الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-11-28 الساعة 09:20:50
الاستغفار والاستسقاء
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال الله تعالى: { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا

اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ  وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا

إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ

كَبِيرٍ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [هود: 1-4].

أخرج الإمام مسلم عن أغرّ مُزينة رضي الله عنه  قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُوبوا إِلى رَبكم، فَواللهِ إِني لأَتُوبُ إِلى رَبِّي تَباركَ وتَعالى مِائَةَ مَرَّةٍ في اليَوم» .

وأخرج أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لزِمَ الاستغفارُ جعلَ اللهُ لَهُ من كل ضِيقٍ مَخرَجاً، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ورَزَقَهُ من حيث لا يَحْتَسِبُ» .

عنوان خطبة اليوم: الاستغفار والاستسقاء

أيها الإخوة:

يتفق العلماء على أنّ الاستغفار فريضة وعلى أنّ الاستسقاء سنة، والاستغفار طلب المغفرة والاستسقاء طلب السقيا، وكمال الاستسقاء بالاستغفار.

 خَرَجَ سيدنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يوما يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى

رَجَعَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْنَاكَ اسْتسْقَيْتَ قَالَ: "لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي تُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ: ثم قرأ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} 

{ويا قوم اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ولاتتولوا مجرمين} [هود: 52] ".

وأُثِرِ عن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا شَكَى إِلَيْهِ الْجَدْبَ فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. وَشَكَى إِلَيْهِ

آخَرُ الْفَقْرَ فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. وَشَكَى إِلَيْهِ آخَرُ جَفَافَ بُسْتَانِهِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. وَشَكَى إِلَيْهِ آخَرُ عَدَمَ الْوَلَدِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ.

فإقلاع المذنب عن الذنب وتوبة العاصي من المعصية وعودة الآبق إلى الصراط المستقيم واستغفار المقصر؛ كلها مستجلبات لرزق الله.

وحقيقة التوبة والاستغفار -أيها الإخوة- الندم على ما مضى، والعزم على أن لا تعود، وأن تعمد إلى كل فرض ضيعته فتؤديه، وأن تعمد إلى مظالم العباد فتؤدّي إلى كل ذي حق حقه.

ولئن كنّا نستغفر الله -أيها الإخوة- من ذنوب علمناها؛ كإطلاق البصر إلى المحرمات

، وتأخير بعض الصلوات، وأكل مال الرشوة، فإنّني أعرض عليكم الآن ذنوباً تحتاج منا إلى استغفار وتوبة، لنردّ حقوقاً إلى أصحابها ونعيد أموراً إلى نصابها:

- الأب الذي بلغت ابنتُه العشرين وهي تتوق إلى الزواج ويأتيها الخاطبون الأكفاء

ثم يردهم ، هذا الأب مرتكبٌ لذنب ويحتاج إلى توبة واستغفار. قال الفقهاء: (الأصل أن عَضْل الْوَلِيِّ ابنته مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ؛ لأِنَّهُ ظُلْمٌ، وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي

التَّزْوِيجِ بِمَنْ تَرْضَاهُ، وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأْوْلِيَاءَ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}).

- الجار الذي لا يشترك مع جواره في النفقات اللازمة لخدمة البناء، ثم هو يمنعهم

من تأجير المرافق المشتركة بحجة حقه فيها مذنبٌ ويحتاج إلى توبة واستغفار؛ لأن الله تعالى نهى عن التطفيف بأن تأخذ ما لك وافياً وتعطي ما عليك منقوصاً، ولعلك

لا تعطيه {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ

وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1-3]

- طالب الجامعة الذي يغدو مع فتاة ويروح، ويبثها أشواقَه وينوح، وهي تماشيه

ورائحة العطر من ثوبها تفوح، كلاهما مذنبٌ ويحتاجان إلى استغفار وتوبة؛ لأنّ الشريعة حرمت الاختلاط بين الرجال والنساء مالم تكن ضرورة أو حاجة.

- الطالب الذي يطلب من مهندس أنْ يعدّ له مشروع تخرجه؛ فإذا أعده المهندس

وضع الطالب عليه اسمه وسلمه لإدارة الكلية.. هذا الطالب وذاك المهندس ارتكبا محرّماً وهما محتاجان إلى التوبة والاستغفار؛ لأنّ الإسلام نهى عن الكذب والغش.

- التاجر الذي اقترض من صديقه مالاً وحان وقت سداده من ثلاث سنوات ولم يرد المال على الرغم من ملاءته، هذا التاجر مرتكب لحرام، فقد قال صلى الله عليه وسلم «مطل الغني ظلم» [البخاري] وهذا التاجر محتاج إلى توبة واستغفار.

- الزَّوْج الذي يضارّ زَوْجَتَهُ، ويسيء عِشْرَتِهَا ويضيّق عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ، فعلُه حَرَامٌ؛ لأنَّهُ ظُلْمٌ لَهَا بِمَنْعِهَا حَقَّهَا مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَمِنَ النَّفَقَةِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأْزْوَاجَ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] ويحتاج هذا الزوج إلى توبة واستغفار.

- الزوجة التي أخذت أولادها وسافرت بهم خارج القطر من دون إذن زوجها ومن

دون إذن والدهم، مرتكبةٌ لحرام، لأنّ الشريعة ألزمت الزوجة بطاعة زوجها،

وجعلت الولاية على الأطفال لأبيهم، وتحتاج هذه الزوجة إلى توبة واستغفار.

- بائع الجبن الذي يثقل ميزانه بماء الجبن، وبائع البطاطا الذي يثقل ميزانه بترابها،

وبائع الفواكه الذي يثقل ميزانه بثقل يده، كلّهم يبخسون الناس أشياءهم، وهم محتاجون إلى استغفار وتوبة.

- خطيب الجمعة الذي لا يحضر خطبته وإمام المسجد الذي يغيب عن أغلب صلوات مسجده وهما يأخذان الراتب المخصص لهما، يحتاجان إلى توبة واستغفار.

- الأمّ التي لا تريد لبناتها أنْ يطالبن بحقوقهن من ميراث أبيهم، والأب الذي يعطي الذكور العطايا الجسام ولا يهب البنات إلا الفتات، هذان الأبوان ظالمان ومحتاجان إلى الاستغفار والتوبة.

- الموظف الذي يأخذ مخصصات العمل من أوراق وأقلام وغيرهما ليستخدمها أولاده في البيت، محتاج إلى التوبة والاستغفار.

- صاحب العمل الذي يستخدم عاملاً ثمانية ساعات في اليوم ويعطيه خمسة عشر

ألف ليرة سورية، ويدخل على صاحب العمل ما يدخل من الأرزاق، يحتاج صاحب العمل هذا إلى استغفار وتوبة.

- الابن الذي لم يزر أباه منذ أشهر مذنبٌ ومحتاج إلى استغفار وتوبة.
- الطبيب الذي لا تتجاوز الجلسة معه الدقائق الخمس، وخلالها يفحص المريض ويشخص المرض ويكتب الدواء، فلا هو يعطي المريض حقه ولا هو يتنازل للمريض عن شيء من بدله المالي، هذا الطبيب يحتاج إلى استغفار وتوبة.

- من استأجر أجيراً فاستوفى منه عمله ولم يوفّه أجره مذنبٌ ومحتاج إلى استغفار وتوبة.

- الفتاة التي تخرج ببنطال يرسم جسمها إلى الطريق تخالف أمر الشريعة وهي محتاجة إلى استغفار وتوبة.

- المعلم الذي يضيع الحصة الدراسية في اللغو والثرثرة ثم يقرر على الطلاب الدروس من دون أن يعطيها حقها من الشرح والدرس مذنبٌ ومحتاج إلى استغفار وتوبة.


أيها الإخوة:

سنرفع أيدينا بعد قليل في الاعتدال من الركعة الثانية من صلاة الجمعة للاستسقاء

لطلب ماء السماء، فقد تأخر العطاء، وزادت الأدواء، وعمّ البلاء، وقد سمعتم أنّ

كمال الاستسقاء بالاستغفار.

فتعالوا نرفع استغفارَنا وتوبةَ قلوبنا إلى الله تعالى لنعاهده أنّنا تائبون راجعون مستغفرون.

إنْ كان ثمة حقٍ لعبد عندنا سنرده إليه في أسرع وقت، أو كان تقصيرٌ بيننا وبين الله في فريضة من فرائضه سنستأنف العمل ونقضي ما فات، أو كانت إساءة لمخلوق

سنستسمح منه، أو كانت معصية لله تعالى سنتركها، وليقل كلٌّ منّا، يوافق قلبَه لسانُه:

«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي»

«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»

أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه.

عن أبي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللَّهَ

وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»[البخاري]. روى عن مكحول عن أبى

هريرة قال: (ما رأيت أحدًا أكثر استغفارًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)

وقال مكحول: (ما رأيت أكثر استغفارًا من أبى هريرة. وكان مكحول كثير الاستغفار).

وعن الحسنِ قالَ: (اكثِرُوا مِن الاستغفارِ في بُيُوتِكم، وعَلَى موائِدِكم، وفي طُرُقِكم،

وفي أسواقِكُم، فإنَّكم ما تدرُون متى تَنْزِلُ المغفرةُ).

وقال لقمان لابنه: (أيْ بُنيَّ؛ عوِّد لسانَكَ: اللهَمَّ اغفرْ لِي، فإنَّ للَّهِ ساعاتٍ لا يردُّ فيهنَّ سائلاً).

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى: بسنده عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَأَكْثِرُوا

مِنْهُمَا فَإِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: إنما أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَهْلَكْتُهُمْ بِالْأَهْوَاءِ، فَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ» .

عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله: يا بن

 آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو

بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني

بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» [الترمذي].

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1596
تحميل ملفات
فيديو مصور