الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-03-27 الساعة 09:58:54
مهنة التعليم -2-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ

إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» [البخاري].

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة السادسة في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

 ونتابع اليوم الحديث عن: مهنة التعليم  -2-

أيها الإخوة:

أخرج الإمام الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: عن النبيّ

صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله وملائِكَتَه وأهْلَ السَّمواتِ والأرضِ حتى

النَّملةَ في جُحْرِها، والحيتان في البَحْرِ لَيُصَلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ» وللمعلمين المتقين من هذا الحديث نصيب كبير.

ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَحْوَال الْمُعَلِّمِ أنه أَشْرَفُ الأْحْوَال، فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِل وَعَلَّمَ فَهُوَ الَّذِي يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ كَالشَّمْسِ تُضِيءُ لِغَيْرِهَا وَهِيَ وَضِيئَةٌ فِي نَفْسِهَا، وَكَالْمِسْكِ الَّذِي يُطَيِّبُ غَيْرَهُ وَهُوَ طَيِّبٌ.

أعَلِمْتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي

يبني وينشئ أنفساً وعقولا

وسبق في الخطبة الماضية الجواب على مسائل فقهية هي:

- ما حكم خروج المدرس عن المنهاج للتسلية والترفيه.

- ما حكم تدريس الذكور للإناث وعكسه.

- ما حكم تأديب المتعلم بالضرب.

وتتابع خطبة اليوم الإجابة على أسئلة جديدة:

1-  ما حكم التدريس الخصوصي؟

الجواب: يعتبر التدريس الخصوصي نوعاً من أنواع الإجارة في الفقه الإسلامي. وهو عقد مشروع من حيث الأصل، إذا انضبط بالضوابط الشرعية الآتية:

الضابط الأول: عدم مخالفة القوانين.

الضابط الثاني: الاعتدال في الأجر.

الضابط الثالث: ألا يترتب على التدريس محظور شرعي من خلوة وغيرها.

الضابط الرابع: ألا يؤثر التدريس الخصوصي على عمل المدرس الأصلي.

-     الضابط الأول: التزام النظام العام، فيجب أن لا يكون نظام الجهة التي

  يعمل لديها المدرس كوزارة التربية مثلاً يمنع من إعطاء

  الدروس الخصوصية، فإن الشريعة الإسلامية تدعو المسلم لاحترام

القوانين التي لا تعارض بينها وبين الشريعة؛ لأنها من باب التنظيم

 وحسن التدبير. وهو يندرج تحت أصل شرعي مقرر يسمى المصالح المرسلة.

وقد أصدر سيدنا عمر رضي الله عنه جملة من القوانين ذات الطابع التنظيمي والإداري مخالفاً فيها ما كان عليه العمل على عهد رسول الله صلى الله عليه

وسلم، وكان ذلك بحضور الصحابة ولم يُعلم له مخالف، وذلك من مثل:

 تدوين الدواوين، واستحداث السجن، وتعيين محتسب (مراقب عام) على

السوق يضبط التزام الناس بالحلال والحرام في نشاطهم الاكتسابي،

وتخصيص حصة تموينية لكل شخص، ونحو ذلك مما هو مبسوط في محله، والحاصل أن مثل هذه الأمور التي تفرضها الدولة مما لا دليل على حرمتها شرعاً يجب مراعاتها والتزامها؛ لضبط حياة الناس وتنظيم حياتهم.

-     الضابط الثاني: خلو الدرس من محظور شرعي:

 ألا يترتب على التدريس الخصوصي مخالفة شرعية من خلوة رجل بامرأة أجنبية ونحوها.

-     الضابط الثالث: الاعتدال في الأجرة:

الأصل أن يترك الناس أحراراً في تقدير أرباحهم وأثمان خدماتهم. إذ لا يوجد نص شرعي صحيح وصريح يدل على وجوب تحديد سقف للربح أو للأجرة.

ولكن هذا لا يمنع من الترفق بالناس والاعتدال في الاسترباح منهم، و

لا سيما في الظروف الخاصة وحيث تكون هناك شائبة حاجة من الطرف الآخر، لأن التحكم في الأجرة والحالة هذه نوع من الاستغلال غير المشروع.

على أن نصوص الشريعة الإسلامية تضافرت على وجوب سلامة التعامل من الغش، والخديعة، والتدليس، والاستغفال، والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.

-     الضابط الرابع: ألا يؤثر على عمل المدرس الأصلي.

 

2-  هل يلزم المدرس بإعادة شرح الدرس لمن لم يفهمه من الطلاب؟

الجواب: الأصل أن عقد الإجارة بين المدرسة والمعلم على إعطائه الدروس بأفضل طريقة ممكنة، لا على تفهيمه الدروس للطلاب، ذلك لأن مسألة الفهم مسألة متباينة بين الطلاب وغير منضبطة، ويستحق المعلم أجره حلالاً ما دام أعطى الوقت المطلوب منه والدرس المقرر عليه.

 وبناء على ذلك فلا يُلزم المعلم بإعادة الدرس لمن لم يفهمه من الطلاب،

على سبيل الوجوب، وإن كان ذلك مستحباً له للحديث «واللهُ في عَونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَونِ أَخيهِ» [مسلم] إذا كانت هذه الإعادة لا تضييع حقوق باقي الطلاب في متابعة المقرر.

خاصة وأن العرف جارٍ بين المعلمين على عرض المسألة بطرق متنوعة لتفهيمهما لأكبر قدر من الطلاب. والله أعلم

3-  ما حكم قبول المعلم لهدايا الطلاب؟ 

جاء في حاشية الجمل ونهاية المحتاج من كتب الشافعية

(إِنْ أُهْدِيَ إِلَى المعلم تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ)، أما إذا

 كانت على سبيل الرشوة لإعطاء الطالب أكثر من حقه في الامتحانات فهي حرام. فلا يجوز دفعها إليه ولا يجوز له قبولها، ولو غضب المهدي.

 هذا ولا بد من الهدية أن تكون مما تعارفه الناس في هدايا المعلمين، فإن

 زادت على العرف بأن كانت ثمينة جداً وجب على المعلم سؤال ولي الطالب عنها والتأكد من أنها خرجت من ملكه بإذنه.

 

4-  ما حكم إعطاء المدرس علامات إضافية للطالب الراسب لجبر رسوبه؟

وما حكم غض الطرف عن الطلاب في أثناء الامتحان ليأخذوا المعلومات من أوراق زملائهم؟

الجواب: المعلم مؤتمن على طلابه فلا يحل له خيانة الأمانة بإنجاح من حقه

الرسوب أو ترسيب من حقه النجاح، كما لا يحل له معونة طلابه على الغش، فمن غش فليس منا.

وقل مثل ذلك في صناعة مشاريع تخرج لطلاب الهندسة ليقدموها بأسمائهم

إلى كلياتهم، فهو من الغش والتزوير، إذ إن هذا العمل لم يقم به الطالب بل قام به المدرس، ثم قدّمه باسم الطالب فهو حرام، والمال المأخوذ منه ليس حلالاً.

نعم؛ يستطيع المدرس عون الطالب ومساعدته ليعمل الطالب مشروعه بنفسه ويشرف عليه المدرس ويتقاضى على ذلك الأجرة، لتكون حلالاً. والله أعلم

 

5-  إذا كنت مدرساً، هل يمكنني أن أدفع مال الزكاة عن أموالي بتدريس

بعض الدروس المجانية للفقراء؟

الجواب: هذه المسألة تعنون في كتب الفقه بقولهم ما حكم إخراج المنافع زكاةً؟

تعلمون أنَّ الزَّكاة يصحُّ إخراجها نقوداً، أو ذهباً وفضةً، أو زروعاً وثماراً، أو شاةً وإبلاً وبقراً، لكن ما حكم إخراج المنفعة زكاةً؟

وقد قرأت بحثاً مقدَّماً للنَّدوة الثَّامنة عشرة لقضايا الزَّكاة المعاصرة بعنوان:

 (دفع المنافع في الزَّكاة)، قدَّمه الأستاذ الدُّكتور محمَّد عبد الغفَّار الشَّريف:

أستاذ الفقه وأصوله والعميد السَّابق لكليَّة الشَّريعة والدِّراسات الإسلامية بجامعة الكويت، ومما جاء فيه:

(على اعتبار المنفعة مالاً -على اختيار جمهور الفقهاء، خلافاً للحنفيَّة-، و

على اعتبار الشَّرط الرَّئيس في الزَّكاة دفع خلة الفقير، خلافاً لمن قال أنَّ

الشَّرط الرَّئيس فيها التَّمليك، نختار إجزاء دفع المنفعة زكاةً عن المال.

فإذا كان في دفع المنفعة إلى الفقير مصلحةٌ قائمةٌ له؛ كحاجته إلى التَّطبيب، أو التَّعليم، أو السُّكنى أو غير ذلك، فلا مانع من قيام المزكِّي بالخدمة المطلوبة،

واعتبارها زكاةً عن أمواله، وكذا يجوز ذلك إذا كان في إخراج المنفعة بدلاً عن المال دفعاً لضررٍ عن المزكِّي؛ إذ لا ضرر ولا ضرار.

ولكن لإخراج المنفعة زكاةً ضوابط هي:

1)   أن تكون للفقير حاجةٌ قائمةٌ إلى المنفعة المخرَجة.

2)   أن لا تكون المنفعة مبذولةً بالمجَّان من جهاتٍ أخرى، كالعلاج الحكومي،

    والتَّعليم، وما أشبه ذلك.

3)   أن تكون المنفعة من الحاجات الأساسيَّة، لا الكماليَّات.

4)   أن يتضرَّر المزكي من إخراج الزَّكاة نقداً أو ما أشبه النَّقد، إمَّا لعدم توفر

    المال لديه، أو لحاجته القائمة إلى المال عند حلول موعد زكاته.

5)   أن تُقدَّر المنفعة المخرَجة زكاةً بقيمتها الحقيقية في السُّوق أو أقلَّ، ولا

     يبالغ في قيمتها.

والله تعالى أعلم). انتهى.

هذا الذي وجدته في هذا البحث للدُّكتور الشَّريف في هذه المسألة، علماً أنَّني

قرأت لكثير غيره من العلماء من لا يرضى بإخراج المنفعة زكاةً؛ لأن المتفق

عليه في الزَّكاة تمليك المال، فيبقى هذا الحكم الذي سمعتم في الخطبة حلَّاً

لحالةٍ يكون أنسب الحلول فيها إخراج المنفعة.

أيها الإخوة:

هذه بعض الإجابات على مسائلكم الفقهية المتعلقة بمهنة التعليم وللموضوع

تتمة إن شاء الله.. واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه

الخطب أن يُحَكِّم شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في

 مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

       

والحمد لله رب العالمين

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1522
تحميل ملفات
فيديو مصور