الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-01-16 الساعة 12:22:50
المبادرة إلى فعل الخير
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 25 من ربيع الآخر 1439 هـ - 12 من كانون الثاني  2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فما زلنا وإياكم -أيها الإخوة المؤمنون- ضِمن المنهج العام لخطب الجمعة نَتكلم عن موضوع الأخلاق، وتكلمنا عن حُسن الخلق مع الله وحسن الخلق مع الخلق، ثم انتقلنا إلى علامات حُسن الخلق، ورأينا أن العلامة الأولى مِن علامات حسن الخلق بسط الوجه، وهي أن يكون الإنسان مُبتسماً يُرى في وجهه البِشر، لطيفاً ظريفاً، قريب المأخذ إلى الناس، فهذه العلامة الأولى مِن علامات حسن الخلق، وبدأنا بالعلامة الثانية وهي بَذل المعروف، وبذل المعروف كلمة أو عبارة جامعة، وعَبَّر عنها علماؤنا بالخير، وعبروا عنها بالعطاء، أن تبذل الخير، أن تبذل العطاء، أن تبذل المعروف، وإنما كانت هذه الكلمة جامعة لأنها لا تَقتصر على بذل المال وإنفاقه، وإن كان هذا هو أبرز العطاءات، لأن المال يتعب به صاحبه ليجنيه، فعندما يخرج من جيبه رخيصاً في سبيل الله ووجوه الخير يَحصل هُناك كثير مِن التناقضات النفسية، هناك ما يُعارضك نفسياً بأن لا تُخرج هذا المال، فَهُناك زوجتك، وهناك أولادك، وهم أولى بهذا المال ممن تتبرع أو تتصدق عليهم، وابنك يحتاج إلى منزل، ويحتاج إلى زواج، وتحتاج إلى أقساط المدرسة، وتحتاج وتحتاج، لذلك يأتي الشيطان يَكون الإنسان يريد أن يتبرع بمبلغ كبير وأن ينفق مبلغاً كبيراً فيصل معه في المفاوضات الشيطان إلى النصف، ثم يصل معه أحياناً إلى الربع، أحياناً يُفلح الشيطان فلاحاً تاماً، فَيُقنعه بعدم التَّصدق، ولكن هناك أنواع أخرى للبذل أيضاً هذا أبرزها، هُناك بذل العلم والمعرفة، بذل جاهك ومنصبك ونسبك بين الناس لخدمة الناس، هناك بذل وعطاء النَّصيحة، وهناك عطاء الخدمة والإعانة، أن تُعين الناس بما تستطيعه، العطاءات كثيرة، والمعروف كثير، والخير كثير.

وتكلمنا في الخطبة السابقة عن أمر هام جداً وهو الإخلاص، وأنت تقوم بأي عمل من أعمال الخير تبتغي به وجه الله سبحانه، وأن تخلص العمل له، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ ]البينة: ٥[، مُخلصين له الدين، ويقول رب العزة والجلال في الحديث القدسي: ((الإخلاص سر من أسراري، أُودعه قلب من أشاء من عبادي))، في ناس مَن هذا الحديث يَفهم أن هُناك أُناساً يُحاولون الإخلاص فلا يستطيعون، الإخلاص هِبة مِن الله، ثم بعد ذلك هو تَدريب ورياضة للنفس، كما قلنا إن بعض الناس تكون النِّية عِندهم خالصة عندما يقومون بفعل من أفعال الخير، -وقلت: الخير ليس المال فقط- لكن يَعتريهم بعض الشُّبه في هذه النية من هنا وهناك، الرياء، السُّمعة، الظُّهور، ليتكلم الناس عني بأني إنسان جيد، حتى يَعرفوا مَن أنا، حتى يعرفوا عائلة فلان ماذا تعمل، حتى حتى ...، تَدخل نِيات كثيرة، فيجب عليه أن يُخلص النية، وأن يُحرر النية، حِينئذ فإذا حررها وأخلصها نسأل الله أن يتقبل، حتى لا يَذهب الأجر والثواب.

أيها الإخوة: الفكرة الثانية الهامة في فعل الخير وبذل المعروف بأنواعه كلها هي أنَّ العُمر قَصير، يقول الحسن البصري: (يا ابن آدم، إنما أنت أيام)، أنا أيام، أنا لحم وعظم وحواس وبصر وشم وذوق وأعصاب وخلايا، هذا أنا، مشاعر تفكير عقل، سيدنا الحسن البصري رضي الله عنه لم يذكر واحداً من هذه، قال: (يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب مِن عمرك يوم فقد ذهب بعضك)، ابن آدم إنما هو أيام، إذا ذهب يوم فقد ذهب بعضك، وإذا ذهب بعضك أوشك أن يذهب الكل، سبحان الله، تسأل الآن بركة هذا المسجد في كبار السن، هؤلاء الشيب الذين نتقرب إلى الله عز وجل بشيبتهم، ((إن الله ليستحي من ذي شيبة شاب في الإسلام))، لو سألنا هؤلاء كبار السن بركة المسجد بركة الشام يقولون لك: والله العمر كطرفة عين، بالأمس كنا أطفالاً صغاراً، نلعب في حارات دمشق، بالأمس كلمح البصر، الآن عمرك ثلاثين، أربعين، خمسين سنة، سبحان الله، متى أتى علينا كل هذا الوقت، متى أتت علينا كل هذه الأيام، حتى صِرنا في هذا السِّن شيء عجيب، وإذا ذهب بعضك أوشك أن يذهب الكل، (يا ابن آدم إنما أنت أيام)، الفكرة أنَّ العُمر قصير، ولذلك الإنسان يَجب أن لا ينتظر فعل الخير حتى يُطلب منه، ويَجب أن يَسعى ويُبادر هو إلى فعل الخير.

أحد الشباب له مَشروعه الخاص، وقال: أنا أريد أن أرتبط مع جمعية خيرية، خيراً يا أخي لماذا؟ قال: نحن مِهنتنا هي إصلاح الموبايلات، وهذه مهنة جيدة جداً، بريد أن نرى أولاد الفقراء، نأتي بهم نُعلمهم ونُقيم لهم بدورة، وهذا الشاب إذا تعلم إصلاح الموبايلات رُبما مِن هذه المهنة فقط يَستطيع أن يُعيل أسرته وعائلته! جزاه الله خيراً، مبادرة جميلة لطيفة، عشر شباب يُعلمهم هذه المهنة، شيء رائع جداً.

أحد الأشخاص يَبحث عن الأطفال ذوي الإعاقة، لماذا؟ قال: كان معي في صِغري مُشكلة خلقية، وكان يظن مَن حولي أني لا أعيش، سُبحان الله! قال: ولكن أهلي صبروا وداووني وعالجوني، وعانيت مع أصدقائي في المدرسة كثيراً كثيراً، عانيت استهزاء، ثم مَنَّ الله علي فَصِرت مِن الأغنياء، يَبحث عن هذه الجمعيات التي فيها إعاقة، هو يبحث.

إذاً لا تنتظر حتى يأتيك الخير، أو حتى يُطلب منك أن تفعل الخير، هو يبحث.

شخص ثالث يَسأل عن العمليات الجراحية، شخص رابع يبحث عن الفقراء الذين يحتاجون لأدوية، شخص خامس يبحث عن مساجد تحتاج إلى ترميم، شخص آخر يُريد أن يَبني مسجداً أو معهداً شرعياً، يبحث، لماذا؟ يَجب أن لا ننتظر حتى يُطلب مِنَّا فعل الخير، لأن الحياة قصيرة، (يا ابن آدم إنما أنت أيام)، ولأن الحياة قصيرة، جاء القرآن ليأتي بفعل الخير وبذل المعروف بلفظ هو قوامه المبادرة والمسابقة والمسارعة والتنافس، ولم يأت بلفظ يُشعر الإنسان أن معه مُهلة وفُسحة في الحياة أبداً، الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا﴾ ]البقرة: 148[، استبقوا، استبق يستبق، أي طلب السَّبق، والسبق لا يكون من إنسان وحده، يكون مع شيء آخر، ما هو الشيء الآخر؟ قال: الزمن، سَباق مع الوقت، وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ ]الأنبياء: 90[، هناك (فاستبقوا الخيرات)، الخيرات اسم عام، المعروف، العطاء. هنا: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾، سمعنا مِن أشياخنا ومن أهل الله: خدمة الناس وفعل الخير مقام عالي عند الله، يعني لا يُلهم الله كل إنسان أن يفعل الخيرات والبركات أبداً، هناك أناس ربنا عز وجل يُحبهم يُلهمهم ذلك، فإذا لم يَفعل قال: يَجب أن يَنظر إلى المعاصي والآثام والمخالفات الشرعية التي قام بها حتى حَرَمَه الله مِن هذا المقام، مقام بذل المعروف، فعل الخير، الخدمة للناس، بالجاه والنسب والحسب والمنصب والمال، هذه نعمة من الله، مِن أين أخذ أهل الله ومشايخنا هذه المعاني؟ قال: أخذوها مِن قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلناهُم أَئِمَّةً يَهدونَ بِأَمرِنا وَأَوحَينا إِلَيهِم فِعلَ الخَيراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانوا لَنا عابِدينَ ]الأنبياء: 73[، ﴿وَأَوحَينا إِلَيهِم فِعلَ الخَيراتِ﴾، فيها إشارة -الآية- إلى أن ليس كل أحد يستطيع فعل الخير والمعروف، ثم يأتي وازع من نفسه ليقوم بفعل الخير، هذا يكون إنسان الله يحبه كثيراً.

الحديث الأول: أخرج مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتن كقطع الليل المظلم))، لاحظ الآية الأولى: ﴿فَاسْتَبِقُوا﴾، الآية الثانية: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ﴾، الآن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((بادروا))، المبادرة والمسارعة، ((بادروا بالأعمال الصالحة))، كن أنت المبادر، لا تنتظر حتى يأتيك أو حتى يُطلب منك فعل الخير.

أولاً: الإخلاص في بذل المعروف وفعل الخير.

ثانياً: كن عنصراً إيجابياً، كن مبادراً، لا تنتظر أن يُطلب منك فعل الخير، قال صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، -والعياذ بالله- ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل))، نسأل الله السلامة.

الحديث الثاني: أخرج الترمذي في سننه، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مشداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائباً يُنتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر))، والشاهد: ((بادروا بالأعمال سبعاً)).

إذاً نحن في ديننا الإنسان في حياته اليومية ليس مطلوباً منه أن يقف مع الخير وبذل المعروف على الحياد أبداً، المطلوب منه أن يُسابق وأن يُسارع وأن يُبادر لذلك، تسمع في القرآن قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ ]آل عمران: 133-136[، هنا: وسارعوا، في سورة أخرى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ...﴾ ]الحديد: 21[، ما هذه الألفاظ الجميلة في القرآن؟! ﴿سَارِعُوا﴾، ﴿سَابِقُوا﴾، ﴿فَاسْتَبِقُوا﴾، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ ]الأنبياء: 90[، قال: المؤمن إيجابي دائماً، وهو الذي يُبادر ويَصبر مهما أوذي في فعل المعروف، يصبر لأنه صاحب رسالة، وليس مهنة يمتهنها، كثير مِن الجمعيات الخيرية يقوم عليها ناس من كبار التجار، ويتعرضون لنقدٍ من الناس، وهم يعملون لله، يُسخرون أموالهم وسياراتهم لخدمة الفقراء والمساكين والمرضى والجرحى والأرامل والأيتام، أحدهم مرة قال: أنا ضِقتُ ذرعاً، خيراً؟ قال: أنا سأموت من كلام الناس، أنتم تأخذون أموال الناس، أنتم كذا، أنتم كذا، فقال له أحد المشايخ الكرام: أنت أين تعمل؟ أنت في الجمعية الخيرية تعمل عند الله، فلا تهتم بعبد الله، أنت تعمل عند الله، هذه الكلمة ليست عادية، فَكِّر بها جيداً، أنت تعمل عند الله، عليك بالصبر، أنت إذا كان لك رب عمل يَنظر كيف ستعمل، دقت عملك، إتقانك بعملك، متى تأتي، متى تنصرف، ما الذي سوف تنجزه له من الأعمال في هذه الوظيفة، ويريد أن يضعك على المحك، يضغطك بالعمل، إذا وجدك لست أهلاً قال لك: الله يعطيك العافية مع السلامة، قال: أنت تعمل عند الله، لا تهتم بعبد الله، كلام رائع وجميل.

أحد أشياخنا مِن مشايخ الشام رحمهم الله توفي، قال لهم شيخهم -وعندهم معهد شرعي- قال لهم شيخهم: تذهبون غداً -في رمضان- تأخذون إيصالات المعهد ويجولون على التجار في الحريقة وفي سوق الحميدية، قالوا له: أمرك شيخنا، هؤلاء المشايخ من الطبقة الأولى كلهم في رحمة الله الآن، أنا أعرف من هو الشيخ، ومَن هم السادة المشايخ الذين أصبحوا مِن كبار علماء العالم الإسلامي، نزلوا في رمضان على الحريقة وسوق الحميدية، وذهبوا إلى التجار، فرجعوا بمال قليل بسيط جداً في آخر النهار، فعرضوا هذا الأمر على شيخهم، فقال لهم شيخهم: لا حول ولا قوة إلا بالله، نسينا! قالوا: نسينا ماذا؟ قال: نحن لم نتصدق، يجب قبل أن نَطلب مِن الناس أن نتصدق نحن، {هي من جيبتي بهداك الوقت "500" أديش بساووا اليوم أكثر يمكن من هذا الكلام كان في الخمسينيات الستينيات مبلغ كبير جداً}، قال: كنت جعلت هذا المبلغ أريد أن أشتري به بيتاً، الآن هذا المبلغ للمعهد، قال: كل واحد منكم يدفع ما يستطيع، هذا دفع 10 ليرات، هذا عشرين، هذا خمسين، هذا مائة في ذاك الوقت، قال لهم: الآن اذهبوا مرة ثانية إلى التجار، فذهبوا مرة ثانية فدخل أحدهم إلى أحد التجار فقال له: نحن عندنا معهد شرعي، قال لهم: ماذا تعملون في هذا المعهد الشرعي أنتم، قال: نُعَلِّم طلبة العلم العلوم الشرعية: الفقه، وأصول الفقه، والقرآن، وعلوم القرآن، والحديث الشريف، والتفسير، واللغة العربية، نُعِدُّهم خطباء وأئمة ودعاة إن شاء الله تعالى، وكذا الخ، قال له: أنت مَن شيخك؟ قال له: فلان، قال له: {والنعم على راسي}، ماذا تريد؟ قال له: الشيء الذي ربنا عز وجل يُلهمك إياه، قال له: {تكرم عينك، عمل حاله طالع شغلة، قال له: افتح يدك، فتح يده فبصق بها، فبصق بيده، والله ما تكون صايرة معي أنا أو مع أي حدا منكم والله موقف صعب}، أنا أقول لك: قل لي والله أنا أعتذر والله يعطيكم، تبصق بيدي! لماذا؟ فبصق بيده في يده، فقال له: هذه لفلان، لكن أنت ما عندك لله، فبكى هذا التاجر، وأقسم بالله أنه لا ينظر ولا يتكلم وفتح له الخزنة، قال: أقسم بالله أن تأخذ من الخزنة ما تشاء.

ما هذا الصبر من مشايخنا، انظروا إخواننا، نظن أن الدِّين وصل إلى بلاد الشام هكذا، بدماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وعلماؤنا الأثبات على مر الدهور والعصور، علماء الشام الأثبات الذين صبروا في هذا البلد وعلموا الناس، أفنوا حياتهم يا إخواننا، أنتم تتكلمون عن مشايخ وعلماء أثبات، لا يعرفون النوم، قبل الفجر بساعتين يستيقظون، يُسَمِّعُوا قرآن، عندهم درس بعد صلاة الفجر، بعد درس الفجر عندهم درس ثانٍ، وتسميع قرآن، يَذهبون ويدرسون بالمعهد والثانوية الشرعية، يرجعون مباشرة عندهم درس بعد الظهر، وبعد العصر، وبعد المغرب، وبعد العشاء، أفنوا حياتهم بتسميع القرآن للناس وتعليم القرآن والفقه، هذا كله يحتاج لجهد، يحتاج أموال، يحتاج بذل، يحتاج معروف، يحتاج عطاء، صَبَرُوا حتى أُسست هذه النهضات العلمية في بلاد الشام، هذا كله بجهود مشايخنا وعلمائنا، بجهود التجار الأفاضل الكرام، تجار الشام، وكل سوريا خير وبركة، بجهودكم بجهود آبائكم وأجدادكم، هذا بذل المعروف يا إخواننا، بالمسارعة والمسابقة.

إخـــواننــــا: عمل الخير وبذل المعروف يحتاج إلى مُبادرة وإلى صبر، لذلك لِيَكن نُصب أعيننا هذه الأمور الهامة:

أولاً: الإخلاص لله سبحانه وتعالى علم الخلق أو لم يعلموا.

ثانياً: المبادرة، لا تنتظر حتى يطلب منك.

ثالثاً: أن تصبر على فعل المعروف والعطاء للناس وفعل الخير.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه،

أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1250
تحميل ملفات
فيديو مصور