الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-12-12 الساعة 09:44:48
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معناها ومنزلتها
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]

وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا

عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [المائدة: 92] وَقالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى

صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]

أخرج البخاري ومسلم عَنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ رضي اللَّه عنه، قَالَ: نَهَى رسولُ

اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، عَن الخَذْفِ وقالَ: «إِنَّهُ لاَ يقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلاَ يَنْكَأُ الْعَدُوَّ

، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، ويَكْسِرُ السِّنَّ»

وفي رواية: أَنَّ قَريباً لابْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ فَنَهَاهُ وَقالَ: إِنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى عَن الخَذْفِ وقَالَ: «إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً»  ثُمَّ عادَ؛ فقالَ: أُحَدِّثُكَ أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبداً.

وأخرج الشيخان عنْ عابسِ بن ربيعةَ قَالَ: (رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخطاب رضي اللَّه

عنه، يُقَبِّلُ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ ويَقُولُ: إِني أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ، ولَوْلا

أنِّي رأَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ...)

أيها الإخوة:

بمناسبة دخول شهر ربيع الأول، شهر ولادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

أخطب بكم بدءاً من اليوم سلسلة خطب عنوانها: (سنة رسول الله صلى الله

عليه وسلم) لنكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ولنزداد به علماً وله اتباعاً ومنه قرباً صلوات ربي وسلامه عليه.

ستتحدث الخطب عن معنى السنة ومنزلتها في الإسلام وواجباتنا نحوها.

عنوان خطبة اليوم: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معناها ومنزلتها

أيها الإخوة:

عرَّف المحدِّثون السنة بأنها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته ووصفه الخِلقي والخُلقي.

فالقول: كقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» [البخاري ومسلم].

والفعل: كقول عائشة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم للتطوع: «كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم» [البخاري].

والتقرير: كحديث ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب «لا يصليّن أحد العصر إلا في بني قريظة» فأدرك بعضَهم العصرُ في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي، لم يُرِدْ منا ذلك، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم [رواه البخاري].

فهذا هو التقرير أو الإقرار، ومعناه أن يُخْبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بأمر أو يَحْدُثَ الأمر أمامه فلا ينكره.

والوصف الخِلْقي: كحديث «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خُلُقَاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير» [البخاري].

والوصف الخُلُقي: كحديث «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان» [البخاري].

هذه هي السنة عند المحدثين أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته ووصفه الخِلقي والخُلقي.

 أما السنة عند أهل أصول الفقه : فهي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم

وأفعاله وتقريراته، لأن هذه الثلاثة هي مصدر الأحكام الفقهية عندهم، أما الوصف الخِلقي والخُلقي فلا تؤخذ منهما أحكام فقهية.

ومهما يكن تعريف السنة، فإن علماء المسلمين قاطبة متفقون على أن القرآن

وحيٌ متلّو، والسنة وحي غير متلوّ لقوله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣-٤].

أخرج البيهقي بِسَنَدِهِ عَن حسان ابْن عَطِيَّة قَالَ: «كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام

ينزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالسنةِ كَمَا ينزل عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ

يُعلمهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعلمهُ الْقُرْآن». وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن طَلْحَة بن فَضِيلَة قَالَ: قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَام سَنَة، سعّر لنا يَا رَسُول الله، قَالَ: «لَا يسألني الله عَن سُنَّة أحدثتها فِيكُم لم يَأْمُرنِي بهَا، وَلَكِن اسألوا الله من فَضله».

ففي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا بأمر، وعلى أن

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله تعالى، وقد قال رسول الله

 صلى الله عليه وسلم : «ألا إني أوتيتُ هذا الكتاب، ومثلَهُ معهُ»  أي: السنة. [أبو داود]

ومن هنا اتفق علماء المسلمين على أن السنة هي المصدر التشريعي الثاني

 بعد القرآن الكريم، لورود الأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم عشر مرات بلفظ {أطيعوا الله والرسول} { أطيعوا الله ورسوله} {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وطاعة الرسول بطاعة سنته.

 قال الطبري في تفسير هذه الآية: (هو أمر من الله بطاعة رسوله في حياته

فيما أمر ونهى، وبعد وفاته في اتِّباع سنته)، ولقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:٨٠]

ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله» [البخاري وسلم].

أخرج السيوطي في كتابه "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" أن رجلاً قال للصحابي الجليل عمران بن الحصين رضي الله عنه: يا أبا نجيد: إنكم تحدّثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران وقال: قرأتَ القرآن؟ قال:

نعم. قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً وصلاة المغرب ثلاثاً والغداة

ركعتين والظهر أربعاً والعصر أربعاً؟ قال: لا. قال: فممّن أخذتم ذلك؟ ألستم أخذتموه عنا وأخذناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر له أشياء أخرى

وردت في القرآن مجملة وبيَّنتها السنة النبوية، ثم قال: أما سمعتم قول الله

تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:٧].

وقد حذَّر القرآن الكريم من تركِ السنة ومخالفةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ

يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}  [النور:٦٣]

وقال: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب:٦٦].

وقال: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤٢].

والآيات الآمرةُ باتباع الرسول وسنته الناهيةُ عن مخالفتها في القرآن الكريم تزيد على الأربعين آية.

من هنا، انعقد الإجماع – أيها الإخوة- على وجوب اتباع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وتكفير تاركه، قال ابن حزم:

(لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن _ أي ولا نأخذ بالسنة _

لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعةً ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل وأخرى عند الفجر، لأن ذلك أقلُّ ما يقع عليه اسم الصلاة، ولا حدّ للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك...).

ومن هنا يعلم المرء ضلال شواذ من الناس يسمون على أنفسهم (القرآنيين)،

يقولون إنهم لا يأخذون إلا بالقرآن أما السنة ففيها الصحيح والضعيف فلا

يعملون بها، وهؤلاء الناس لا يُصلّون لأنهم يجدون في القرآن الصلاة دعاء ولا يجدون كيفيتها فيرفع أحدهم يده للسماء فيدعو ويقول قد صليت!

ولا يزكون 2.5% لأنهم لا يجدون النصاب مكتوبا في القرآن ! وهكذا، فتراهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ قَالَ: "إِذا حدثت الرجل بِسنة فَقَالَ: دَعْنَا من هَذَا وأنبئنا عَن الْقُرْآن فَاعْلَم أَنه ضال"

أيها الإخوة:

هذا هو تعريف السنة وهذه منزلتها، وإن حبّ المسلمين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ووعيهم بمنزلة سنته الشريفة جعلهم يبذلون الغالي والرخيص ليحافظوا عليها وينشروها ويعلموها أولادهم وأحفادهم وتلامذتهم.

وإن هذه الأمانة أعني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصلت إلينا

غضَّة طريّة، وهي اليوم في أيدينا لنوصلها إلى أولادنا وأحفادنا وتلامذتنا

وأجيالنا القادمة، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، وإنه لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أمر أولها.

كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد إلى وُلاته في الأمصار يقول:

(أصلحوا الناس بالسنَّة، فإذا لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله)

قَالَ الإمام مَالك : (السّنة سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق).

 

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1482
تحميل ملفات
فيديو مصور