الثلاثاء 07 شوال 1445 - 16 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-12-03 الساعة 23:52:48
معاني مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 13 من ربيع الأول 1439 هـ - 1 من كانون الأول  2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

أطل علينا -أيها الإخوة المؤمنون- شهر ربيع الأنور بأنواره وبركاته، أطل علينا هذا الشَّهر الذي نحتفل فيه بذكرى سيد ولد آدم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول عن نفسه: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، والحديث صحيح، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرسول النبي الأمي، المبلغ عن الله سبحانه وتعالى، هو الرسول الذي جاء بالإسلام خاتمة الشرائع السماوية، هذا النبي العظيم يَحِقُّ لنا أن نفرح بمولده، يَحِقُّ لنا أن نحتفل بمولده كما هي عادة أهل بلاد الشام مُنذ مئات السنين لا عشراتها، ومُنذ قرون عدة ذَكَرَ ذلك ابن رجب الحنبلي رضي الله تعالى عنه في القرن السابع الهجري أظن أو الثامن، مُنذ ذلك الحين يَذكر أَنَّ أهل بلاد الشام يَحتفلون بِولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولِسائل أن يسأل: لماذا نَحتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم؟ فأنا أقول:

أولاً: تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكريماً له.

ثانياً: فرحاً وعملاً برسالته التي جاءنا بها وهي هذا الإسلام العظيم.

فمن يسألك: لماذا تحتفلون بولادة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقل له: لأن الله أمرنا بتعظيمه وتوقيره وتعزيره، ولأن الله سبحانه وتعالى أكرمنا بهذا الدين العظيم عن طريقه، فهو الباب إلى الله سبحانه وتعالى، ولأنه جاءنا بهذا الشرع العظيم، هذا الشرع الكريم الذي لن تجد له نظيراً في هذه الدنيا، وإذا سألك بتفصيل أكبر فقل له -وقد أخذت ذلك مِن معين كتاب الله عز وجل وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم- قل له: لأن احتفالنا بمولده هو احتفال برسالته وبتشريعه، وتشريع رسول الله صلى الله عليه وسلم واضح مِن خلال القرآن والسنة بأسباب بعثته وأسباب رسالته، وبناء على ذلك فيجب أن نقرأ الآيات في القرآن التي تقول: {إنا أرسلناك} لماذا أرسلناك يا محمد؟ أي "بعثناك" "بعثت" "بعثني" في الآيات والأحاديث، إذا بَحثنا عن هذه الألفاظ لِنَعرف لماذا أُرسل ولماذا بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وحِينئذ يأتي الجواب الكامل عن فرحنا بولادته الذي هو فرح برسالته صلى الله عليه وسلم، فنقرأ في سورة الأحزاب قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ -هذا ما يهمنا، لماذا أُرسل- إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾، أي شاهداً على أمتك بالرسالة، لأن الله سبحانه وتعالى لا يُعذب قوماً حتى يُبلغهم رسالته، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا﴾ [الإسراء: 15]، ولذلك أجمع علماؤنا على أن أهل الفترة ناجون، مَن هم أهل الفترة؟ أهل الفترة هم قوم لم تَبلغهم رسالة النَّبي السابق، ولم يدركوا النَّبي اللاحق، وبذلك لا يكون فيهم بشير ونذير ومُبَلِّغ عن الله سبحانه وتعالى، فأجمع علماؤنا في العقيدة على أنهم يوم القيامة ناجون لقوله تعالى: ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا﴾، ولذلك: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾، قبل كل شيء، مَن قال: لم تصلني الرسالة! قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾، أي على أمتك بالرسالة كما ذكر القرطبي عن التابعين عن السُّدي وغيره، ﴿وَمُبَشِّرًا﴾، ما أجمل هذه الرسالة، رسالة تأتي بالبشارات، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ هَذَا الدِّين يُسر، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلا غلبه، فيسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا))، ((بَشِّرُوا))، هُنَا الشَّاهد، ﴿وَمُبَشِّرًا﴾، ((ولا تنفروا، وسَدِّدُوا وقاربوا))، فإذاً: ﴿شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾، مُبشراً لأهل الطاعة بالجنة، ونذيراً لمن خالف التشريع بالنار وبالحساب يوم القيامة، حتى يكون هناك اعتدال، حتى يكون هناك توازن، بين الترغيب والترهيب، وبين الخوف والرجاء، ولكن -أيها الإخوة- طالما أنَّ الله قال: "مُبَشِّرَاً" قبل أن يقول "نذيراً"، وطالما أنَّه سُبحانه وتعالى يقول في كتابه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، فعند المؤمن يَغلب جانب الرجاء، وأنتم تحفظون آيات نهاية سورة الفرقان: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [63]، تَحفظون هذه الآيات، ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ -أي قَتَل، أشرك بالله، زنا- يَلْقَ أَثَامًا -يأثم- * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـئِكَ -يغفر الله ذنوبهم- فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ -ما هذا الكرم الإلهي، يُبدل سيئاتهم، رب العزة والجلال يبدلها حسنات- فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّـهِ مَتَابًا﴾ [68-71]، يَغلب جانب الرجاء على جانب الخوف، والبشارة على النذارة، لذلك وقف علماؤنا عند تفسير قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾، وأنتم تعلمون الحديث الموجود في مُعجم الطبراني، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: (اسم الله الأعظم في هذه الآيات)، الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، وقال علماؤنا: هذا الحديث حديث حسن، ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ -إذاً صِفة يقابلها صفة- وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ﴾، صفة يقابلها صفة، الآية في نهايتها تقول: ﴿بِيَدِكَ الخَير إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير﴾، قال ربي: يُعِزُّ وَيُذِلّ، يُعطِي الملك ويَنزِعُ الملك، وخِتام الآية: {بِيَدِكَ الأمر}، لا، ختام الآية: ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾، هل فَكَّرنا: لماذا جاءت {بيدك الخير} صِفة مقابل صفة، خَلَص {بيدك الأمر}! قال: لا، ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 26]، قال: لِيَغلب جانب الرجاء على جانب الخوف، ولِيَغلب ظنك بالله أنه سيُعطيك، على ظنك الآخر أنه سيمنع الرزق عنك، وليغلب ظنك بالله أنه سيعزك، على الظن الآخر أنه سيذلك، قال: ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: 26-27]، يقول سيدنا عبد الله بن عباس: ألا أدلك -في الحديث- على دعاء إذا دعوت الله به قضى عنك دينك؟! يقول لسيدنا معاذ بن جبل، طبعاً والحديث راويه سيدنا عبد الله بن عباس، قال: قضى الله عنك دينك ولو كان مِثل جبل أُحُد، مِثل جبل أُحُد، كَم وزنه؟ آلاف الأطنان وترليونات الأطنان، ما هو يا رسول الله؟ فقرأ له هذه الآيات في سورة آل عمران، لكي تحفظونها إخواننا، ثم قال: ((﴿تَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، اللهم -بعد أن تقرأ الآية- اللهم رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تُعطيهما مَن تشاء وتمنعهما مَن تشاء، ارحمني رحمة تغنني بها عن رحمة مَن سواك))، هذا الدعاء وهذه الآيات قال سيدنا عبد الله بن عباس: فيها اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وهذا هو الدعاء: ((رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنعهما ممن تشاء، ارحمني رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك))، وسيدنا علي كرم الله وجهه أيضاً يروي حديثاً، ولكن هذا الحديث بدعاء آخر، تُقضى ديونك ولو كانت مثل جبل أحد: ((اللهم فارج الهم كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك))، قال: قُضيت ديونه ولو كانت مثل جبل أحد، الشاهد في الموضوع -يَعني هذا استطراد- الشَّاهد في الموضوع "بيدك الخير"، بَعد الصفات المتقابلة يَغلب جانب الرجاء على جانب الخوف، فرجاؤنا بالله كبير، ويقول رب العزة والجلال في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء))، و{ما} مِن أدوات العموم، هكذا قال الأصوليون وعلماء اللغة، كل ما تريده ظُنَّ به بالله خيراً.

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا -على النَّاس بالرِّسالة- وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا -ولكن يغلب دائماً جانب البشارة على النّذارة- وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ -إذاً رسول الله بُعث لِيُبَشِّر- وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-47].

الآية الثانية في سورة الفتح: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [8-9]، عِندما تَفتح تفسير القرطبي لِتَقرأ تفسير هذه الآية سوف تجد التالي: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ تكلمنا عنها، ﴿لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ﴾، التَّعزير ما هو؟ التعزير: هو التعظيم والتوقير، وعلى هذا القول -وهو أرجح الأقوال في التفسير- يكون مِن باب الأضداد، فهُناك التَّعزير المعروف الذي هو أقل مِن الحَدّ، يعني التَّوبيخ، فتَكون هذه اللفظة مِن ألفاظ الأضداد، وقد فَسَّرها أحد التابعين {تُعَزِّرُوه} أي تمنعوه مما تمنعون به أنفسكم، أي تَنصروا رسول الله، يجب أن تُحافظوا عليه وتحموه كما تحمون أنفسكم، هذا في حياته وبعد موته أيضاً.

أيها الإخوة: باتباعنا لِرِسالته وتعظيمنا لشرعه واقتدائنا وتأسينا لشرعنا، وبإعلاء راية الحق والدين والإسلام الصحيحة بأفعالنا ومعاملتنا مع بعضنا قبل الكلام الذي نتكلمه فيما بيننا ننصر رسول الله نمنعه مما نمنع به أنفسنا، ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾، ما هو التوقير؟ قال السدي وهو من كبار التابعين: تُوَقِّرُوه أي تُسودوه، أي تجعلونه سيداً عليكم، تُسودوه وتُعظموه، ومِن معانيها الاحترام والتَّقدير، التوقير: الاحترام والتقدير، أي تُقدروه وتحترموه، والسُّدي قال تُسَوّدوه وتعظموه، وقالوا: على هذه القِراءة المتواترة، ﴿لِّتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ﴾، التسبيح لله! كيف ذلك؟ قال: هذه الآية جمعت بين ما ينبغي فيه تعظيم الله وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزؤها الأول عائد لرسول الله، ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾، وجُزؤها الثاني: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ عائد لله تعالى، وما القرينة؟ قال: القرينة أنَّه لا يُسبح غير الله، طيب ما معنى التسبيح؟ لَمَّا تقول أنت في ركوعك: "سبحان ربي العظيم"، وتقول في سجودك: "سبحان ربي الأعلى"، ما هو التَّسبيح؟ قال: التَّسبيح هو التَّنزيه عن الشَّريك وعن النقائص، فأنت تقول: "سُبحان الله"، أي أُنَزِّه الله عن أن يكون له شريك، وأُنَزِّهه كذلك عن النَّواقِص وكل الصِّفات السيئة، ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرَّحمن -يقول عليه الصلاة والسلام- سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم))، فالتَّسبيح مِن أعظم الأذكار، ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾، أصيلاً: هو بعد العصر، وقت الأصيل بعد العصر، وبكرة في البكور بعد الفجر.

فإذاً رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله الله شاهداً ومبشراً ونذيراً.

الآية الثالثة في سورة الأنبياء، يقول فيها رب العزة والجلال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [107]، ويقول رب العزة والجلال في سورة الإسراء وسورة الفرقان: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [105/56].

فيتلخص معنا أن فَرَحَنَا بمولد رسول الله هو فَرَحٌ بِرسالته، وبماذا أُرسل وبماذا بُعث؟ بعث:

1- رحمة للعالمين.

2- شاهداً على الأمة.

3- مُبشراً للطائعين.

4- مُنذراً المخالفين.

ويترجح جانب البِشارة على النّذارة، والرجاء على الخوف.

5- وداعياً إلى الله بإذنه.

6- وسِراجاً منيراً، رِسالته سراج مُنير للعالمين.

7- وبَشِّر المؤمنين، بِشارة.

أربعة أحاديث:

الحديث الأول: يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق))، أو ((مكارم الأخلاق))، إذاً بُعث رسول الله بالأخلاق، رِسالته رِسالة أخلاق.

الحديث الثاني: ((بُعثت بالحنيفية السَّمحة))، أي: بُعثت بالتَّوحيد الذي هو الدِّين الصَّحيح، تَوحيد الله وتنزيهه عن الشَّريك، التي كُلها تسامح، ((بُعثت بالحنيفية السَّمحة)).

الحديث الثالث: يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله لم يَبعثني))، اتفقنا أن نَحضر ألفاظ "أرسلناك" و "بُعثت"، لِنَعرف سبب الرِّسالة، لِنَعرف لماذا نحتفل بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ ((إنَّ الله لم يَبعثني مُعنتاً ولا مُتعنتاً))، لا مُشَدِّداً على الناس ولا مُتَشَدِّداً في نفسي، ((وإنما بَعثني هادياً ومُعلماً))، وفي رِواية ((مُيَسِّرَاً ومُعلماً))، إذاً مِن أسباب بِعثته التَّيسير على النَّاس.

يَوم أُحد شُجَّ وَجه النَّبي صلى الله عليه وسلم، ضُرِبَ رَسول الله على وجهه وعلى جبينه، فنزل الدم على وجهه الشريف، وكُسِرَت رَبَاعِيَته أي مُقدم أسنانه، تَكَسَّرت أسنانه، وشُجَّ، والدَّم يَملأ وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، ورَسول الله يمنع الدَّم أن يَنزل إلى الأرض، ويقول: ((والله لو نزلت منه قطرة على الأرض لأنزل الله بهم العذاب))، والحديث صحيح، أي لو نزلت قطرة مِن دمي لأنزل الله بهم العذاب، انظروا يعني يوم أحد يقاتله كفار قريش الذين يَعبدون الأصنام بغير حق ثلاث عشرة سنة في مكة، وأنتم تعلمون ما صَنعوا معه ومع أصحابه، وكيف تركهم وهاجر إلى المدينة، أنتم تعلمون ذلك، ومع كل هذا يَخشى أن تَنزل قطرة دم منه على الأرض، لأنها لو نزلت لأنزل الله بهم العذاب، لأن الرسول يَرجو إسلامهم، يَرجو دخولهم في هذا الدين وهدايتهم، فيأتي سيدنا علي بِوِعاء فيه ماء، وتأتي السَّيدة فاطمة فَتَجعل الثَّوب أو الخرقة تَبُلها بالماء وتمسح وجهه الشريف رضي الله تعالى عنها، فيأتي جمع مِن صحابته يقولون له: يا رسول الله، ادع الله عليهم، كَسروا أسنانك، وشجوا وجهك، انظر ماذا حل بك، انظر ماذا حَلَّ بِنَا، ادع الله عليهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله لم يَبعثني لعاناً، وإنما بَعثني رحمة)).

إذاً بُعِثَ رَحمة، هادياً، مُيسراً، مُبشراً، مُعلماً، سِراجاً مُنيراً، هذا فَرحنا برسول الله، هل تحفظون هذه الآيات؟ هل تحفظون هذه الأحاديث؟ فمن سألكم: لماذا تفرحون بسيد ولد آدم؟ احفظوا هذا الحديث، لأن البَعض يقول: لا تقولوا سيدنا محمد، فكلامه كلام فارغ، يقول عن نفسه: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، فَافرحوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، افرحوا -أيها الإخوة- بهذا الشرع العظيم، واللهِ مَن يَطَّلع على الشَّرائع الوضعية تَخرج مِن قلبه، يَطَّلع على حال الأمم الأخرى يَخرج مِن قلبه، وكأن كل جزء مِن جوارحه يَنطق بهذه الكلمات يقول: "الحمد لله على نعمة الإيمان وعلى نعمة الإسلام، وكفى بهما من نعمة"، كم رَبنا مُفضل علينا أن جعلنا مسلمين مؤمنين! الحمد لله على نعمة الإيمان، وعلى نعمة الإسلام، وكفى بهما من نعمة.

ولكن -أيها الإخوة، أيها الشباب- لن تجسدوا الفرح الحقيقي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تتبعوا هديه، وهذه فُرصة لكل شاب موجود بيننا، ولكل مَن يَستمع إلى هذه الخطبة وإلى هذا الكلام الذي هو كلام الله وكلام رسول الله فُرصة أن يَكون مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بِداية لك لترك المعاصي، يعني ما أجمل أن تَخرج الآن مِن المسجد -أيها الشَّاب الذي تُواظب على معصية من المعاصي، كبيرة كانت أو صغيرة مِن الصغائر- ما أجمل أن تخرج مِن هذا المسجد بعد أن سمعت بماذا بُعث رسول الله، وكم هو رحيم بنا: ﴿بِالـمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: 128]، ما أجمل أن تتخذ مِن هذه الذكرى موعداً للتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، بِداية جديدة، موسماً جديداً مِن حياتك، نُقطة انطلاق جديدة أيها الأخ المؤمن، تُعاهد الله فيها وأنت في يوم الجمعة، في أبرك الأوقات وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى، وفي أعظم الأيام عند الله، أعظم الأيام عند الله حُرمة يوم الجمعة -يقول عليه الصلاة والسلام أو بما معناه- فإذاً في أعظم يوم في أجمل الأوقات أوقات البركة بعد صلاة الجمعة، في ذكرى عظيمة وغالية، الغربيون يتخذون مِن بداية السنة مِن ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام وعلى جميع أنبياء الله ورسله، دائماً عندهم بدايات جديدة، فكل واحد عنده مَشروع عنده تَرتيب عنده كذا يقول لك: خليه للميلاد، نحن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نُريد أن نَتَّبِعَهم، فهم لهم ترتيبهم الخاص، ولكن هل مِن المعقول أن تمر عليك ذِكرى كهذه دون أن تُعاهد الله عز وجل على الاستقامة، ألا يجب أن تَغتنمها وأن تستثمرها بأن تقلع عما أنت عليه، أن نُطيع الله عز وجل وأن لا نعصيه، لأنه المتفضل المتكرم المنعم سبحانه وتعالى.

وشيء آخر أنتم تحسبون -أيها الإخوة- أنَّ حال هذه الأمة سوف يتقدم حال الأمة العربية والإسلامية دون أن نَعود إلى الله ونتوب إلى الله، والله أحلام، إذا كُنتم تحسبون أن هذه الأمة ستكون لها الرِّيادة والسِّيادة في يوم مِن الأيام مع وجود هذه المخالفات الكبيرة والكثيرة الموجودة فيما بين المسلمين، وَهْمٌ وَحُلُم، رُبما نصحو منه متأخرين، ولا ينفع حينئذ الندم، هذه الأمة في أصعب أوقاتها وأتعس أوقاتها تَحتاج إلى عزم وإلى إرادة، من رجالنا وشبابنا ونسائنا وفتياتنا، عَهدٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم على الالتزام.

 

أسأل الله تعالى أن يُلهمني ويُلهمكم كل خير وصواب، إنَّه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، استغفروا الله يغفر لكم،فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1008
تحميل ملفات
فيديو مصور