الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-11-12 الساعة 09:05:13
آداب مهنة القضاء والمحاماة -3-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال
قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى

عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].
وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].
أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».
وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».
هذه هي الخطبة الثلاثون في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)، وفيها الحديث عن
آداب مهنة القضاء والمحاماة.
أيها الإخوة:
يحق لنا نحن المسلمين أن نفاخر الدنيا بأن تشريعنا الإسلامي هو أضخم وأشمل

تشريع عرفته البشرية عبر تاريخها، وأن قضاتنا رعوا الحق وصانوه وأقاموا العدل وحفظوه.
فتح سعيد بن عثمان سمرقند صلحاً على مال يؤدُّونه مقابل حمايتهم، فلمَّا مات سعيد

تولى بعده قتيبة بن مسلم قيادة الجيش في خراسان.. أخذ قتيبة المال من أهل

سمر
قند ثمَّ هجم على بلادهم بجيشه ففتحها عنوة دون أن يخبرهم بنقض العهد

السَّابق، ودون أن يؤذِنهم بالحرب، فلمَّا آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز  أناب

السَّمرقنديون عنهم وفداً يلتقي الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، يشكو إليه ما كان

من قتيبة بن مسلم، وكيف نقض العقد والعهد وغدر بهم.. لقِي الخليفةُ وفدَهم وسمع

منهم فتناول الخليفة قرطاساً وقلماً وكتب إلى عامله في سمرقند: (إنَّ أهل سمرقند

شكوا ظلماً أصابهم وتحاملاً من قتيبة عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فأجلس فيهم قاضياً

يقضي بالحق في هذه المظلمة).. عاد وفدُهم بكتابه إلى عامله على سمرقند فأحاله إلى القاضي، فاستمع القاضي ظلامتهم، واستدعى شهودَهم عليها، ثمَّ استدعى

شهوداً من الجيش الذي حضر الموقعة مع قتيبة، فشهدوا بالحقِّ؛ شهدوا أنَّ جيش

المسلمين بقيادة قتيبة لم ينبِذ إلى أهل سمرقند عهدَهم، بل فاجأهم بفتح بلادهم عنوة،

 وعندما ظهر الأمر أمام القاضي أصدر حكمه يقول فيه: على الجيش الإسلامي الذي

فتح سمرقند بقيادة قتيبة أن يتأهَّب للخروج من سمرقند فوراً، وكذلك يخرج جميع

المسلمين الذين دخلوها بعد الفتح.. أسرع الوالي -والي سمرقند- يخبر الخليفة عمر

بحكم القاضي لعلَّه يجد عنده مخرجاً ويطلب مشورته، فجاء ردُّ الخليفة: أنفذوا حكم

القاضي.

 وتأهب الجيش للرَّحيل وتأهَّب المسلمون المدنيون لمغادرة سمرقند أيضاً، وبينما

المسلمون المقيمون بالمدينة يودِّعون أهل سمرقند ويخرجون أمتعتهم ويعلنون عن

بيع أملاكهم فيها، كانت المفاجأة:

  لقد جاء وفد من أهل سمرقند إلى الوالي يطلبون منه بقاء المسلمين على ما هم عليه، وأنَّهم كانوا يتصوَّرون أنَّ القاضي سيجور في هذه القضية عصبيَّةً لقومه، وأن الخليفة لن يوافق على حكم القاضي إذا صدر ضد المسلمين، ولن يأمر بتنفيذه فوراً.. وكانت هذه القضية سبباً لإسلام الكثير من أهل سمرقند وانضوائهم تحت راية الإسلام.
فهل في أمة اليوم مثل ما كان لقضائنا وللقضاة من رفيع الشأن وعظيم القدر؟
أيها الإخوة:
لفتني كثرة القضاة من كبار الصحابة والتابعين والعلماء والفقهاء والحفاظ والمحدثين في تاريخنا الإسلامي، الأمر الذي يدل على رفعة منزلة القضاء والدفاع عن الحقوق عند المسلمين.
 فمن الصحابة أقضى القضاة سيدنا علي بن أبي طالب ثم سيدنا معاذ بن جبل قاضي

 اليمن ثم سيدنا زيد بن ثابت الأنصاري أعلم الناس بالفرائض ثم سيدنا عبادة بن

الصامت أول من ولي القضاء بفلسطين، ثم النُّعمان بن بشير ولي القضاء بدمشق زمن سيدنا معاوية.

ومن التابعين القاضي شريح من وفيات 78 للهجرة  كان في زمن النبي صلى الله 

عليه وسلم ولم يسمع منه. ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية.

 ثم عبيدة السلماني  من وفيات 72 هـ  قال الشعبي: كان عبيدة يوازي شريحا في 

القضاء. ثم أبو بردة بن أبي موسى الأشعري توفي 103 هـ.

ثم ابن أبي ليلى  ولي القضاء ثلاثا وثلاثين سنة لبني أمية، ثم لبني العباس. ثم القاسم بن عبد الرحمن توفي 120هـ كان على قضاء الكوفة، وكان لا يأخذ على القضاء أجراً.
  وممن بعدهم من العلماء الأجلاء أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، 

وقد ولي أبو يوسف القضاء للهادي والمهدي والرشيد. وهو أول من سمي قاضي

القضاة،  ثم سحنون الفقيه المالكي صاحب المدونة، والجلال البلقيني الفقيه

الشافعي، والقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلم المشهور، والحافظ محمد بن حبان

 البستي صاحب المصنفات الحديثية،  وأبو السعود المفسر الشهير،  وابن منظور

 صاحب لسان العرب،  وابن حجر العسقلاني المحدث الفقيه المؤرخ، والعز بن عبد

 السلام صاحب قواعد الأحكام، ومحمد قدري باشا وزير المعارف والعدل في مصر

 في زمانه وصاحب "الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية" و "مرشد الحيران

 إلى معرفة أحوال الإنسان". وغيرهم وغيرهم كثير.


ينبيك علمهم واختصاصاتهم عن أدبهم الجم وأخلاقهم الرفيعة في الدفاع عن الحقوق ونصرة العدل.
كتب الأستاذ مشهور حسن سليمان في كتابه المحاماة (تاريخها في النظم وموقف الشريعة الإسلامية منها). مفردات نافعة في آداب المحامي وشروطه أختار لكم منها:
1- أن يكون المحامي عاقلاً بصيراً في الحكم الذي أسند إليه الوكالة فيه، عارفاً

باللغة التي يحتاج إلى المحاورة بها في وكالته، فيذكر حججه ملخصة عن الحشو

والزيادة، بألفاظ مفهومة معتادة. قريبة من الأفهام، وأن تكون واقعة على وجه العدل

 من غير زيادة في الإيذاء والفحش ونقصان عن قدر الواجب.

2-  أن يكون المحامي من أهل الستر والعدل والعفاف: ونصَّ على هذا أصحاب

 المذاهب الأربعة، قال صاحب الإقناع من الحنابلة :(ويوصي القاضي الوكلاء

والأعوان على بابه، الرفق بالخصوم وقلة الطمع، ويجتهد أن يكونوا شيوخاً وكهولاً

 من أهل الدين والفقه والصيانة).

3-  أن يكون مأموناً على الخصومة فلا يفشي سر موكله. ويقيم الحجة للصغير

 والضعيف الذي يتكلم عنه، كما يقيمها للكبير والقوي والرفيع، ولا يأخذ جعالة

 وأجرة على حجة من خصمه، ولا يواطئ على موكله في الباطن، فمن فعل ذلك فقد

 باء بإثمه، وتحمل وزره، والله حسبه.

4-  أن يكون مأموناً على الحرم: فإنه ربما يتوكل للنساء، فينبغي ألا يكون ممن يتهم بريبة في كلام النساء.
5-  وعليه ألا يظهر لدداً وتشغيباً في مجلس القاضي.
قال ابن سهل: والذي ذهب إليه الناس في القديم والجديد قبول الوكالة إلا ممن ظهر منه تشغيب ولدد. فذلك يجب على القاضي إبعاده وألا يقبل له وكالة على أحد.
6- ويلزم المحامي تحري الحق في وكالته ولا يتوكل فيما يعلم أنه باطل، وعليه تجنب قصد إيقاع الظلم على الخصم.
7- ويلزم المحامي الترافع بما لا يخالف شريعة الله عز وجل وعدم الرضا بما يخالفها.
8- لا يجوز للمحامي أن يقبل الوكالة عن طرفين متخاصمين في دعوى واحدة. جاء في مغني المحتاج (ولو وكله في طرفي العقد، ونحوه كمخاصمة، لم يأت بههما وله اختيار طرف منهما).  وهذا مقتضى مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
9- ألا يخالف المحامي في الخصومة أمر موكله: وذلك لأن الوكيل نائب عن الموكل،
 منفذ لأمره، فإذا تصرف الوكيل تصرفاً فيه مخالفة لأمر موكله فعمل بعكس ما طلب منه، فقد خرج عن دائرة الوكالة، وضمن الضرر الحاصل من المخالفة.

أيها الإخوة:
هذه شيء من الحديث عن مهنة القضاء والمحاماة. فقهها وآدابها، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.          
والحمد لله رب العالمين
 
أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1328
تحميل ملفات
فيديو مصور