الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-11-05 الساعة 09:05:28
مهنة القضاء والمحاماة - 2 -
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة التاسعة والعشرون في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

 ونتابع فيها الحديث عن مهنة القضاء والمحاماة

أيها الإخوة:

يحق لنا نحن المسلمين أن نفاخر الدنيا بأن تشريعنا الإسلامي هو أضخم وأشمل

تشريع عرفته البشرية عبر تاريخها، وأن قضاتنا رعوا الحق وصانوه وأقاموا العدل وحفظوه،.

عن شريح قال: افتقد عليّ رضي الله عنه درعًا له في معركة، فلمَّا انقضت الحرب

ورجع إلى الكوفة، أصاب الدِّرع في يد يهودي يبيعها في السُّوق، فقال له: يا يهودي

، هذا الدِّرع درعي، لم أَبِع ولم أهَب، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فقال عليّ:

نصير إلى القاضي، فتقدَّما إلى شريح، فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين، فقال: نعم، أقول: إنَّ هذه الدِّرع التي في يد اليهودي درعي، لم أَبِع ولم أَهَب، فقال شريح: يا أمير

المؤمنين بيِّنة، قال: نعم، قنبر والحسن والحسين يشهدون أنَّ الدِّرع درعي، قال:

شهادة الابن لا تجوز للأب، فقال علي: رجل من أهل الجنَّة لا تجوز شهادته؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ»

فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدَّمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه! أشهد أنَّ هذا الحق، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ الدِّرع درعك، كنتَ راكباً

على جملك الأورق وأنتَ متوجّه إلى صفين، فوقَعَت منك ليلاً، فأخذتُها. قال عليّ

رضي الله عنه: أَمَا إذا قلتَها فهي لك، وحمله على فرَس.

فهل في أمة اليوم مثل ما كان لقضائنا وللقضاة من رفيع الشأن وعظيم القدر؟!

يسعني في خطبة اليوم أن أجيب عن الأسئلة الآتية:

- اتصل بمحاميه وطلب منه  القيام بعمل قانوني مستعجل وقال له "خود يلي بدك يا

بس عملي يا"،  وعند إنجاز العمل ومطالبته ببدل الأتعاب استكثر الرقم وأعطاه

جزءا منه، فما الحكم في المسألة؟

- هل يجوز للمحامي في حال الاتفاق مع الموكل على أتعاب القضية مضافاً إليها

النفقات الفعلية، زيادة مبلغ النفقات ليضمها لأتعابه؟

- بذل المحامي العناية المعهودة إلا أن النتيجة المطلوبة لم تحصل، فرفض الموكل تسديد الأتعاب المتفق عليها بحجة عدم تحقق النتيجة، فهل هذا العمل جائز؟

- هل يجوز للمحامي المتمرن الذي يعمل في مكتب أستاذه من دون أجر أن يوهم

أستاذه أنه دفع نفقات إضافية ليعوض شيئا من أتعابه؟

- هل يجوز أن يتفق المحامي مع الموكل على أن له كذا من المال إن ربحت القضية

ولا شيء له إن لم تربح.

- هل يجوز للمحامي أن يتفق مع موكله على بدل أتعابه بقوله: إن ربحت القضية

فلي كذا، وإن لم تربح فكذا؟

وإليكم الإجابات والله المعين.

- الأسئلة الخمسة تجمعها مسألة واحدة هي التكييف الفقهي لبدل أتعاب المحامي.

يمكن للمحامي التعامل مع بدل أتعابه على أساسين صحيحين شرعاً، أولهما: وهو الأشهر والأكثر الوكالة بأجر والثاني: الجعالة.

أما الوكالة بأجر فالوكالة شرعاً هي إقامة الإنسان غيرَه مقام نفسه في تصرف جائز معلوم. وهذا ما يفعله الموكل مع المحامي إذ يطلب عليه أن يقوم مقامه في خصومة معينة، ويطلب المحامي منه بدل أتعاب، وهو الأجر.

ويشترط في الوكالة بأجر أن تكون الأجرة معلومة من أول العمل، ويمكن أن يتفق الطرفان على تعجيلها أو تأخيرها أو تقسيطها.

ومن هنا نستطيع الإجابة على السؤال الأول:

- اتصل بمحاميه وطلب منه  القيام بعمل قانوني مستعجل وقال له "خود يلي بدك يا

بس عملي يا"،  وعند إنجاز العمل ومطالبته ببدل الأتعاب استكثر الرقم وأعطاه

جزءا منه، فما الحكم في المسألة؟

بأن للمحامي أجر المثل الذي تحدده القوانين والأعراف.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (وَإِذَا اتَّفَقَ الْمُوَكِّل وَالْوَكِيل عَلَى الأْجْرِ وَجَبَ

الأْجْرُ اتِّفَاقًا.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ الطَّرَفَانِ عَلَى الأْجْرِ فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَكِيل: إِمَّا أَنْ يَكُونَ

مِمَّنْ لاَ يَعْمَل بِالأْجْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمِهَنِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالأْجْرِ.

فَفِي الْحَالَةِ الأْولَى تَكُونُ الْوَكَالَةُ تَبَرُّعًا، لأِنَّ الأْصْل فِيهَا ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ تُشْتَرَطِ الأْجْرَةُ

حُمِل عَلَى الأْصْل.

نَصَّتِ الْمَادَةُ (1467) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ: "إِذَا اشْتُرِطَتِ الأْجْرَةُ فِي الْوَكَالَةِ وَأَوْفَاهَا الْوَكِيل اسْتَحَقَّ الأْجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ وَلَمْ يَكُنِ الْوَكِيل مِمَّنْ يَخْدُمُ

بِالأجْرَةِ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالأْجْرَةِ".

أَمَّا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيل مِنْ أَصْحَابِ الْمِهَنِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالأجْرِ

لأن طَبِيعَةَ مُهِمَّتِهِمْ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَيَسْتَحِقُّ الْوَكِيل الأْجْرَةَ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا وَقْتَ التَّعَاقُدِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْل).

    هذا، ويستحق الوكيل – وهو المحامي هنا- الأجرة سواء خرجت النتيجة كما

يحب الموكل أو  لا كما  يحب، ما دام المحامي قام بالعمل المطلوب منه من دون تعد

أو تقصير. فإن تعدى أو قصر ضمن بمقدار تعديه.

ومن هنا نستطيع الجواب على السؤال الثاني:

- بذل المحامي العناية المعهودة إلا أن النتيجة المطلوبة لم تحصل، فرفض الموكل تسديد الأتعاب المتفق عليها بحجة عدم تحقق النتيجة .فهل هذا العمل جائز؟

وجوابه أن الموكل الذي يأبى دفع المتفق عليه من الأتعاب آكل للحرام معتد على حق المحامي. وللمحامي الحصول على حقه بأية طريقة شرعية قانونية يستطيعها.

وليعلم المحامي وموكله أن مغانم القضية ومغارمها للموكل، فلا يحل للمحامي الوكيل تسجيل نفقات إضافية لم يدفعها ولا يجوز للموكل تغريم المحامي الوكيل بنفقات لازمة دفعها المحامي لصالح القضية.

ومن هنا يمكن الإجابة على السؤال الثالث:

- هل يجوز للمحامي في حال الاتفاق مع الموكل على أتعاب القضية مضافاً إليها

النفقات الفعلية، زيادة مبلغ النفقات ليضمها لأتعابه؟

وجوابه أنه لا يجوز ذلك، لأن المحامي أمين ولا يجوز له أن يخون.

وقل مثل ذلك في المحامي المتمرن عندما سأل:

هل يجوز للمحامي المتمرن الذي يعمل في مكتب أستاذه من دون أجر أن يوهم

أستاذه أنه دفع نفقات إضافية ليعوض شيئا من أتعابه؟

وجوابه: أنه لا يحل للمتمرن أن يضيف على النفقات الفعلية التي يدفعها للمكتب

شيئا، لأنه أمين والأمين لا يخون، وله أن يطلب من أستاذه شيئا من الأجرة إن رضي الأستاذ بذلك.

    كل ما سبق - أيها الإخوة-  إن كان العقد بين المحامي وموكله عقد وكالة بأجر

 وهو الأغلب، ولكن يمكن للمحامي أن يجعل العقد بينه وبين موكله عقد جعالة، والجعالة هي التزام عوض معلوم على عمل معين، أو مجهول عسر علمه.

ومن شروط الجعل وهو ما يبذل للعامل – وهو المحامي هنا - لقاء عمله أن يكون:

معلوماً، على أنه لا يسلم للعامل إلا إذا أنجز العمل المطلوب فإن لم ينجزه فلا شيء له.

ومن هنا يجوز أن يتفق المحامي مع الموكل على أن له كذا من المال إن ربحت

القضية ولا شيء له إن لم تربح. وهو جواب السؤال الخامس، مع التنبه على أنه لا يصح اشتراط تعجيل الجعل أو جزء منه فإن فعلا قبل العمل فسد العقد.

أما الجواب على السؤال السادس الأخير:

 - هل يجوز للمحامي أن يتفق مع موكله على بدل أتعابه بقوله: إن ربحت القضية فلي كذا، وإن لم تربح فكذا؟

فقد قال المالكية  كما في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: (إن قال الجاعل: إن

أتيتني بضالتي فلك كذا ، وإن لم تأت بها فلك كذا ، فللعامل في هذه الحالة أجرة مثله، أتى بها، أو لم يأت بها؛ لأن العقد على هذه الصورة قد خرج عن حقيقة الجعالة التي

يشترط الجعل فيها بتمام العمل، ومتى خرج عن حقيقته كان فيه أجرة المثل). والله أعلم.

 

أيها الإخوة:

هذه إجابات على بعض أسئلتكم المتعلقة بمهنة القضاء والمحاماة. وللموضوع تتمة

إن شاء الله، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم

شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد

الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1253
تحميل ملفات
فيديو مصور