الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-02-05 الساعة 13:38:55
إنَّ في المال حقاً سوى الزكاة
الشيخ أحمد سامر القباني

تاريخ الخطبة: 9 من جمادى الأولى 1439 هـ - 26 من كانون الثاني  2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فضمن المنهج العام لخطب الجمعة، نتكلم مع حضراتكم -أيها الإخوة المؤمنون- عن موضوع هام جداً في ديننا وهو موضوع الأخلاق، وبدأنا بالحديث عن علامات الأخلاق، علامات حسن الخلق، وقلنا: إن سيدنا عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: (حسن الخلق: بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى)، وتكلمنا عن بسط الوجه، وهو أن يكون الإنسان مستبشراً مبتسماً لطيفاً ظريفاً، إذا عاملته وجدت معشره طيباً ورأيته ميسراً، فهذا مِن علامات حسن الخلق، فالتشدد لا ينفع بحال، وتقطيب الحاجبين والعبوس هو ضد منهج النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكه، وصدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ((المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))، المنبت المتشدد لا أرضاً قطع، إنه إذا أراد السفر فإنه يجد السير جداً بسرعة فَيُتعب ناقته، فإذا به بعد أن أتعب ناقته فإذا بناقته تعطب، هذا معنى (ولا ظهراً أبقى)، الظهر الذي يرَكبه، لأنه لم يرحمها بالاستراحة، ولم يُيَسِّر على نفسه ولا على ناقته، (ولا أرضاً قطع)، فإذا عطبت دابته وماتت بقي في مُنتصف الطريق في الصحراء، ((المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)).

وتكلمنا عن بذل المعروف أيها الإخوة، وقلنا مِن أهم الأمور التي يجب مُراعاتها في بذل المعروف:

أولاً: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وثانياً: أن تشكر الله بأن جعل الله يدك عليا فتبذل المعروف للناس وليست بيد سفلى تأخذ مِن الناس، وثالثاً: أن نُبادر نحن إلى فعل المعروف.

وقلنا: إنَّ المعروف أنواع، فهناك بذل المال، وبذل العلم والمعرفة لمن يريده، وبذل الخبرة لمن يحتاجها منك، وبذل الخدمة بجسدك ومهنتك، وبذل منصبك وجاهك ونسبك في قضاء حوائج الخلق وقضاء حوائج الناس.

واليوم -أيها الإخوة المؤمنون- نَتحدث عن موضوع آخر هام في بذل المعروف، ألا وهو أن في المال حقاً سوى الزكاة، في المال حق آخر غير الزكاة، بعض الناس وهذا نبهنا عليه مراراً -أيها الإخوة- بعض الناس لا يخرج زكاة ماله بحساب دقيق، ويقول: أنا أدفع وإن شاء الله أدفع زيادة، وقُلنا: إنَّ هذا الكلام شرعاً غير صحيح مِن الناحية الشرعية، فالإنسان يَجب عليه أن يَحسب ما عنده مِن عقارات للتجارة، إذا كان عنده مَنزل للتجارة أو سيارة للتجارة أو مزرعة للتجارة، وقلنا: إنَّ التَّشكيك في النِّية يُدخل العقار في حيز الزكاة، يعني هذا البيت أنا جالس فيه، لكن إذا جاءني زبون وربحني عليه فأهلاً وسهلاً أبيعه، بمعنى أنه قَلَبَ نِيته للتجارة فأصبح في هذا المنزل زكاة، ويحسب ما عنده مِن سيارات للتجارة وعروض تجارية، فالذي عنده مَعمل بلوك وعنده مواد بناء بــ 10 ملايين يُضيف مواد البناء إلى حساب الزكاة، والذي عنده معمل لمواد غذائية وعنده سكر وطحين يَجب أن يُضيفهم إلى الزكاة، والذي عنده بضائع جاهزة للبيع يَجب أن يُضيفها إلى الزكاة، والذي عنده مال في البنك يَجب أن يُضيفه إلى الزكاة، والذي عنده مال في بيته وذَهب يَجب أن يَحسب قيمته ويضيفه إلى الزكاة، وإذا زوجتك عندها ذَهب في المنزل تجاوز خمسة وثمانين غراماً مِن الذهب عليه زكاة، يجمع كل ذلك فيحول عليه الحول فتُخرج زكاة مالك.

إذاً الموضوع يَحتاج إلى حساب، لا يجوز أن تقول: أنا أبذل المعروف وأدفع زكاة مالي، فإن علماءنا رحمهم الله كانوا يَقولون: الذي لا يُخرج إلا زكاة ماله هذا إنسان مَوصوف بالبُخل، طيب هو أدى زكاة ماله! قال: هو أدى الواجب عليه شرعاً، فأين الكرم؟ يعني أنت طلبنا مِنك أن تدفع كذا وكذا، لهذا الأمر دفعت المتوجب عليك، إذا لم تدفعه أنت لا تدخل إلى الجامعة، هذا المتوجب عليك، إن قلت: نعم وإن قلت: لا يَجب أن تدفعه، قال: هذا الواجب عليه، فأين الكرم؟.

بعض الناس هذا صِنف من الناس -نسأل الله تعالى أن لا نكون نحن ولا أنتم منهم هذا الصنف- أنَّه لا يدفع زكاة ماله بحساب، يُقدر تقديراً، وربما كان تَقديره خطأ، فهذا لا يجوز، يَجب في بِداية الحول جَردُ كل الصندوق، وجَردُ كل الموجودات عندك، فما كان منها للتجارة يُخرج زكاة ماله.

الصنف الثاني: لا يُخرج زكاة ماله أصلاً، وهذا الصنف أمره عَسير في الشريعة الإسلامية، لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ * يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هـذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ﴾ ]التوبة: 34-35[، هذه الآية واردة في الزكاة والذهب والفضة ليس شرطاً، وإنما هو المال الموجود في زمانهم تقيس عليها المال الموجود في زماننا، وهذا أمر عسير جداً، فمنع الزكاة هو هدم لركن من أركان الإسلام، فهذا أمره عسير يجب أن يُبادر فوراً إلى دفع زكاة ماله.

صنف ثالث: لا يعلم هل تَجب الزكاة عليه أم لا تجب الزكاة عليه، هذا أمره هين وسهل، ورب العزة والجلال يقول: ﴿فَاسأَلوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمونَ﴾ ]النحل: 43[، اِسأل أهل العلم.

وصنف رابع: يَعلم أن عليه حقاً وهو الزكاة ولكن عنده طبع هو البخل، وهذا الطبع يمنعه من إخراج الزكاة، هو يعلم أنها واجبة لكن هو بطبعه بخيل.

أحد الأشخاص كان يقول لأولاده -وقد حثوه على دفع الزكاة-: يا بابا أنت لا تدفع الزكاة، الله أنعم علينا، قال لهم: ادفعوا ولا تُخبروني، لا أريد أن أعرف، سبحان الله، قال الحكماء: البخل والكرم يُولد مع الإنسان، ليس أمر يُمكن اكتسابه، سبحان الله، يولد مع الإنسان الكرم والبخل، وهو قابل للاكتساب والتعلم، ليس بيده، يقول لهم: والله العظيم لا أستطيع، ادفعوا دون أن تخبروني، هو بطبعه بخيل.

أحد الأشخاص قال بعد أن كان لا يَدفع الزكاة، ثم بدأ يدفع الزكاة، قال: لما كُنتُ أُخرج الزكاة والله كأن رُوحي تخرج مني وأنا أُخرج زكاة المال، مِن كثرة تعبي في حياتي حتى عملت وأسست واشتغلت، قال: لما أُخرج الزكاة كأن روحي تخرج معها، بعدئذ ربي عز وجل أكرمني وأنعم علي بإعادة التفكير وإعادة التأمل، وقلت: مَن أنا، وماذا كان عندي، ولماذا أجد في نفسي بخلاً عندما أدفع الزكاة، قال: فتغيرت نظرتي، هو يتكلم عن نفسه.

بعض الأشخاص قال لأولاده: قيدوني وادفعوا الزكاة أنتم، فسبحان الله هذا أمر واجب شرعاً إخواننا، بذل المعروف بمعنى دفع الزكاة واجب شرعاً، ((بني الإسلام على خمس: شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً))، هذا الإنسان الذي يُخرج زكاة ماله قلنا هذا واجب عليه، ولكن في المال حق سوى الزكاة، فماذا ورد في ذلك؟ وماذا نَعني في المال حق سوى الزكاة؟

أخرج أبو عبيد في كتابه "الناسخ والمنسوخ" عن التابعي الجليل الإمام الشعبي عامر بن شراحيل الشعبي، أنه سُئل: هل في المال حَقٌّ سِوى الزكاة؟ قال: نعم، وتلا قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ...﴾ ]177[، إلى آخر هذه الآية، قال: نعم، هناك حق سوى الزكاة.

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه، عن التابعي الجليل سيدنا إبراهيم النخعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: كانوا -أي السلف الصالح- يَرون في أموالهم حقاً سوى الزكاة.

وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً في مصنفه، عن سيدنا قزعة التابعي الجليل قال: قُلت لعبد الله بن عمر: إنَّ لي مالاً فماذا تأمرني؟ إلى مَن أدفع زكاته؟ قال: (ادفعها إلى ولي الأمر)، يعني إلى بيت المال، في زمانهم كانت تُدفع الزكاة إلى بيت المال، (ولكن في مَالك حق سوى ذلك يا قزعة)، هذا كلام سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب، (ولكن في مالك حق سوى ذلك يا قزعة) غير الزكاة.

وأخرج عن مزاحم بن زفر قال: كُنت جالساً عند عطاء، أي التابعي الجليل المعروف، فأتاه أعرابي فسأله فقال: إن لي إبلاً فهل علي حق بعد الصَّدقة؟ الصدقة يعني الزكاة، وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالـمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها ...﴾ ]التوبة: 60[، إلى آخر هذه الآية المقصود فيها الزكاة، وكذلك قوله تعالى: ﴿خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها﴾ ]التوبة: 103[، الصدقة هنا الزكاة بإجماع المفسرين، قال: إن لي إبلاً، وتعرفون إخواننا في زمانهم كيف يُعد الإنسان غنياً، إذا كان عنده إبل كثيرة وشياه كثيرة وأبقار كثيرة، يعني يتكاثرون بموضوع الإبل والشياه وما شابه ذلك، فقال: إنَّ لِي إبلاً، فهل عليَّ حَقٌّ بَعد الصَّدقة؟ فقال سيدنا عطاء: نعم.

وأخرج ابن أبي شيبة كذلك في مصنفه، عن عبد الأعلى، عن هشام، عن سيدنا الحسن البصري التابعي الجليل رضي الله تعالى عنه أنه قال: (في المال حق سوى الزكاة).

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: قال سيدنا أبو ذر: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: ((هُمُ الأخسرون ورب الكعبة))، قال: فجئت حتى جلست، فقلت: يا رسول الله فداك أبي وأمي مَن هُم؟ والله شيء يُرعب، ((هم الأخسرون ورب الكعبة))، مَن هُم فداك أبي وأمي؟ مَن هم الأخسرون؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((الأكثرون أموالاً، إلا مَن قال هكذا وهكذا، وهكذا وهكذا))، فقال سيدنا أبو ذر: فأشار من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، أنه ينفق في كل الاتجاهات، ((الأكثرون أموالاً إلا مَن قال))، وقال هنا بمعنى فعل، كما ورد في الحديث عن سيدنا عمار بن ياسر، لما أصابته جنابة في الصحراء ولم يكن معه ماء قال: فخلع ثيابه ثم تمرغ في التراب كما يتمرغ البعير، هو ظَنَّ أن الحدث الأصغر التيمم له الوجه واليدين إلى المرفقين، معناها إذا أصابته جنابة الإنسان يجب أن يتمرغ في التراب تمرغ البعير، فخلع ثيابه وتمرغ في التراب تمرغ البعير، ثم جاء فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما صنع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: ((كان يَكفيك أن تَقول بيديك هكذا))، أن تقول يعني أن تفعل، ثم ضرب ضربتين فمسح بإحداهما وجهه ومسح بالثانية يديه إلى المرفقين، إذاً الحدث الأصغر والحدث الأكبر سِيَّان في موضوع التيمم، نفس التيمم لا يختلف، نعم، ((هم الأخسرون ورب الكعبة))، مَن هم يا رسول الله؟ قال: ((الأكثرون مالاً، إلا مَن قال))، أي مَن فعل بيديه هكذا، فعل رسول الله هكذا وهكذا، وهكذا وهكذا، يعني يُنفق في كل الاتجاهات، وذكر علماؤنا في شرح هذا الحديث -وهو في البخاري ومسلم- أنَّ في المال حقاً سوى الزكاة.

والآن -أيها الإخوة- قرأنا هذه الأحاديث الشريفة، وقرأنا لكم نُصوصاً عن السَّلف الصالح، ويَقصدون بذلك أن الإنسان المؤمن يَجب أن يَتَّصِف بمكارم الأخلاق، ومِن صفات مكارم الأخلاق الكرم، والكرم يُحَتِّم على الإنسان أن يُخرج زكاة ماله، وأن يُخرج فوق زكاة ماله أيضاً، وما أُريد أن أتحدث عنه هو التالي:

مِن عَلامات حُسن الخلق بذل المعروف، أَدَّيتَ زكاة مالك، هناك حُق علينا:

أولاً: كثير مِن الناس ينسون مَن حولهم في بذل المعروف، يعني هو يبذل المعروف للناس، يتصدق ويُزكي وينسى مُستخدماً عنده في المكتب في الشركة، لا يَسأله عن أحواله، أين يَسكن؟ وماذا عليه دين؟ وكيف يعيش؟ وكم ولد عنده؟ وربما إذا سأله يَسأله سؤالاً عابراً، فلا يَقض حاجته، ناطور بناء عندك، أنت تراه عنده أربع أو خمس أولاد، وأنت مصروفك في الشهر كبير جداً، وهو راتبه 25 ألف ليرة، وأنت تعلم أن هذا اليوم لا يساوي شيئاً نهائياً، وعنده خمس أولاد، كيف يعيش هذا الرجل؟.

مِن علامات حسن الخلق بذل المعروف، نبدأ بالأقربين، أحياناً الإنسان يَنظر إلى البعيد وينسى القريب، أحياناً الإنسان يَنسى أهله مِن معروفه، فهو عنده أخ فقير، هو يذهب لقضاء حوائج الناس وينسى قضاء حاجة أخيه أو أخته، أو ابن أخيه، أو ابن أخته، أو ابن خاله، أو ابن عمه، ويَعرف أنه يعيش في فقر، أنه بيته بالآجار، وأنه إنسان مُهجر، أنه إنسان ليس عنده وظيفة إلا ما يَسُدُّ الرَّمق، يَأخذ مبلغاً صغيراً في وظيفته، سواء كانت الوظيفة في جهة عامة أو جهة خاصة، فينسى الناس أحياناً الأقربين، ويَنسون مَن حولهم، وهذه مشكلة، أتعلم لماذا؟ لأن هذا الإنسان يَرى ما عليك مِن النِّعم فيحقد، وإذا كان قد أكرمه اللهُ بِسلامة الصَّدر أنَّه إِنسان صدره سَليم لا يَحقد على أحد، والله هذا الإنسان يقول: الله يهنيه بما أعطاه، هذا ماله، والله ييسر له يا رب، إذا كان هذا الإنسان سَليم الصدر فأقل ما يَكون في قلبه العَتَب عليك أنَّك لا تسأله عن أحواله، فيعتب، هُناك الجار في البناء، والجار في الشركة، والجار في المتجر والمصنع، يجب عليك أن تنظر إلى أحوال جيرانك.

الإمام الطبراني أخرج بسنده إلى سيدنا عبد الله بن عباس -وهذا الحديث رُوي بطرق مختلفة، وهو حديث صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس بالمؤمن الذي يَشبع وجاره جائع إلى جنبه)).

أنت إذا نظرت -وأؤكد أننا تكلمنا عن بذل المعروف، والإخلاص لله عز وجل- يا إخواننا يعني حتى لو أنت تُريد أن تُعطي مَن حولك أو أقاربك أو أرحامك وتُحسن إليهم سواء كان بالمال أو بكلمة طيبة أو بخدمة بجاهك ومِن خلال موقعك، انتبه، ليس لِيَقول الناس عنك: إنَّك إنسان عظيم، وإنسان حسن الخلق، يَجب أن نُحَرِّر النيات، بنية صادقة لله عز وجل، أن لا يَكون ذلك من باب الرياء، ليقول الناس عنك: ما شاء الله والله هذا إنسان أخلاقه حسنة، ينبغي أن تكون النية لله عز وجل خالصة، طيب إذا قُمنا بإكرام الأرحام، خالاتك وعماتك، وأخوالك وأعمامك، وأولادهم، وإخوتك، وأبناء إخوتك، وأبناء أخواتك، المستفيد الأكبر هو أنت، ماذا يطلب الإنسان في هذه الحياة؟.

أولاً: دائماً نَذكر في دُعائنا: اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله، أليس كذلك؟ الإنسان سبحان الله يَدعو بهذا الدعاء مِن قلبه، يَحب أن يعيش الإنسان يُحب الحياة، وديننا ثقافته ثقافة الحياة لا ثقافة الموت، اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله، ومَتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وأجسادنا ما أحييتنا، أليس كذلك؟ طيب، ماذا يَطلب الإنسان؟ أن يُوسع له في رزقه، ويَفرح إذا ربي رزقه رزقاً حلالاً طيباً كَثيراً واسعاً، يفرح كثيراً، ويدعو الله دائماً بالرزق، زوجته تدعو له، أولاده يدعون له بالرزق، شيء جميل جداً، الرزق طول العمر مع الصحة والعافية، الرزق أن يموت والله عز وجل راضٍ عنه، صحيح إخواننا؟ يَعني الحياة كلها طول عمر ورزق، أليس كذلك؟ أيوجد أجمل مِن هذا؟ لا يوجد أجمل من هذا، تُريد هذه الثلاثة؟ استمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((مَن سَرَّه أن يُمَدَّ له في عُمره ويُوَسَّع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء -يدفع الله عنه ميتة السوء- فليتق الله وليصل رحمه))، ((فليتق الله وليصل رحمه))، صلة الرحم أن نذهب ونزورهم فقط؟ قال: لا، بذل المعروف يا أخي، بذل المعروف، تذهب وتزورهم وتأخذ هدية بيدك، طيب عمتي غنية عنا، مَثَل في الشام يقولون: "أنا غنية وأحب الهدية"، ما دخل الغنى بالهدية؟ في المال حق سوى الزكاة، نريد أن ننفق في سبيل الله، أن نُهدي إهداءات، أن نهب للناس هبات، الهدية والهبة تُقَوِّي المحبة فيما بين الناس، وخصوصاً الأرحام، في المال حق سوى الزكاة.

فيا أيها الإخوة: عندما يَكون الإنسان قد نَظَرَ بِعَين اليقين أنَّه جاء إلى هذه الدنيا ولَيس عنده قرش واحد، وجاء جاهلاً فعلمه الله، وعارياً فكساه الله، وجائعاً فأطعمه الله، وأغناه الله عز وجل من فضله، ولم يكن عنده شيء أبداً، عندما ينظر إلى هذه الحقيقة يَهون عليه كل شيء، ففي المال حق سوى الزكاة.

بذل المعروف -أيها الإخوة- يكون من الزكاة ويكون خارج الزكاة، بالصدقات، والتماس حوائج الخلق، ولو كُنتَ قد دفعت زكاة مالك، التمس حوائج الخلق واقض حوائجهم، اِسأل عن طلبة العلم الذين يَطلبون العلم وتفرغوا لطلب العلم، تَبَنَّى إنساناً للدراسة، قُل هذا الإنسان أنا سَأَتَبَنَّاه إلى أن يَنتهي مِن دراسته، مِن أول الدراسة إلى نهايتها، إذا رأيت فيه جِدَّاً واجتهاداً وخُلُقاً حَسَنَاً، انظر في حوائج أهل العلم والفضل فاقض حوائجهم، فإنه لا يَسألهم أحد، انظر في حوائج الفقراء، إذا رأيت إنساناً قد وقف ليبيع الخضار على قارعة الطريق، ورأيته إنساناً مستوراً بالبركة، اشتر منه ولا تأخذ وتعطي معه، اشتر منه ولا تناقشه، إن في المال حق سوى الزكاة.

بذل المعروف -أيها الإخوة- علامة مِن علامات حُسن الخلق في كافة الاتجاهات، احفظوا هذا الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((هُمُ الأخسرون ورب الكعبة))، مَن هُم؟ قال: ((الأكثرون مالاً، إلا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا))، أشار بيديه الشريفتين صلى الله عليه وسلم، كُن مِن أصحاب هكذا وهكذا وهكذا وهكذا إذا أكرمك الله بالمال.

 

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 967
تحميل ملفات
فيديو مصور