السبت 11 شوال 1445 - 20 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-03-19 الساعة 12:16:08
حفــظ اللّســان / 2 /
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ:  28 من جمـــادى الآخــــرة 1439 هـ - 16 من آذار 2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فضمن المنهج العام لخطب الجمعة ما زِلنا نتكلم وإياكم -أيها الإخوة المؤمنون- عن موضوع الأخلاق، هذا الموضوع رَكيزة مِن ركائز التشريع الإسلامي، وهو دعامة رئيسة مِن دعامات هذا الدين، ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، وقلنا لحضراتكم: إنَّ سيدنا عبد الله بن المبارك رحمه الله سُئل عن حُسن الخلق فقال: (هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى).

أولاً: بسط الوجه: أن يكون الإنسان مبتسماً، فقد وَصَف صَحابة النبي صلى الله عليه وسلم رَسُولَ اللهِ بقولهم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر)، دائم الابتسامة، بَسط الوجه أن تكون مُبتسماً مستبشراً لطيفاً ظريفاً ميسراً، ((إن هذا الدين يُسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فَيَسِّروا ولا تُعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وسددوا وقاربوا)).

ثانياً: بذل المعروف: أن تَبذل مالك ومنصبك وجاهك وحسبك ونَسبك، وأن تبذل علمك الذي علمك الله إياه، والمهنة التي تمتهنها في حياتك، أن تبذل كل ذلك في خِدمة الناس وخدمة الأمة.

ثالثاً: كف الأذى: فقد خَطب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على المنبر، فقال بصوت عالٍ: ((يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يُفض الإيمان إلى قلبه -أي لم يَدخل الإيمان إلى قلبه- لا تُؤذوا المسلمين، ولا تُعيروهم، ولا تتتبعوا عوراتهم -أي أخطاءهم- فإن مَن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومَن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله))، وعندما سُئل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام أفضل؟ فقال: ((مَن سلم المسلمون من لسانه ويده))، وفي رواية الخرائطي في "مكارم الأخلاق" عن عمرو بن عنبسة رضي الله تعالى عنه، أنه سُئل رسول الله: ما الإسلام؟ عَرَّف لنا الدِّين فقال عليه الصلاة والسلام: ((أن يسلم قلبك لله، وأن يَسلم المسلمون مِن لسانك ويدك))، فلذلك كَفُّ الأذى علامة على حُسن الخلق.

وقلنا -أيها الإخوة-: إنَّ الأذى يَلحق بالمؤمن مِن أخيه المؤمن إما بيده أو لسانه، لذلك قال: ((مَن سلم المسلمون مِن لسانه))، فَقَدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم اللِّسان على اليد، لأن موضوع الضَّرب اليوم أصبح محدوداً، يَضرب إنسان إنساناً آخر فيؤذيه، أمَّا اللِّسان هو المشكلة.

تكلمنا عن الغيبة والنميمة، وتكلمنا عن حِفظ اللِّسان في السُّنة وما ورد فيه من الأحاديث الكثيرة، فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة فقال: ((تقوى الله وحسن الخلق))، وسُئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار فقال: ((الفم والفرج))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَن يضمن لي ما بين لحييه -أي لسانه- وما بين رجليه أضمن له الجنة))، وقال: ((إنَّ الرجل لَيتكلم بالكلمة مِن رضوان الله عز وجل -فيها خَير هذه الكلمة- لا يُلقي لها بالاً))، يَحسب أنَّه تكلم كلمة خير بَسيطة لا تُؤثر، لكن يَكون لهذه الكلمة التي تكلمها -كلمة الخير، نصيحة، موعظة- دلالة على الطريق، إنسان يستدل عن طريقه يقول لك: مِن أين أذهب للمكان الفلاني، كلمة طيبة لولد يبكي في الطريق، كلمة طيبة لِشاب جسيم يَسأل الناس، فتنصحه بأن يذهب ويعمل، أنت لا تُلقي لها بالاً، تَكَلَّمت بهذه الكلمة ولكن هذه الكلمة مِن رضوان الله، أي مما يُرضي الله يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الرجل لَيتكلم بالكلمة مِن رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يَرفع الله بها دَرجاته في الجنة، وإن الرجل لَيتكلم بالكلمة مِن سخط الله -كلمة فيها مُخالفة شرعية- لا يُلقي لها بالاً))، يَظنها عادية، يعني ماذا فعلنا شَتَمنَاه! هُناك وحدة حال بيني وبينه، يشتمني وأشتمه، هكذا عند بعض الشباب، هذا رفيقي وهناك وحدة حال، هناك رفع كلفة، ما رفع الكلفة؟ هذا يَسُبُّ أباك وتسب أباه مِن باب المزاح، هذا فيه رفع كلفة؟! تُشبهه بالحيوانات ويُشبهك بالحيوانات، هذا فيه رفع كلفة؟! يا كذا، ويقول لك: يا كذا، إنسان يسأل عن إنسان، فَيَغمز فيه فيقول: سأسكت، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فَيَمنع عنه خيراً كبيراً بمجرد هذه الكلمة.

أحد الصالحين يقول: (والله ما كنت أعلم أن كلمة -سبحان الله- تكون غِيبة حتى ذلك اليوم) قالوا: أي يوم هذا؟ كلمة سبحان الله تكون غيبة، أمر عجيب؟! قال: كُنا عند والي المدينة، فتُكلم في رجل مِن أهل الصلاح، كما يبدو أنه رجل صالح فيما يظهر للناس، تُكلم عليه بالسوء، فكان رجل جالساً يُريد أن يُطاوع والي المدينة، ويُريد أن يُجامله، فقال له: سبحان الله، سبحان الله، يتكلمون عليه بسوء، فقال ذلك مُتعجباً مِن فعل الرجل، فكلمةُ سُبحان الله هنا كانت لَيست لله، قال: (ما علمت أنها تكون غيبة)، لأنه وافقهم على ذلك قبل أن يَعرف الحقيقة، فكانت غيبة ((...يتكلم بالكلمة مِن سخط الله لا يلقي لها بالاً -يقول عليه الصلاة والسلام- يَهوي بها في جهنم أربعين خريفاً))، أربعين سنة يَبقى ينزل في جهنم.

والقرآن الكريم -أيها الإخوة- وأريد أن أقف مع حضراتكم على هذه الآيات القرآنية، لأن هذه القِطعة الموجودة بين لحيي الإنسان، والموجود بين اللَّحيين في داخلهما هو اللِّسان، هذه القطعة الصغيرة التي وزنها يمكن مئة غرام، هذه سبب مشاكل العالم كله، هي سبب المشاكل، لِذلك جاء التركيز عليها جداً في القرآن الكريم وفي سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ -نائم؟ رقيب، ماذا؟ تتمة الآية- عَتِيدٌ -قوي-( [ق: 16-18]، هؤلاء الملائكة الذين يُسجلون )لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ([التحريم: 6]، لا داعي للنوم، لا ينامون، )رَقِيبٌ عَتِيد(، يُقال عن إنسان: إنسان عتيد، يعني قوي، فالرقيب قوي، أين تَكمن قوة الرقيب؟ قال: تَكمن في قوله تعالى: )وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هـذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصَاهَا -قال ربنا:- وَوَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا( [الكهف: 49]، هُنا تكمن القوة، )رَقِيبٌ عَتِيدٌ( كل صغيرة وكبيرة يُسجلها فوراً، انظر إلى بداية الآية: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ...(، لَيس كل ما تُوسوس لك به نَفسك تتلفظ به بلسانك وتقوم بفعله، النفس تُوسوس للإنسان والشيطان يُوسوس للإنسان الكثير مِن المخالفات الشرعية، تبدو في نظرك صغيرة، الآن سأقوم بفعل هذا الشيء، نعم اللهُ غفور رحيم، هذا مِن الصغائر، ثم بعد ذلك يَكبر هذا الأمر، والأمر كله منوط ومُعلق باللسان، أما إذا بقي داخلك فلم تَقم بخطوة بجوارحك فلا تآخذ عليه شرعاً، لكن إذا كل ما توسوس لك نفسك به والشيطان كل ما يُوسوسه لك تتلفظ به وتَنقله هذه مشكلة كبيرة، لذلك انظر إلى هذه الآية الثانية في كتاب الله عز وجل، يقول فيها ربنا عز وجل: )وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولـئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا( [الإسراء: 36]، مُشكلتنا اليوم يتكلم الإنسان بكثير مِن الكلام الذي لم يتأكد منه، )وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ(، العِلم هو اليقين والمعرفة الجازمة، أما والله نُقل لي هكذا، قالوا هكذا، نُمي إليَّ، سَمِعتهم يتكلمون، إشاعة منتشرة في البلد، ما لك ولهذا الكلام؟! )وَلا تَقفُ -لا تتبع- ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ -لا تذكره بلسانك، اتركه- إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولـئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا(، فَليس كل شيء تَسمعه أو يُذكر، ولَيس كل شيء تُوسوس نفسك والشيطان لك به تتكلم به بلسانك وتنشره بين الخلائق.

الله عز وجل يقول: )وَقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ(، أحسن: في اللغة العربية وكلكم أهل علم وثقافة أفعل تفضيل، فهناك (حَسَن) وهناك (أَحسن)، وفلان كريم وفلان أكرم منه، فأحسن صيغة تفعيل أي تفضيل، تدل على أن شيئين اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر في تلك الصفة، فالله عز وجل يقول لنا أن لا نتكلم فقط بالكلام الحسن، بل بالتي هي أحسن، )وَقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ(، فربنا عز وجل أمرنا أن نتكلم بالكلام الأفضل، يعني الآن عندنا كلمتان، كلمة جيدة وكلمة رائعة، قل: الكلمة الرائعة، انظر إلى تتمة الآية قال: )وَقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلإِنسانِ عَدُوًّا مُبينًا( [الإسراء: 53]، يَنزغ الشيطان بين الناس، كيف ينزغ؟ بالوسوسة، ننتقل إلى المرحلة الثانية بعد الوسوسة الكلام باللسان، بعد الكلام باللسان تتطور الأمور فيصبح لهذا الأمر علاقة أحياناً بالمال، أحياناً بأعراض الناس، أحياناً بالمخالفات الشرعية، لأنه وسوس له بأن يقيم علاقة مشبوهة مع امرأة لا تحل له، بدأ الموضوع مِن "الوتس" مِن "الفايبر" مِن "الفيس"، بعد ذلك يتكلم باللسان، ثم يكون الموعد، ثم يكون بعد ذلك المخالفة الأولى، والثانية، والثالثة، ثم يقع في الكبيرة، يتكلم على إنسان في عرضه، يُوسوس له الشيطان، ثم بَعد ذلك يَبلغ الرجل الآخر ذلك الكلام، فيذهب لِيُدقق، وإذا بهذا الكلام غير صحيح، ولكن في أثناء التَّدقيق هذا الإنسان يَكتشف أشياء، أو ربما يَكون صَحيحاً فَتُدمر الأسرة، ومبنى أمور الناس على السَّتر، ((ومَن ستر مسلماً ستره الله))، وأنت سَعيت بفضيحة هذا الإنسان وتتبعت خطأه وعورته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وَعَدَ فقال: ((ومَن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومَن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله))، في وسط بيتك، هذا كلام كبير أيها الإخوة، كبائر تُقترف مَبدأها اللسان، لِذلك نرى هذا التَّركيز في القرآن الكريم.

الله عز وجل يقول لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم وخطاب الله لِرسوله خَطابٌ لأمته يقول: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * -يتمنون أن تُنافق فينافقوا كما نافقت، لكن رسول الله لا يُنافق- وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ...(، حَلَّاف كثير الحلف بالله، لماذا تحلف بالله؟ مَن الذي طلب منك أن تحلف؟ قال علماؤنا: مَن أكثر الحلف بالله دَلَّ ذلك على عدم صدقه، لأنه حَلَف دون أن يُستحلف، لماذا تحلف بالله كثيراً ولا يُطلب منك ذلك؟ )وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِين(، الحَلَّاف وصَفَهُ رَبُّنا بقوله: (مَهِين)، دائماً الإنسان الذي يُكثر مِن الحلف يَحتقر نفسه بينه وبين نفسه، والآخرون يحتقروه، لماذا؟ يَحلف مَن طَلب منه أن يحلف، فهو مَهين ذَليل،)  هَمَّازٍ(، يَهمز بالناس، هو جَالس في المجلس يقول: انظر إلى فلان، انظر إلى ملابس فلان، انظر إلى حذاء فلان، انظر إلى البنطال الذي يرتديه، انظر إلى السيارة التي نزل منها، أليس عيباً أن يركب بمثل هذه السيارة البالية وهو غني؟ (هَمَّاز)، انظر عندما يتكلم كيف يُحك رأسه، يَهمِزُ الناس، يتكلم على الناس طوال جلسته، يَهمز الناس، )هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ -يمشي بالنميمة فيما بين الناس- * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ([القلم: 4-16]، تُحذرنا الآيات مِن الهمز واللَّمز والكذب والحلف.

رَكَّزَ القرآن على موضوع اللسان، يقول ربنا عز وجل: )... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ([الحج: 30]، يقول عليه الصلاة والسلام: ((مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، يصوم في رمضان ويَشهد الزور أو يكذب أو يتكلم بالزور، )... وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(، في القرآن الكريم، وأنت عندما تقرأ في القرآن الكريم سورة المؤمنون تَقرأ بداية: )قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(، أول وَصفٍ وَصفُ الخشوع في الصلاة، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، الوصف الثاني ما هو؟ )وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون(، اللغو: الكلام الفارغ بغير فائدة، لماذا تتكلم بكلام لا فائدة منه؟ أنت إنسان مؤمن، عندك هدف، عندك قضية في الحياة، يَجب أن يَكون كَلامك موزوناً، لأن المرء يُؤخذ مِن لسانه، (لا تقل قولاً تُريد أن تعتذر منه)، يقول سيدنا علي كرم الله وجهه، نُخطئ ونعتذر، كل هذا لأنك تتكلم بكلام فارغ لا فائدة منه، يقول ربنا عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [1-3]، فَالإنسان المؤمن خاشع في صلاته، لا يتكلم إلا بالكلمة الصحيحة في موطنها الصحيح.

انظر إلى توجيه القرآن التالي، قال رب العزة والجلال: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا( قولوا الصواب دائماً، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ -يكون عندكم مخافة من الله، زِنوا أعمالكم، والباب لهذا هو:- وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(، احفظوا ألسنتكم، لا تقولوا إلا الصواب، )اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُم(، والله أنا لا أتوفق، أضربها يميناً فتأتي شمالاً، أضربها شمالاً فتأتي يميناً، أُحاول كثيراً أن أَعمل بالرزق لكن سبحان الله لم أوفق إلى الرزق، أحاول كثيراً أن أُصلح بيني وبين أبي لا يستقيم الحال بيننا، بيني وبين زوجتي دائماً نَتصالح يوماً ونختلف نهارين، بيني وبين أخي، بيني وبين شريكي، علاقتي مع رب العمل في مؤسسة عامة أو مؤسسة خاصة، الخلل عندنا في أنفسنا، )اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُم(، أتريد أن تصلح أعمالك؟ اتق الله وقل قولاً سديداً، راقب لسانك، )يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب: 70-71].

الله عز وجل يقول: )يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ( [التوبة: 119]، لا تكونوا مع الكاذبين، مع أهل اللغو، )اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ(، لِذلك معظم الذين تكون عندهم مَشاكل، انظر في أصدقائهم تجد أن أصدقاءهم كثيرو الكلام، كثيرو اللغو، كثيرو الغيبة والنميمة، كثيرو الكلام الفارغ، فهو يُصاحبهم ويجالسهم ويغتاب الناس معهم، وينم بين الناس بجلوسه معهم، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، وهذه مِن صفات المنافقين كما ذكر القرآن الكريم، وهُم جالسون يتكلمون على كل إنسان بما لا يجوز، لذلك -أيها الإخوة- كيفية العلاج أنَّ الناس صنفان:

الصنف الأول: مِن الناس كثير الكلام، أَتكلم عن نفسي الآن، وعن الحاضرين، وعَن كل الناس، صِنف مِن الناس كثير الكلام، والإنسان أدرى بنفسه، المطلوب الأول مِنه أن يُخفف مِن كلامه، فالإنسان يَعرف نفسه، تتكلم كثيراً؟ أول درجة في العلاج أن تُخفف كلامك، فأنت إذا كنت في المجالس أول مَن يُبارد إلى الكلام، فاحفظ لسانك، لا تُبادر أنت في الكلام، اجعل غيرك يُبارد في الكلام، إذا كنت أنت الذي يمزح بين الناس لِيُضحكهم فَأَقلع عن هذه العادة، لا مانع أن يَكون عندك مِزاح، فرسول الله كان يمزح، ولا مانع أن تَضحك وتُضحك الآخرين، فالصَّحابة كانوا يُضحكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، كَسيدنا نعميان بن عمرو الأنصاري، وسيدنا سويبط بن خويلد، كان هُناك صحابة يُحبون المزاح، يُضحكون سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أن تُعرف بذلك وأن يكون لك عادة! أقلعْ عَن هذه العادة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لِسيدنا أبي هريرة: ((يا أبا هريرة، لا تُكثر الضَّحك فإن كثرة الضحك تميت القلب))، وسَيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: (مَن كَثُرَ ضَحكه قَلَّت هيبته، ومَن مَزَحَ -أي أكثر المزاح- استُخِفَّ به)، إذاً الصِّنف الأول من الناس كَثيرُ الكلام كثير الهذر، فالخطوة الأولى أن تَبدأ بتقليل كلامك، لا تكن أنت سبب الإثم، انتبه.

الصنف الثاني: مِن الناس مَن كلامه قليل، الآن في العِلاج:

الخطوة الأولى: التَّفكير قبل التَّلفظ بأي كلمة، أنت الآن تكلم معك إنسان على الجوال يُريد جواباً سريعاً، عَوِّد نَفسك أن تقول للناس: أُفكر ثم أرجع وأتصل بكم مرة أخرى، تَعَلَّم هذه المسألة، لا تُعطي جواباً على شيء لَست واثقاً منه مُباشرة، قل: سأرى الأمر وأتصل بكم، لَيس عندي جواب قطعي بالموضوع أدرسه وأعطيك جواباً، عَوِّد نَفسك على هذه الجملة، لا تتكلم بما ليس لك به علم، )وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ(.

الخطوة الثانية: ذُكِر إِنساناً أمامك بِسُوء، الأمر الأول: تَقول في المجلس مُباشرة: غفر الله لنا وله، الأمر الثاني: تُغير الموضوع، لَستُ قادراً على ذلك، لَست أنا الذي أتحكم بالمجلس، قَم وامشِ مِن هذا المجلس، هل أنت إنسان مُؤمن حقيقي تُريد أن تنجو يوم القيامة؟ لأن رسول الله سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار فقال: ((الفم والفرج))، الفَمُ اللسان، إذا استطعت أن تُغير الموضوع فافعل، إذا لم تَستطع غادر المجلس بلطف ليس بغلظة، اجلس دقيقة ثم قل لهم: أنا عندي التزام، إذا كنت تريد الذهاب إلى منزلك هذا التزام، أنت لا تكذب، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن في التَّورية مَندوحة عن الكذب))، تُعطي كلمة تكون صحيحة وتعتذر وتُغادر المجلس، غادر المجلس، إنسان يُريد منك أن تُجاريه بالحديث بذم إنسان آخر، لا تكن شريكاً له، فَكِّر.

الخطوة الثالثة: عَوِّد لِسانك ذِكر الله سبحانه وتعالى، لأن مَن تعود لِسانه على ذكر الله عز وجل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله يسدّد قوله ولسانه، وأَكثِرْ مِن قراءة القرآن فإنَّ مَن أكثر مِن قراءة القرآن سَدَّد الله لسانه، فالإنسان الذي خَطَأه كَثير بِلسانه عنده مشكلة، لو لم يَكن قليل الذكر لله لَمَا كَثُرَ خَطأه بلسانه، مَعنى ذَلك أن ذِكرك لله قليل، أن صلاتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلة، أنَّ قراءتك للقرآن قليلة، وأنَّ دُعاءك لنفسك بأن يُسدد الله عملك ولسانك قليل، أنت لا تَدعُو الله، هُناك أُناس دعاءهم: (اللهم سَدِّد أعمالنا وسَدِّد ألسنتنا، اللهم ألهمنا الصواب يا وهاب)، عَهِدنا مشايخنا كل 5 ثواني / 10 ثواني يقول: (يا وهاب يا وهاب ألهمنا الصواب)، أتدعو أنت: يا وهاب ألهمني الصواب؟!.

ثم بعد ذلك يَجب على الإنسان المؤمن أن يَعلم أن هذه القطعة مِن لسانه الصغيرة لا يَجوز أن تتحكم بهذا الجسد كله، تُدخلك كلك إلى النار بسبب قطعة اللحمة، تحكي كلاماً بلا فائدة، كيف تَرضى بأن قطعة لحم وزنها 50 غرام تُدخلك جهنم، يجب أن تَعلم أن هذا اللِّسان يَجب أن يَكون مَحكوماً، فَلا يَتكلم إلا بالخير.

سَيِّدنا معاذ بن جبل -وأختم الخطبة بهذا الحديث- الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد والحاكم في المستدرك، عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه يقول: كُنت في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى: عندما كانوا في غزوة تبوك، قال: فَقُلت: يا رسول الله، أخبرني عن عمل يُدخلني الجنة ويباعدني مِن النار؟ قال: مَا وَجدت أحد أقرب الناس لي، كان رسول الله، وقلت: والله غنيمة سيدنا الرسول لوحده، أسأله، انظر إلى السؤال الذي سأله إياه، سُؤال ذكي، لِذلك سيدنا الرسول أثنى على سؤاله، وأنت لَمَّا يسألك إنسان سؤالاً حُلواً تَقول له: أحسنت، سؤال جميل، هذا مِن السنة، انظر إلى سيدنا الرسول مَلِكُ "الإيتيكيت"، فقال له: (يا رسول الله، أخبرني عن عمل يُدخلني الجنة ويُباعدني مِن النار)، فَقال عليه الصلاة والسلام: ((لقد سألت عن عظيم))، قال له: أحسنت، أمر عظيم جداً الذي سألت عنه، في أعظم إخواننا؟ لماذا نحن نعيش في هذه الحياة الدنيا، نحن أناس مؤمنون، غايتنا في هذه الدنيا أن نكون في أعمالنا الصالحة خُداماً للناس خداماً للمؤمنين للمجتمع للأمة، وأن نَكون يوم القيامة في الجنة، ونحن نَعمل هذه الأعمال الصالحة وسيلةً لِدخول الجنة، طَيِّب (أَخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويُباعدني من النار)، قال: ((لقد سألت عن عظيم))، والله هذا الأمر كبير جداً، أحسنت بسؤالك، مع أن هذا الأمر كبير جداً، لأن رسول الله يقول: ((ألا إنَّ سِلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة))، الجنة تحتاج إلى شُغل، لا تأت وأنت نائم، فيقول: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه لَيسير على مَن يَسَّيره الله عليه، تَعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة -وفي رواية- تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتؤدي زكاة مالك، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ((ألا أَدلك على أبواب الجنة يا معاذ))؟ قال: (بلى يا رسول الله، دُلَّني على أبواب الجنة)، قال: ((الصوم جُنَّة)) جُنَّة يعني ستر، والجن سُموا جِنَّاً لأنهم يَستترون عن أعيننا، لا نرى الجن، ((الصوم جُنَّة))، أي ستر لك وقاية لك مِن النار، قال: ((والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))، فعليكم بالصدقة أيها الإخوة، قال: ((وصلاة الرجل في جوف الليل))، مِن أعظم الأشياء مِن أبواب الجنة، قال:  ثم قرأ عليه الصلاة والسلام:) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ( [السجدة: 16]، ((وصلاة الرجل في جوف الليل))، ثم بعد ذلك قال: ((ألا أدلك على ملاك ذلك كله))؟ طيب المذكور في الحديث إخواننا فقط نَقف وقفة تأمل، المذكور في الحديث كل شيء عن الإسلام، قال له: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، تصلي، تصوم، تزكي، تحج، هذه أركان الإسلام، دَلَّه على أبواب الجنة، الصدقة، والصوم، والصلاة في الليل، قيام الليل، أبواب الجنة وأبواب الخير، كما ورد في رواية أخرى، ثم يقول له: ((ألا أدلك على مِلاك ذلك كله))؟ أُعطيك المختصر المفيد؟ يقول رسول الله لسيدنا معاذ بن جبل: أُعطيك الملخص؟ قال: نعم، قَالَ: فَأَخَذَ لِسَانَهُ ثم قال: ((احفظ عليك هذا))، وفي رواية: ((أمسك عليك هذا))، فاستغرب سيدنا معاذ وقال: (يا رسول الله، أومؤاخذون نحن بما نتكلم به)؟ فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ))، هذه دُعابة مِن سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، ((وَهَل يَكُبُّ الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصاد ألسنتهم))؟ إذا كُنت قد وصلت إلى هذه القناعة -أيها الأخ المؤمن- فيجب عليك لِزاماً أن تُراقب هذا اللسان، يجب عليك لِزاماً أن تأخذ بِهذه العلاجات.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يَستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك عم أولوا الألباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، اذكروا الله يَذكركم، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 993
تحميل ملفات
فيديو مصور