الثلاثاء 14 شوال 1445 - 23 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-02-20 الساعة 12:16:26
العلامة الثالثة من حُسنِ الخُلُق - كفُّ الأذى
الشيخ أحمد سامر القباني

30 من جمـــادى الأولى 1439 هـ - 16 من شــــباط  2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فضمن المنهج العام لخطب الجمعة ما زلنا نتحدث وإياكم -أيها الإخوة المؤمنون- عن موضوع هام جداً في ديننا الحنيف وهو موضوع الأخلاق، فهو مِن أسباب بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، وهو كذلك جزء مِن الإيمان، فالأخلاق جزء مِن الإيمان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))، ويقول للسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: ((يا عائشة، إنَّ حُسن العهد من الإيمان))، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا إيمان لمن لا أمانة له))، فالأمانة، وحُسن العهد، والوفاء بالوعد، والحياء، وإماطة الأذى عن الطريق، كلها مِن الأخلاق، جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءاً من الإيمان.

وقلنا: لا يجوز للمؤمن أن يقول أنا لا أستطيع أن أتغير، فلقد غَيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه شبه جزيرة العرب، مِن قوم أجلاف إلى قادة للأمم، فصحابته الكرام وآل بيته الكرام أصبحوا مَنارة يُهتدى بهم في أصقاع الدنيا، فكيف غَيَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم إنَّ الله كلفنا مَكارم الأخلاق، ولا يُكلف الله نفساً إلا وسعها.

ومن علامات حسن الخلق: بَسط الوجه، أن يكون الإنسان مبتسماً مستبشراً لطيفاً ظريفاً، ميسراً على الناس غير مُعَسِّر.

ومن علامات حسن الخلق: بذل المعروف بأنواعه، المعروف المالي، والعطاء النفسي، وعطاء المعرفة، وعطاء العلم، وكذلكم عطاء الخدمة، كل ما يستطيع أن يقدمه للناس مِن خدمة يُقدمه، فمن علامات حسن الخلق بذل المعروف.

ونبدأ الحديث عن العلامة الثالثة مِن علامات حسن الخلق وهي كَفُّ الأذى، فقد سُئل سيدنا عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه عن حُسن الخلق فقال: (هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى)، أن يَكف الإنسان أذاه عن الناس، فقد قال رب العزة والجلال في محكم التنزيل: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ ]الأحزاب: 58[، ما معنى هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾، إنسان لم يُؤذك فآذيته، هذا معنى: ﴿... بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ...﴾، وليس أنَّك تَرُد على أذى آذاك إياه، لم يفعل لك شيئاً وأنت تُؤذيه، فهذا الإيذاء نوعان: إيذاء باللسان وإيذاء بالجوارح، إما أن تُؤذيه بيدك، أو بعمل تقوم به، فيكون في هذا العمل إيذاء له، وإما أن تُؤذيه بلسانك، لذلك قال ربنا: ﴿... فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا ...﴾، إذا استخدموا ألسنتهم وآذوا إنساناً مؤمناً، وذكروا فيه وصفاً ليس موجوداً فيه، أو اغتابوه أو نموا عليه، سَعَوا بالنميمة بينه وبين إنسان آخر، أو تكلموا عنه بخلق سَيِّء ليس موجوداً فيه، قال ربنا: ﴿... فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا ...﴾، والبُهتان أعظم إثماً مِن الكذب، فهو أن تَصف إنساناً بِصفة ليست موجودة فيه وأن تبهته، ﴿... وَإِثْمًا ...﴾، ليس إثماً عادياً، فإيذاء المؤمن ليس بالأمر السَّهل، لذلك قال الله تعالى: ﴿... وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾، إثماً ظاهراً كبيراً.

وأمَّا حَبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول في الحديث الذي أخرجه البخاري، عن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ الإسلام أفضل؟ -مَا أفضل شيء في الإسلام- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سلم المسلمون مِن لسانه ويده))، لذلك عندما نَسمع إنساناً يقول: والله أنا الحمد لله في حياتي ما آذيت قطةً، هذا الكلام كلام جميل جداً، أن هذا الإنسان يَكُف أذاه عن الناس، لا يؤذي أحداً، فهو لا يُؤذي الحيوانات فضلاً عن أن يُؤذي الناس، ((مَن سَلِمَ المسلمون))، دائماً الأذى يلحق أخاك المؤمن مِن طرفين: مِن لسانك، أو مِن جوارحك، وإيذاء اللِّسان هو أكثر مِن 90% يَكون سبباً في إيذاء الجوارح، فَمُشكلة اللِّسان مُشكلة فيما بين المؤمنين بعضهم عن بعض.

أما الخرائطي في كتابه "مكارم الأخلاق" فقد أخرج عن سيدنا عمرو بن عنبسة رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ -إذاً الرواية الأولى: أي الإسلام أفضل؟ ما هو أفضل شيء في الإسلام، الإسلام فيه كثير مِن الأشياء، دُلَّني أي شيء أفضل؟ فقال: ((مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانه ويده))، السُّؤال في رواية الخرائطي: ما الإسلام؟ لا يَعرف ما هو الإسلام، دُلَّني على الإسلام، ما هو الإسلام؟- فقال عليه الصلاة والسلام: ((أنَّ يَسلم قلبك لله ويَسلم المسلمون مِن لسانك ويدك))، الله أكبر، ما هذا التَّعريف الرائع للإسلام، ((أن يَسلم قلبك لله))، يعني أن تُسلم الأمر إلى الله، فما أمر الله به فهو مَطلوبك، وما نهاك الله عنه فأنت مُبتعد عنه، لأن الله خَالقك، وهو أعلم بما يُصلحك، لأنَّ الله عز وجل يَعلم ما فيه سَعادتك في الدنيا، ويعلم ما فيه فوزك يوم القيامة، هذا معنى أن يُسلم قلبك لله، أن تُسلم لله ولرسوله، لكتاب الله ولسنة رسول الله، هذا تعريف الإسلام، ((أن يسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون مِن لسانك ويدك))، ما هذا التعريف الرائع!.

أخرج الترمذي في سننه، عن سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع فقال: ((يا معشر مَن أسلم بلسانه ولم يفضي الإيمان إلى قلبه))، أي لم يَدخل الإيمان إلى قلبه، إسلام باللسان فقط، ((يا معشر مَن أسلم بلسانه ولم يُفضي الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنَّه مَن تتبع عورة امرئ مسلم -وفي رواية: أخيه المسلم- تتبع الله عورته))، والمقصود بالعورة لَيست العورة الجسدية، وإنما أن تتبع خطأ له أو زلة قام بها، تتبعها لكي تفضحه أمام الناس بهذا الخطأ أو بهذه الزَّلة، هذا معنى ((مَن تتبع عورة أخيه المسلم يفضحه))، قال: تتبع الله عورته، الله أكبر، الله عز وجل يقول لك: إذا تتبعت أخطاء أخيك المؤمن تُريد أن تفضحه، إذا تتبعت أخطاءه مِن أجل الفضيحة فيما بين الناس، وأن تُظهر أنَّك إنسان جيد وأنَّه إنسان سَيِّء وليس لأمر آخر، يعني مثلاً: المدير في إدارته، مدير المنشأة الصناعية، صاحب المنشأة التجارية، يتتبع الأخطاء مضطراً، لماذا؟ حتى يرفع مِن سوية العمل، فهو دائماً يضع كاميرات مُراقبة، ويضع أناساً على كل مجموعة، مدير عمل، رئيس قسم، مُهِمَّة هذا الرَّئيس أن يَتبع أخطاء العمال، هذا لا نَتحدث عنه هنا أيها الإخوة، هذا أمر واجب على الإنسان فعله، أصلاً الأمة العربية والإسلامية يجب أن تنهض من سويتها الحضارية والمدنية والتكنولوجية، ولن ترقى إلا بأن نحذف كثيراً مِن أخطائنا، وأن نتعلم كثيراً مِن أخطائنا، فلا بد مِن التتبع ولكن في العمل، وليس إذا فعل أخوك ذنب والله أنت شاهدته بمكان، تسأل: مَن هذا؟ مَن الذي معه؟ ولماذا؟ وتسأل: فلان البارحة شاهدته، وتبدأ تتكلم: أنا والله ...، ما الذي تُريده مِن وراء هذا؟ هذه حريات شخصية، ما الذي تُريده مِن وراء ذلك، قال: أريد أن يُلاحظ الناس أن هذا الإنسان سيء، لماذا تريد أن يُلاحظ الناس أنَّه إنسان سيء؟ يعني أنت إنسان مؤمن وهذا أخوك المؤمن، تُريد أن تُظهر أن واحداً من أفراد الأمة العربية والإسلامية سيء، ما هذا منطق التفكير، كل الناس الآن يتحدون، يوجد اتحاد أوربي، يوجد ولايات متحدة أمريكية، كل الناس تتحد الآن، ونحن نريد أن نتفرق، تُريد أن تفضح أخوك المؤمن، يعني أنت تتباهى في هذا الأمر، انظر كيف وصل بنا التَّفكير إلى عدم غَيرة الإنسان العربي على العربي والإنسان المؤمن على الإنسان

المؤمن، يُريد أن يَلفت نظرهم أنَّه سيء، وأنه يُظهر أنه مُتدين، ما شأنك أنت به؟ هل معنى أن يَكون مُتديناً أن لا يكون له أخطاء؟ مَن قال بأن الإنسان المتدين إنسان معصوم؟ كم مرة قلنا: إن الله طلب مِنَّا الاعتصام بالدين ولم يَطلب مِنَّا العِصمة، الإنسان ليس معصوماً، فتريد أن تتبع إنساناً غير معصوم مثلك، أنت خالٍ مِن الأخطاء؟ قال: لا، لكن أنا لا أفعل هذه الأشياء، أنا أفعل أشياء ثانية، هذا إثم وهذا إثم، لا يجوز لك أن تتبع عورة -أي زلات وأخطاء- أخيك المؤمن، فإذا فعلت تتبع الله عورتك، يقول رسول الله في تتمة الحديث: ((فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله))، الله يَفضحك في نصف بيتك، لأنك تُساهم في فضيحة الناس في جوف رحله، لذلك لا أنا ولا أنت نستطيع مواجهة الله حتى نتتبع عورات المؤمنين، الله يجعل مِن نفسه خصماً لك إذا تتبعت عورات الناس وآذيت الناس، فإياك، انتبه، الله يتتبع عورتك حتى يفضحك في عقر دارك، هذا أمر كبير أيها الإخوة.

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذي جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه))، ((ما زال جبريل يُوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))، يُصبح الجار له قِسم في التركة، ((ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذي جاره))، طيب إذا كان الإنسان إذاً آذاه كأن مَفهوم المخالفة يقول: إذاً هذا إنسان كأنه لا يُؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

أخرج البخاري في صحيحه، عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والجلوس في الطرقات)) -لا تجلسوا في الطرقات- فقالوا: يا رسول الله، ما لنا مِن مجالسنا بُدُّ -لا نقدر- نتحدث فيها -نُريد أن نأخذ ونعطي، نرى بعضنا البعض، لا نقدر، وهي عادة قديمة كانت موجودة، أن صاحب المحل إذا ما جَاءه زبون يَضع كرسي ويَجلس أمام محله في الحارة، والآن موجودة في كثير مِن الأسواق وكثير مِن الأماكن، يجلسون الناس يَضعون الكراسي ويجلسون في الطريق، فنهانا رسول الله عن الجلوس في الطرقات، لأنها كلها شَرٌّ، لَكن الصحابة قالوا: لا نَستطيع الاستغناء يا رسول الله- فقال عليه الصلاة والسلام: ((فإن أبيتم -إذا أصررتم وألححتم على الجلوس في الطرقات- قال: فإن أبيتم إلا الجلوس في الطرقات فأعطوا الطريق حقه))، قالوا: وما حَقُّ الطريق يا رسول الله، فقال: ((غض البصر، وكف الأذى -أن تَكُفَّ أذاك بلسانك وجوارحك- غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)).

سؤال: مَن يستطيع أن يُطبق هذه الأشياء، صَعب، ((غض البصر، كف الأذى، رد السلام، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر))، لا نَستطيع تطبيقهم، إذاً لا تجلس في الطرقات، اجلس في متجرك، افتح كتاباً واقرأ، فنحن أمة لا تقرأ، افتح مُصحفاً واقرأ ختماً وأنت تنتظر الزبون، وراء مكتبك لا تعود نفسك إلا أن تفتح النت ومواقع التواصل الاجتماعي على الأشياء المفيدة، يوجد أشخاص صار عندهم ثقافة عالية جداً دينية تكنولوجية علمية بكافة أنواع العلوم، تاريخية وجغرافية، السبب كثرة المطالعة على مواقع النت، وعنده ذاكرة جيدة وهو يحفظ، وبكثرة المطالعة صار عنده معلومات كثيرة، فإذا بك ترى واحداً مِن الناس يفتح مواقع التواصل الاجتماعي على أمر لا ينفعه بل يضره، إما في عقيدته أو في دينه أو في أخلاقه، عَلام نُضَيِّع هذه الأوقات؟ هل أمتنا أصبحت أعظم الأمم طراً تكنولوجياً علمياً ثقافياً حضارياً وزاد عندنا وقت بعد إتقان الأعمال وإتقان شركاتنا واقتصادنا؟! صِرنا أمة عظيمة جداً وزاد معنا وقت نَطلع على فلسفات الناس وسفاسف الأمور؟! نحن أمة يَجب أن تَنهض، الأمة التي يَجب أن تنهض لا تنهض إلا حضارياً وثقافياً وعلمياً، فعلام الجلوس في الطرقات! طيب أنا والله في مكتبي ما عِندي طريق، عَلام تجلس وراء مَكتبك دون أن تستفيد مِن وقتك! ما الشيء الذي تحفظه؟ خير العلم ما حُوضِرَ به، ما الشيء الذي إذا سُئلت به تُجيب؟ ما تخصصك؟ والله أنا صاحب مهنة، تعرف تقرأ وتكتب؟ نعم، يَجب أن تتثقف في فَنٍّ مِن الفنون، أن تقرأ فيه وأن تُكثر القراءة منه، حتى يُصبح عندك تخصص، هذه الأمة أمة التَّخصصات، ((أَقرَؤُكم أُبَيّ، وأفرضكم زيد، أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل، أقضاكم علي))، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، سيدنا الرسول قال لهم ذلك، بالقضاء سيدنا علي، وبالحلال والحرام سيدنا معاذ بن جبل، وبعلم الفرائض سيدنا زيد بن ثابت، وبعلم القرآن والقراءات القرآنية أُبي بن كعب، دِيننا دين الاختصاصات، عَلام نُضيع الأوقات؟ ثم بعد ذلك إذا لم تَستطع أن تَضبط نفسك بعلمٍ أو ثقافةٍ أو أمرٍ مفيد أنا سأقول لك: ماذا سيفعل بك الشيطان؟ سوف يدعوك إلى تتبع عورات الناس وأخبار الناس، فلان ماذا فعل؟ سأتصل لأرى ماذا حدث مع فلان؟ اشتغل بحالك، هل أنت تثقفت وتعلمت وتحصنت بالأخلاق وزاد عندك مِن الوقت؟! يا رجل الفراغ مشكلة هذه الأمة، مشكلة الشباب، مشكلة البنات والفتيات، الإنسان المؤمن لا يُوجد عنده وقت فراغ، عِندما يكون عنده وقت فراغ يَقضيه مع أصدقائه فيما يُفيد، مع زوجته وأولاده في نزهة فيما يفيد، هذا وقت الفراغ يكون في طاعة، في ازدياد في علم، في صلة أرحام، وغير ذلك ما يعرف الإنسان المؤمن في حياته، ((فإن أبيتم إلا الجلوس في الطرقات فأعطوا الطريق حقه))، والله الذي ذكره رسول الله لا أعتقد أن إنساناً يَستطيع أن يُعطيه حقه، وما أشبه الجلوس على الطرقات في زمانهم بالتجوال في مواقع النت في زماننا، تجول فيما هو مُفيد، ارفع سويتك، انظر إلى أي درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نَحرص على مشاعر الإنسان المؤمن، هذا الحديث أخرجه الترمذي في سننه، عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتناجى اثنان دون الثالث))، ثلاثة قاعدون بمجلس، جاء واحد مِنهم يناجي رفيقه، والثالث قاعد ينظر إليهما، التناجي هو الكلام سراً، ((لا يتناجى اثنان دون الثالث))، لماذا؟ قال: والله حديث خاص، أجله، ليس أمام هذا الشخص الثالث، طيب لماذا يا رسول الله ((لا يتناجى اثنان دون الثالث))؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((فإن ذلك يُحزنه))، الله أكبر، يَشعر أنَّه هو ليس أهلاً للسِّرّ، لماذا يُناجيه؟ لماذا لم يتكلم أمامي؟ هل أنا لا أحفظ السِّرّ؟ يعني أنه مُهتم فيه أكثر ما يَهتم بي، ((فإن ذلك يحزنه))، يقول رسول الله، وفي رواية للحديث نفسه: ((لا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يؤذي المؤمن، والله عز وجل يكره أذى المؤمن))، هذه الرواية يَجب أن نحفظها كثيراً، ((لا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يُؤذي المؤمن، والله عز وجل يكره أذى المؤمن)).

سيدنا يحيى بن معاذ الرازي -ذكر ذلك ابن رجب الحنبلي في كتابه "جامع العلوم والحكم"- يقول: لِيَكن حَظُّ المؤمن منك ثلاثة -يعني نصيب المؤمن مِن أخيه المؤمن- ثلاثة أشياء، هذا أدنى شيء، أخوك المؤمن له حق عندك في ثلاثة أشياء، له نصيب عندك في ثلاثة أشياء: (إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تُفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه)، إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تُفرحه فلا تغمه، لا تُحزنه، لا تخبره أخباراً سيئة، أخبره بالبشارات واترك الخبر السيء لغيرك، ضع هذه قاعدة في حياتك اليومية، بعملك وتعاملك مع الناس، كل شيء سيء لا تظهره على لسانك، هو يبلغه بطريق ما، قال: (إن لم تُفرحه فلا تغمه)، أي لا تُحزنه، (وإن لم تمدحه فلا تذمه)، إذا لا تُريد أن تمدحه فتقول: والله إنه إنسان جيد وأخلاقه جيدة وكذا وكذا، قال: فلا تذمه وتقول: إنسان سيء يفعل كذا وكذا.

أما سيدنا الفضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه فيما أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" فيقول: (والله ما يحل لك أن تُؤذي كلباً بغير حق، فكيف تؤذي مسلماً)! فسيدنا الفضيل بن عياض يقول: (والله لا يحل لمؤمن أن يُؤذي كلباً بغير حق، فكيف يؤذي مسلماً)!.

سيدنا الحسن البصري فيما يرويه الخرائطي ذهب إلى مكة المكرمة، فتجمع الناس حوله، هذا سيد التابعين، سيدنا الحسن البصري، تجمع الناس حوله كثيراً وكثروا، صار حوله ألفين شخص، طلبوا منه الكلام، نُريد درساً وموعظة، أنت سيد التابعين، عِلمك أخذته من الصحابة ومن آل البيت، قال: (يا أيها الناس، إن سَرَّكم أن تَسلموا ويَسلم لكم دينكم فكفوا أيديكم عن دماء الناس، وكفوا ألسنتكم عن أعراضهم، وكفوا بطونكم عن أموالهم)، إذا كُنت تُريد أن تعيش حياتك سَليم الصَّدر يَسلم لك دينك، لا تتعرض لا لدمائهم ولا لأموالهم ولا لأعراضهم.

وأختم هذه الخطبة بما أخرجه الخرائطي كذلك في "مكارم الأخلاق"، عن سيدنا مجاهد التابعي الجليل، يقول سيدنا مجاهد: (يُسلط على أهل النار الجرب)، تعرفون مرض الجرب الذي يحك الإنسان جلده، وكلما حَكَّ أكثر كلما ازداد رغبة في الحَكّ، يقال عن هذا المرض مرض الجرب، (يُسلط على أهل النار الجرب، فيحتكون حتى يَبدو عظم أحدهم دون جِلده ودون لحمه، فينادى: يا فلان، يا فلان بن فلان، هل يُؤذيك هذا؟ فيقول: نعم، فيُقال: هذا بما كنت تُؤذي به المؤمنين)، قال علماؤنا: ومثل هذا الحديث إذا رواه تابعي فله حُكم المرفوع، لأنه لا يُعرف بالرأي، وإنما يَكون شيئاً سمعه مِن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهل يُريد أحدنا -أيها الإخوة- أن يكون هكذا يوم القيامة؟! أو هل يَرغب أحدنا أن يُتكلم عنه بأمر سوء في غيابه أو بحضرته؟! ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1686
تحميل ملفات
فيديو مصور