الخميس 09 شوال 1445 - 18 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-08-07 الساعة 07:38:38
مهنة السواقة 1
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». [البخاري].

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة التاسعة عشرة في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

نبدأ اليوم الحديث عن مهنة السواقة -1-

أيها الإخوة:

قارب عدد المركبات المسجلة بمديريات النقل في المحافظات السورية المليونين والنصف مركبة، ما بين مركبة عامة وخاصة، بحسب وزارة النقل، فالحديث عن السواقة مرتبط على أقل تقدير بمليونين ونصف المليون من أهل هذا البلد المبارك.

يقضي نحو مليون وربع المليون إنسان في العالم نَحْبهم كل عام نتيجة حوادث المرور. حسب منظمة الصحة العالمية أواخر عام 2016.

وتمثّل الإصابات الناجمة عن حوادث المرور أهم أسباب وفاة الشباب من الفئة العمرية 15-29 سنة.

ولقد ألفنا أن نسمع العالم يحدثنا عن حقوق الإنسان وحقوق الحيوان لكننا نجد أمرا عجبا في الإسلام عندما نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن حقوق الطريق.

روى البخاري ومسلم وغيرهما عـن أبـي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليـه وسلم: «إياكم والجلوس فـي الطرقات، قالوا: يا رسول الله،

مـا لنا بد مـن مجالسنا، نتحدث فـيهـا، قال: فـإذا أبـيتم، فأعطوا الطريق حقه، قالوا:

ومـا حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عـن المنكر».

وفي حديث أبي هريرة عند أبي داوود بزيادة: «وإِرْشَادُ السبيل»

وفي حديث عمر بن الخطاب عنده بزيادة: «وتُغيثُوا الملْهُوف، وتَهْدُوا الضَّال».

وَفِي حَدِيث ابن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنَ الزِّيَادَةِ: «وَأَعِينُوا عَلَى الْحَمُولَةِ».

وفي حديث سهل بن حنيف عند الطبراني من الزيادة: «وذكر الله كثيرا».

قال الإمام النووي: (وَيَدْخُلُ فِي كَفِّ الْأَذَى اجْتِنَابُ الْغِيبَةِ وَظَنِّ السُّوءِ وَاحْتقَارِ بَعْضِ الْمَارِّينَ وَتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ).

فاجتمعت عشرة حقوق للطريق -وسائقو المركبات العامة والخاصة هم أولى الناس

بأدائها- : غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عـن

المنكر، وإغاثة الملْهُوف، وهداية الضَّال، والإعانة عَلَى الْحَمُولَةِ، وعدم تضيق

الطريق على الناس، وذكر الله كثيرا.

يقول أحد الباحثين: (من المسلم بــه أن القوانين واللوائح والقرارات المرورية

لا تكفي لضبط السلوك الإنساني، ولا تستطيع أن تكون وحدها دافعا إلـى الخير،

مهما بلغت قوة الرقابة المرورية، فـإن هناك نسبة عالية مـن قـائـدي السيارات خارج المراقبة لأسباب كثيرة.

فلا بد مـن وجود الدافع الديني عند قـائـدي السيارات؛ للالتزام بأحكام المرور،

واحتساب الأجر على ذلك عند الله تعالى، لأن الأنظمة المرورية مهما استطاعت أن تعاقب المسيء، فإنها لا تستطيع مكافأة المحسن) [الأحكام والآداب الشرعية لسائق السيارة، للدكتور محمد الطبطباني].

 

 

 

ويسعني في خطبة اليوم أن أجيبكم على الأسئلة الفقهية الآتية:

- ما حكم التزام السائق بالإشارات الضوئية والعلامات والأنظمة المرورية؟

- أعمل سائقاً على سيارتي العمومية، وأقوم بتوصيل أناس من طبقات مختلفة، فهل يجوز أن آخذ أجراً متفاوتاً من الناس؟

- ما حكم التأمين الإلزامي على المركبات؟ وهل يجوز أخذ التعويض من شركة التأمين؟

- ما حكم توصيل الزبائن إلى مكان ترتكب فيه المعاصي؟ أو إيصال المحرمات إلى تلك الأماكن؟

- هل للسائق كثير السفر أن يأخذ برخص الصلاة والصوم؟

إليكم الإجابات والله المعين:

السؤال الأول: ما حكم التزام السائق بالإشارات الضوئية والعلامات المرورية؟

الجواب: جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي عام 1993 م.

(إن مجمع الفقه الإسلامي بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص

   موضوع: "حوادث السير" وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، وبالنظر

إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم، واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط الأمن كسلامة الأجهزة وقواعد نقل الملكية ورخص القيادة والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة.

قرر ما يلي:

أ- أن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجب شرعا، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناء على دليل المصالح المرسلة.

ب- مما تقتضيه المصلحة أيضا سن الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي، لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى. والله أعلم.

 

 

 

 

 

السؤال الثاني: أعمل سائقاً على سيارتي العمومية، وأقوم بتوصيل أناس من طبقات مختلفة، فهل يجوز أن آخذ أجراً متفاوتاً من الناس؟

الجواب: الأصل أن الناس أحرار في بيعهم وشرائهم، ولم تعين الشريعة حداً للربح.

 وبناء عليه فللسائق أن يأخذ ما شاء من الأجر وإن تفاوت من شخص إلى آخر ما

دام لا يغْبِن الناس ويخدعهم.

لكن إن ألزمت الدولة بعض السائقين بعداد يضبط المسافة والأجرة المطابقة لها

بشكل عادل (كسائقي التاكسي)، أو ألزمت بعض المركبات بتسعيرة موحدة؛ فهنا

يجب على السائق أن يلتزم به لأن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجب شرعا لما فيها من مصلحة عامة.    والله أعلم.

 

 السؤال الثالث: ما حكم التأمين الإلزامي على المركبات؟ وهل يجوز أخذ التعويض من شركة التأمين؟

الجواب: التأمين الإلزامي على المركبات إما أن يكون في شركات تأمين تكافلية

إسلامية فهو جائز، وإذا حصل مع المرء حادث في فترة الإبرام، فإنّه يأخذ مال شركة التّأمين الإسلامية حلالاً كاملاً.

 وإما أن يكون التأمين الالزامي في شركات تأمين تجارية ربوية فهو حرام لما فيه

من الغرر والميسر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَ

الْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]

لكن إذا أُلزم به المرء ولم يمكنه التخلص منه جاز له فعله وتكون حالة ضرورة مشروعة، والإثم على من ألزمه.

 وإذا حصل مع المرء حادث في فترة الإبرام، فإنّه يأخذ مال شركة التأمين الربوية فيستوفي منه أمثال الأقساط التي دفعها للشركة ويتصدق بالباقي. والله أعلم.

(ملاحظة: إذا كان التأمين الربوي الإلزامي ضد الغير وحصل مع المرء حادث في

فترة الإبرام وكان متضرراً من دون تقصير منه فإنه يأخذ مال شركة التأمين الربوية لتعويض الضرر الذي نزل به كاملاً؛ لأن شركة التأمين في هذه الحالة وكيلة في

التعويض عن الطرف الآخر مسبب الضرر.

وإذا كان هو المسبب للضرر لطرف آخر فإن الطرف الآخر يأخذ مال شركة التأمين الربوية لتعويض الضرر الذي نزل به؛ لأن شركة التأمين في هذه الحالة وكيلة عن المسبب في التعويض للطرف الآخر المتضرر، وعلى المسبب أن يحصي أمثال أقساطه التي دفعها للشركة ويتصدق بمثل الباقي).

 

 

السؤال الرابع: ما حكم توصيل الزبائن إلى مكان ترتكب فيه المعاصي؟ أو إيصال المحرمات إلى تلك الأماكن؟

الجواب: توصيل الزبائن إلى مكان ترتكب فيه المعاصي، أو إيصال المحرمات إليها

– مع العلم بذلك- محرم لأن فيه إعانة على المعصية، والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا

عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

   جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (الإجارة على المنافع المحرمة كالزنى

 والنوح والغناء والملاهي محرمة وعقدها باطل لا يستحق به أجرة، ولا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشربها، ولا على حمل الخنزير. لأنه استئجار لفعل

محرم، فلم يصح، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن حامل الخمر والمحمولة إليه.

وأما حمل هذه الأشياء لإراقتها وإتلافها فجائز إجماعا). والله أعلم.

 

السؤال الخامس: هل للسائق كثير السفر أن يأخذ برخص الصلاة والصوم؟

الجواب: إذا كانت المسافة التي يقطعها السائق في سفره مبيحة للترخص وهي

عند الجمهور ما يساوي ثلاثة وثمانين كيلو متراً تقريباً، فإن له الترخص برخص

 السفر، ولا يمنعه من ذلك كونه دائم السفر، ومن ثم فله ما دام مسافراً أن يقصر

 الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين، وله أن يفطر في رمضان، أيام سفره. وعليه

القضاء متى زال العذر، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ

أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]. 

وله أن يجمع بين الصلاتين الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء في وقت إحداهما تقديماً أو تأخيراً، فإن السفر رخصة في الجمع بين الصلاتين عند الجمهور. والله أعلم

أيها الإخوة:

هذه بعض الإجابات على مسائلكم الفقهية المتعلقة بمهنة السواقة وللموضوع تتمة

 إن شاء الله، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم

 شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد

الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1105
تحميل ملفات
فيديو مصور