الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-01-23 الساعة 13:16:08
بذل المعروف وشكر المنعم سبحانه وتعالى
الشيخ أحمد سامر القباني

2 من جمادى الأولى 1439 هـ - 19 من كانون الثاني  2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

ما زلنا وإياكم -أيها الإخوة المؤمنون- ضِمن المنهج العام لخطب الجمعة نَتكلم عن موضوع هام جداً وهو موضوع الأخلاق، وبدأنا بالحديث عن علامات حسن الخلق:

العلامة الأولى من علامات حسن الخلق: هي بسط الوجه، أن يَكون الإنسان يُرى في وجهه البشر، مبتسماً لطيفاً ظريفاً ميسراً.

العلامة الثانية من علامات حسن الخلق: هي بذل المعروف، والمعروف كلمة واسعة يمكن أن تسميها بالخير، ويمكن أن تسميها البر، فالمعروف بوجوده هو معروف بذل المال، وبذل العلم فتعلم مَن لا يعلم، وبذل الجاه أن تقوم من خلال جاهك بخدمة الناس، وبذل المنصب أن تقوم مِن خلال المسؤولية التي وضعها الله في عنقك بتيسير وتسهيل أمور الناس، وفي نفس الوقت أيضاً أن تَستخدمها في خدمة الأمة والوطن والدين، ومنها بذل الخدمة، فأنت لست بعالم، ولست بذي منصب، ولست بذي جاه مَعروف بين الناس، ولست بصاحب مال، ما الذي تفعله؟ قال: تبذل خدمتك، فما هو اختصاصك، ما هي مهنتك؟ إذا كانت مِهنتك مثلاً الدهان البلاط الطينة العمار أي شيء، قال: مِن خلال هذه المهنة ومِن خلال هذا العمل وهذا الاختصاص تخدم الناس وتبذل المعروف لهم، فليس كل شيء يمكن أن يُصنع بالمال، وَثِقْ تماماً أن ما يُقدمه صاحب المهنة مِن مهنته لبيت مِن بيوت الله مثلاً هو عند الله أكثر وزناً وأعظم قِيمة وقدراً وثواباً مِن الذي يُقدم المال وهو مُقتدر، ذلكم لأن هذا الرجل لم يَجد ما يُنفقه فبذل مِن جهده وتعبه في خدمة الناس.

وقلنا -أيها الإخوة- إنَّ بَذل المعروف له شروط وله آداب، مَن أراد أن يبذل المعروف وأن يكون مِن الناس ذوي الخلق الحسن:

أولاً: يجب أن يكون في عمله مخلصاً لله سبحانه وتعالى، فلا رياء ولا سمعة، ويجب أن يكون في قرارة نفسه الأمر له أو عنده سيان، إن علم الناس أو جهلوا، شكروا أو قدحوا، فالأمر عنده سيان، هذا الإنسان مخلص في عمله.

ثانياً: -الذي تكلمنا عنه في الخطبة السابقة وهو أمر هام جداً- المبادرة، أن تُبادر أنت في فعل المعروف، لا تنتظر حتى يأتي الناس إليك مِن ذوي الحاجات، إذا جاءك ذوو الحاجات فأهلاً وسهلاً تقوم بقضاء حاجاتهم ولا ترد طالباً إذا كنت مُقتدراً ولو بالقليل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يقول لا لسائل أبداً، امتثالاً لأمر الله ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾]الضحى: 10[، لذلك قال فيه الشاعر:

ما قال لا قط إلا في تشهده، صلى الله عليه وسلم، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

ما قال لا قط إلا في تشهده *** لولا التشهد كانت لاؤه نعم

فرسول الله ما كان يرد أحداً، وأنت لا ترد حداً. ولكن السؤال الهام: هل أنت مِن ذوي المبادرة؟.

ضَربت لحضراتَكم أمثلة رائعة عن بَعض الشَّباب الذين قاموا بالمبادرة مِن أجل تثقيف الأسر الفقيرة، تعليم الأسر الفقيرة علمياً، هناك مَن يقوم بكفالة أولاد الفقراء بتعليمهم، وهناك مَن يقوم بتعليمهم مهنة من المهن ليستغنوا بها، وهناك مَن يشتري ماكينة خياطة لأسرة فتقوم هذه الأسرة بالعمل لتكتفي عن الناس، وهكذا.

واليوم نتحدث عن أمر هام جداً، وهو أنَّ صاحب المعروف الذي يُريد أن يُقدم هذا المعروف يَجب أن يكون عالماً بقدر فضل الله عز وجل عليه، شاكراً للنعم التي أنعمه الله عليها، أن يَكون مُوقناً بأنَّ هذا الذي يَفعله إكرام مِن الله له، لأن يده عليا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اليد العليا خير من اليد السفلى))، وابدأ بمن تعول ابدأ، بزوجتك وأولادك وأخيك وأختك، أنفق عليهم واقض حوائجهم، ابدأ بأسرتك، ثم وسع الحلقة، ((اليد العليا خير من اليد السفلى))، إذا كُنت صاحب معروف بمالك بعلمك بجاهك بمنصبك بمهنتك بخدمتك بكلمتك الطيبة، إذا كُنت مِن هؤلاء الناس فاعلم أنَّ هذا فضلٌ مِن الله عليك، هو الذي أنعم عليك بهذه النِّعم، فلا بُدَّ أن تُنفق منها، وكل شيء عليه زكاة، والنِّعم عليها زكاة، فهناك زكاة المال، وزكاة العلم، وزكاة المنصب، وزكاة الجاه، وزكاة النِّعم الجسدية التي أنعم الله بها عليك، تُنفق منها مِن جنسها في خدمة الناس وبذل المعروف للناس، فكثير من الناس -أيها الإخوة- لا يُدرك عَظيم فضل الله سبحانه وتعالى عليه، وما أكثر نِعَم الله على عبيده، لذلك قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾]النحل: 53[، كل نعمة عندك هي مِن الله لا من غيره، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفَّارٌ﴾ ]إبراهيم: 34[، ليس كَفَّار مِن الكفر ضد الإيمان، كَفَّار بِالمعنى اللُّغوي أن يَجحدوا نِعم الله سبحانه وتعالى عليه، ظَلُومٌ أي ظَلُومٌ لِنفسه بعدم شكره لله سبحانه وتعالى على هذه النعم، وأمثلة بَسيطة:

أنت عندك بيت ملك حِزتَ نِعمة عظيمة مِن نعم الله، فغيرك يَسكن في بيت آجار.

أنت تَسكن في بيت آجار حِزت نعمة عظيمة، فغيرك في الطريق يَنام على قارعة الطريق لا يجد مأوى.

أنت سَليم مُعافى في جسدك أنت في نِعمة عظمى جداً، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن أضحى آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)).

أنت عندك عمل؟ نعم عندي عمل راتبه قليل، نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى، كم وكم مِن الشباب اليوم يَبحثون عن عمل فلا يجدون.

أنت عِندك مَتجر؟ اشكر الله، فهناك مَن يمشي في الطرقات ويبيع في هذا البر القارص، يَمشي في الطرقات على بَسطة يَبيع.

أنت عندك بسطة؟ اشكر الله، هناك مَن لا يملك مالاً لِيشتري هذه الأمور لكي يبيعها ويتاجر بها.

أنت صاحب شركة؟ اشكر الله عز وجل على هذه النعم الكثيرة جداً جداً، فإذا شكرت الله بلسانك فقد حققت الحد الأدنى مِن الشكر، والله يَرضاه، يرضاه لأنَّه مُنعم مُتفضل مُستغني سبحانه وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله لَيرضى مِن العبد إذا أكل الأكلة أن يحمده عليها، وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها))، إن الله يرضى، لذلك هذا الحد الأدنى مِن درجات الشكر لله، نرتفع ونرتقي درجة أن تبذل مِن هذه النِّعم التي أعطاك الله إياها للناس في خدمتهم، هذا شُكر لله، للنِّعم التي أعطاك إياها أنها لم تكن خاصة بك، عَمَّمت فضل الله الذي أنعم به عليك عَمَّمته على الناس، هذا نوع مِن أنواع الشكر.

يقول الإمام الغزالي: وأعلى درجات الشُّكر لله سبحانه وتعالى -أعلى الدرجات- أن تَصرف النِّعم التي أنعم الله بها عليك في طاعة الله، وأن لا تَستخدم هذه النِّعم التي أنعم الله بها عليك في مخالفة أوامره وفي ارتكاب المنهيات والمعاصي والآثام، هذه أكبر درجات وأعلى درجات الشُّكر لله سبحانه وتعالى، أن تصرف النِّعم فيما يُرضي الله وفي طاعة الله سبحانه وتعالى.

كم وكم كُنَّا نَسمع مِن أشياخنا في بِداية الأزمة حتى قبل الأزمة، كان الله قد أنعم علينا في هذه البلدة المباركة إنعاماً كبيراً جداً، وكلنا يَعرف ذلك مِن حاله هو، فالذي لم يكن عنده بيت اشترى منزلاً، والذي لم يكن عنده سيارة -هذا كله قبل الأزمة- اشترى سيارة، ومَن كان عنده منزل وسيارة بدأ يبحث عن قطعة أرض لِيَبني عليها مزرعة أو ليبني مَصنعاً أو معملاً، وكانت هذه البلدة مِن أرخص البلدان في العالم، سندويشة الفلافل بــ 10 ليرات، كانت تنكة المازوت كلها بــ 130 ليرة، يعني ليتر المازوت بــ 6،50 ليرة، تنكة البنزين بـ 500 ليرة، راتب الموظف 5000 ليرة، نِعَمٌ كثيرة، بدأ الناس يَعملون، صِرنا نجتمع مع الناس، كيف حالك يا فلان؟ والله اتركها لله يا شيخنا، والله الشُّغل واقف، ما معنى الشغل واقف؟ قال: هو يعني الشهر الماضي دَخل على جِيبته مليونين ليرة هذا الشهر لم يدخل على جيبته إلا 500 ألف، 500 ألف في ذلك الوقت 200000، يعني ليس مبلغاً قليلاً، خليها لله يا شيخنا، الشغل واقف، ما هكذا يَكون الجواب، يكون الجواب الحمد لله على كل حال، الحمد لله يجب أن يكون حالك دائماً في السراء والضراء، الشكر والحمد لله سبحانه وتعالى، واللهُ إذا رأى مِنك ذلك رأى مِنك حمداً وشكراً له في حالة السراء والضراء أفاض عليك مِن النِّعم، ولكن إذا وجدك تتكلم أمام الناس بأنَّك إنسان مِن ذوي الحاجة، والله ما عندي كذا، والله أنا الشغل واقف؛ اعلم أنَّه لن يأتيك الرزق، لأنك جَحَدت نعم الله عز وجل عليك.

كم وكم سمعنا مِن مشايخنا قبل الأزمة وكان الناس في نِعَمٍ وَرَغَد مِن العيش كبير أنَّ هذه البلدة نسأل الله أن يجيرها مِن فتنة، لماذا يا سيدي؟ قال: الناس لا يشكرون، مع كل هذه النعم الموجودة في البلد الناس لا يشكرون، البعض يَعترض رزقه قليل، لا يَعمل مثل البقية الناس، والبعض من الناس عنده عمل ويعمل لكن لا يشكر الله عز وجل، هذا الشكر مَقام يَجب أن تُمسك مسبحة وتجلس أنت دائماً تشكر رب العزة والجلال سبحانه وتعالى على هذه النعم التي أنعم الله بها عليك، ما كان في الشكر الحقيقي، نحن نتكلم عن الشكر الحقيقي الواجب الذي يجب أن يفعله الإنسان المؤمن في سورة النحل، آية مِن الآيات يقول فيها رب العزة والجلال: ﴿وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّـهِ﴾، ما قال ربنا (فجحدت وجود الله) ما قالت: (لا يوجد الله)، لكن كفرت بأنعم الله، أنعم جمع نعمة، كفرت بأنعم الله، ﴿فَأَذاقَهَا اللَّـهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ –جوع وخوف سبحان الله- بِما كانوا يَصنَعونَ﴾ ]112[، يعني بِسبب بما كسبت أيديهم، يعني هذا يأتي مِن قبلنا وليس مِن الله سبحانه وتعالى، لأن الله قال: ﴿لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ﴾ ]إبراهيم: 7[، إذا جَحدتم النِّعم ﴿إن عذابي لشديد﴾، إذاً يا أخي المؤمن إذا علمت أنَّ الله عز وجل يُحب الشُّكر ويُحب الحمد أفلا تَفعل ذلك؟ الله يُحب أن تقول: الحمد لله، الشكر لله، في الجنة باب اسمه باب الحمد، يَدخل مِن هذا الباب الناس الذين يحمدون الله عز وجل كثيراً، إذا قام قال: الحمد لله وإذا جلس قال: الحمد لله، وإذا كان معافى قال: الحمد لله، وإذا مرض قال: الحمد لله، إذا لم يبق معه مال قال: الحمد لله، لكن كم مَرَّة نقول في اليوم الحمد لله؟ عشرين، ثلاثين، ينبغي أن قولها آلاف المرات يا إخواننا، كل حركة مِن حركاتنا نقول: الحمد لله.

الأنبياء وصفهم الله ومدحهم بأنهم كانوا يَشكرون الله عز وجل، قال ربنا عز وجل: ﴿ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبدًا شَكورًا﴾ ]الإسراء: 3[، وقال في سيدنا إبراهيم عليه السلام:﴿إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّـهِ حَنيفًا وَلَم يَكُ مِنَ الـمُشرِكينَ * شاكِرًا لِأَنعُمِهِ -كان يشكر الله- شاكِرًا لِأَنعُمِهِ اجتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ ]النحل: 120-121[، تُريد مِن الله الهداية، يعني أناس كثير يُحاولون قدر المستطاع يبتعدوا عن المعاصي والآثام، فالشيطان يكون مُغوياً لهم بشكل كبير، مِن أسباب الهداية والاجتباه الشُّكر لله، فأمسك المسبحة ودائماً اِبقَ شاكر لله عز وجل، تجد ربنا يَهدي قلبك، لا تترك المسبحة مِن يدك أبداً، إذا كنت تُريد أن يُمكنك ربي مِن نَفسك وتَنتصر عليها اذكر الله دائماً، ﴿شاكِرًا لِأَنعُمِهِ اجتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾.

السيدة عائشة تقول -والحديث في الصحيحين وكلكم يحفظه-: يا رسول الله -يقوم الليل رسول الله حتى تتورم قدماه، إذا وقف الإنسان كثيراً تتورم رجلاه- يا رسول الله، لم تُجهد نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ لماذا تقوم ثلاث أو أربع ساعات في الليل؟ قال: ((يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً))، الله يُحب الشكر، يحب أن تشكره، أن تحمده على نعمائه.

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -والحديث في سنن أبي داود، وفي سنن النسائي- يقول لسيدنا معاذ بن جبل: ((يا معاذ، والله إني لأحبك))، هنيئاً لسيدنا معاذ على التوكيدات الموجودة في هذه الجملة، والله: قسم، إنَّ: حرف توكيد ونصب، إني لأحبك: اللام لام المزحلقة وفائدتها توكيد الكلام، ((والله إني لأحبك، فقل دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))، لا تتركوها أيها الإخوة، سيدنا الرسول يُقسم لسيدنا معاذ أنَّه يُحبه، طالما يُحبه عَلَّمه كلمات لأنه يحبه كثيراً وأقسم، إذاً هذه الكلمات ليست قليلة، ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادك)).

أيها الإخوة الكرام: مَعرفة قَدرِ نِعَمِ الله عز وجل عليك، أمر هام جداً:

-أن تشكر الله بأنك يَد عليا، وهي خير من اليد السفلى.

-أن تعرف أنَّ هذه النعم التي أنعمها الله عليك تحتاج إلى زكاة، وليس فقط زكاة المال، فتنفق مِن هذه النعم في خدمة الناس.

-أخيراً: هذا الإنسان الذي بذلت له المعروف إياك أن يَحصل في نفسك ظَنٌّ أنَّك أفضل منه عند الله، يعني بعض الناس يُنفق ويقوم بالخدمة ويَرى نفسه أنَّه أفضل مِن الناس، هذه الطريق مزلقة، فيه انزلاق نحو الهاوية، يجب أن تعلم أنَّ هذا الإنسان الذي أكرمك الله بخدمته وبذل المعروف له هذا الإنسان ربي امتن عليك وأرسله إليك، لو لم يُرسله الله سبحانه وتعالى إليك لما بَذلت المعروف، وإذا لم تَبذل هذا المعروف ما كُنت تأخذ الأجر والثواب مِن الله سبحانه وتعالى، ثم إنَّ هذا الرجل لو لم يَكن عنده نَقص في النِّعم لما جاء إلى مِن عنده النِّعم وهو أنت، لكي يُكرمك الله بإخراج هذه النِّعم، والتَّكرم بها على الآخرين، إياك أن يَحصل في خَلَدِك أو في قَلبك أنَّك أفضل مِن هؤلاء الناس فهذه مَزلَقَة، يَجب أن تَعتبر أنَّ كل الناس أفضل منك، ودائماً -أيها الإخوة- مهما قُمنا بواجب الشكر والحمد لله سبحانه وتعالى يَجب أن نَنعت وأن نَصف أنفسنا بالتَّقصير، هذا هام جداً، لا تُفكر في يوم مِن الأيام أنَّك أَدَّيت شُكر نِعمة مِن نعم الله عز وجل عليك، نحن نَقوم بما علينا آلاف المرات نشكر الله كل اليوم دائماً في السراء والضراء، ومع ذلك كله لا نُؤدي شكر نعمة من نعم الله عز وجل.

أختم هذه الخطبة -أيها الإخوة بهذا الحديث- هذا الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد، عن سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني مِن حُجرته إلى المسجد، دخل إلى المسجد فقال لمن حوله: ((خرج مِن عندي آنفاً أخي جبريل))، قال لهم: الآن خرج جبريل من عندي، هذا معنى آنفاً، ((فقال لي: جبريل يقول لرسول الله- يا محمد، كان فِيمن كان قبلكم رجل عَبَدَ الله خمسمائة عام، -والنَّاس كانوا يَعيشون، سيدنا نوح ألف سنة، خمسمئة سنة أقامه الله في جَبل في وسط البحر، طُوله ثلاثون ذراعاً، هذا الجبل هي جزيرة صغيرة، وعرضه ثلاثون ذراعاً، 30م بــ 30م، وأنبت الله له شجرة رمان تُنبت له في كل يوم رمانة، ليس بالسَّنة مَرَّة! كل يوم، قال: وأسال له عيناً من الماء عذبة بعرض الأصبع، فكان إذا أمسى اليوم نزل فقطف الرُّمانة فأكلها، وتوضأ وشرب من هذا الماء العذب، ويتفرغ لعبادة الله في هذه الجزيرة الصغيرة، 30م بــ 30م، لا يوجد على الجزيرة أحد غيره أبداً، قال: فسأل الله عز وجل خمسمائة سنة إذا قبض الله روحه أن يقبضها وهو ساجد، يرحم الله سيدنا الشيخ عبد القادر الأرناؤوط توفي وهو ساجد، يَرحم الله سيدنا الدكتور مصطفى الخن توفي في خطبة الجمعة في الوقت المبارك، سأل الله إذا قبضه أن يَقبض روحه وهو ساجد، وأن لا يجعل لأحد مِن هوام الأرض ولا لمخلوق على جثته سبيلاً، لا يُريد أن يقع في البحر يأكلوه، ولا يُريد أن يدفن في الأرض، هكذا يريد، فضل من الله، خمسمائة سنة يَشكر الله ويَعبد الله سبحانه وتعالى، قال: فقبضه الله وهو ساجد، ورفعه إليه، قال: فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا، نراه ساجداً لله، ما مَكَّن الله الأرض مِن جسده، استجاب الله له دعاءه، قال: فرأينا فيما عَلِمنا مِن العلم -يعني في اللوح المحفوظ- أنَّ هذا الرجل يُبعث يوم القيامة يُبعث فيقول الله عز وجل لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: فيقول هذا العبد الصالح: يا رب بل بعملي، خمسمائة سنة ليست قليلة، كلها قضيتها بالعبادة، ركوع وسجود وطاعة وعبادة لله لك يا رب، فلماذا برحمتك لا بعملي؟ قال: يا رب بل بعملي، قال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: يا رب بل بعملي، فقال: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: يا رب بل بعملي، فقال الله عز وجل لملائكته: قايسوا عبادة خمسمائة عام بِنِعَمِي على عبدي، قال: فَتُقاس عبادة خمسمائة عام بنعمة البصر فقط، سوف نُحاسبك على نعمة البصر، قال: فإذا بها نعمة البصر تَستوعب ذلك كله، وبقيت بقية نِعَمِ الجسد، خمسمائة سنة لا تُؤدي شكر نعمة واحدة مِن نعم الله وهي نِعمة البصر، فقال الله لملائكته: خُذوه إلى النار، قال: فجرته الملائكة، فَبَدَأَ يَبكي هذا العبد الصالح، يقول: يا رب يا رب -وهم يَجروه- أَدخلني الجنة برحمتك، يارب أدخلني الجنة برحمتك، قال: فيقول الله لملائكته: أَعِيدوه، فَتُعيده الملائكة، ثم يُوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول الله له: أي عبدي، مَن خلقك مِن قبل ولم تك شيئاً؟ مَن خلقك؟ أنت تقول لي: بعملك، أنت مَن أنت؟ وكلكم يحفظ قول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَاللَّـهُ أَخرَجَكُم مِن بُطونِ أُمَّهاتِكُم لا تَعلَمونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾ ]النحل: 78[، قال: يا عبدي مَن خلقك مِن قبل ولم تك شيئاً؟ قال: أنت يا رب، قال: فكان ذلك برحمتي أم بعملك؟ قال: بل برحمتك، قال: ومَن أقامك في لُجَّةِ البحر، وأنبت عليك رمانة كل يوم، وأسال لك ماء عذباً تشرب منه؟ قال: أنت يا رب، قال: أكان ذلك برحمتي أم بعملك؟ قال: بل برحمتك، قال: مَن أقدرك على عبادة خمسمائة سنة؟ قال: أنت يا رب، قال: أكان ذلك بعملك أم برحمتي؟ قال: بل برحمتك يا رب، قال: فيقول الله عز وجل: خذوه وأدخلوه الجنة برحمتي، فَنِعمَ العبدُ كان عبدي، قال: فالتفت جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد، إنما الأشياء كلها برحمة الله عز وجل.

الله، كم هي نِعَم الله عز وجل علينا أيها الإخوة، اللهم اجعلنا مِن عبادك الشاكرين.

أيها الإخوة: أمر خطير جداً، وهو قلة الشكر لله عز وجل، إذا جعلك الله مِن أصحاب بَذل المعروف فاعرف قَدرَ نِعَمِ الله عز وجل عليك، واستخدمها في خدمة الناس، لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ]سبأ: 13[، هل يكذب ربنا: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا﴾ ]النساء: 87[، ربنا يُقَرِّر حقيقة، يقول: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، نُريد أن نَكون مِن هذا القليل أيها الإخوة.

- الشيء الأول: كل إنسان له ورد في يومه شكر وحمد لله سبحانه وتعالى بالآلاف لا نريد بالعشرات.

- الشيء الثاني: نَبذل مِن النِّعم التي أنعم الله بها علينا في خدمة الناس.

- الشيء الثالث: نَصرف النِّعم التي أَنعمها الله علينا في طاعة الله عز وجل لا في المعاصي والآثام.

 

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه،

أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،

استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 888
تحميل ملفات
فيديو مصور