من بناتنا أو زوجة من زوجاتنا أن تكون أماً مربية فعليها بأمور

ثلاثة، دعاء وعلم ومتابعة.

-كثرة الدعاء لأولادها إذ إنها تستفتح أبواب السماء بدعائها لصلاح أولادها ونجابتهم.

- وسعي لتحصيل علم التربية إذ ليس المرء يولد عالما بالتربية، وتحتاج بناتنا وزوجاتنا لتقرأ كتبا في التربية وتتابع مواقع متخصصة بالتربية وتحضر دروساً ومحاضرات بالتربية.

-ومتابعة حثيثة للابن والبنت، وقد عرفوا التربية بأنها إصلاح الابن شيئا فشيئا، و

هذا الإصلاح المتدرج والمتتابع يحتاج إلى متابعة حثيثة وصبر وصمود ليصير الابن عَلَماً يشار إليه  وتصير البنت مَدْرَسةً يُقتدى بها .

اللهم اجز عنا أمهاتنا خير الجزاء وبارك في بناتنا ليكن أمهات مربيات وصالحات مصلحات

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1930
تحميل ملفات
فيديو مصور