الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-10-17 الساعة 13:50:23
علامات حسن الخُلُق (مزاح النبي صلى الله عليه وسلم)
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 23 من محرم 1439 هـ - 13 من تشرين الأول 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

كنا نتكلم -أيها الإخوة المؤمنون- ضمن المنهج العام لخطب الجمعة عن الأخلاق وعن مكانة الأخلاق في ديننا الحنيف، ووصلنا في الحديث عن الأخلاق إلى علامات حُسن الخلق مع الخَلْق، فهناك حُسن الخلق مع الله، وهو أن تتلقى أخبار الله سبحانه وتعالى وأخبار رسوله بالتصديق، وأن تتلقى أحكام الله تعالى بالقبول والتنفيذ والتطبيق، ومِن حُسن الخلق مع الله أن تتلقى قضاءه وقدره بالصَّبر والرِّضا والتَّسليم.

وانتقلنا إلى الحديث عن حُسن الخلق مع الخَلْق، وقُلنا: إنَّ لهذا علامات:

أولها: بسط الوجه: أن يكون الإنسان ظاهراً في وجهه البِشر، وأن يكون مبتسماً، وأن يكون لطيفاً وظريفاً، فهذا يدل على أنَّك إنسان حَسَنُ الخلق، وهكذا كان حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وتكلمنا عن صِفَةِ تَبَسُّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّه بالنسبة لنا القدوة الحسنة، وتكلمنا كذلك عن مِزاح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الخطبة الماضية، وفَرَّقنا بين المزاح المحمود والمزاح المذموم، فالمزاح المذموم -وأُلَخِّص- هو ما داوم عليه صاحبه حتى عُرِفَ به، وبذلك -كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه- تَقِلُّ هَيبته ويُستَخَفُّ به، يَذهب احترامه بين الناس، وتَقل هيبته ويَستخف الناس به، فيبادلونه بمواظبته على المزاح دائماً وإفراطه في المزاح يُبادلونه ذلك بمزاح آخر، وربما يَكون من النوع الثقيل، لأنهم استخفوا به وذهبت هيبته ومكانته واحترامه لديهم، فهذا النَّوع مِن المزاح مُحَرَّم، الذي داوم عليه صاحبه.

المزاح الثاني من المزاح المحرم: الذي يحوي في ثناياه الكذب، إذا كنت تمزح وتكذب في مزاحك، فهذا الكذب حرام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الصحابة الكرام -كما رويت لكم في الخطبة المنصرمة-: (يا رسول الله إنَّك تُمازحنا)، يعني كم أنت جميل يا رسول الله، نحن سُعداء جداً، تُمازحنا وتأخذ وتُعطي معنا، نحن مسرورون جداً، (إنَّك تمازحنا)، قال: ((نَعَم، ولا أقول إلا حَقَّاً))، إذاً يحرم الكذب في المزاح.

النوع الثالث مِن المزاح المحرم: هو الذي يُورث في النفوس الحقد والضغينة، بأن تنال مِن إنسان وتقلده في كلامه أو في شكله أو في مشيته، أمام الناس أو فيما بينك وبينه، وأنت تعلم أن هذا يؤذيه، بل هذا يؤذي كل إنسان، وبذلك يَحقد عليك، أن تذكر إنساناً أمام الناس على سبيل المزاح بمعصية اقترفها، واللهُ أمر بالستر، هذا مزاح مُحَرَّم.

إلى غير ذلك من أنواع المزاح التي هي ممنوعة شرعاً، وأما ما عداها فهو شيء مطلوب من الإنسان، كما قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له مَهابة، فكان يبسط الناس بالدُّعابة)، إذاً الأصل فيك أن تكون صاحب شخصية، ومع ذلك تكون لطيفاً وظريفاً ومرحاً.

ونتكلم اليوم -أيها الإخوة- عن نماذج مِن مِزاح النبي صلى الله عليه وسلم، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح؟! سنعرض نماذج عن مِزاحه صلى الله عليه وسلم، لِنَصل إلى هذه النتائج:

أولاً: رسول الله يمزح ولا يقول إلا حقاً.

ثانياً: رسول الله كان يمزح دون أن يُورث هذا المزاح حِقداً وضَغينة لدى الآخرين.

ثالثاً: رسول الله كان محدود المزاح، ما كان يُداوم على المزاح بشكل دائم، حتى يُصبح الإنسان هزلياً بين الناس.

وقد كتب أخ كريم تعليقاً على الخطبة لما سمعها على "اليوتيوب" قال: لماذا يتكلم خَطيب الجمعة عن مزاح النبي صلى الله عليه وسلم، وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بسط الوجه، وعن علامات حسن الخلق مع الخلق، الآن مجتمعنا بحاجة إلى غير ذلك، فنقول: أي شيء نحن بحاجة إليه غير ذلك؟!.

خلاصة الأمر: مهما شَرَّقت وغَرَّبت وأَشْأَمتَ وَأَعرَقت فخلاصة الأمر اتباع لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الأمة لن تفلح لا الآن ولا مستقبلاً إلا إذا نَبذت الفرقة فيما بينها ونبذت عوامل التَّفتيت والتَّشتيت، وهذه الأمة لن تُفلح طالما أنها بعيدة عن التَّعاليم الإلهية والشَّرائع السَّماوية، وهذه الأمة لها عنوان: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ ]الأحزاب: ٢١[، ولو أن المؤمنين والمسلمين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتهم اليَّومية وسلوكهم مع الآخرين وكانوا مُؤمنين حقيقيين لما رأيت هذه الأمة اليوم في ذيلية حضارية، مع أنَّه طُلب منها أن تقود الأمم، لكنها في ذيل الناس اليوم، وترى ما تحل به المصائب في أرجاء هذه الأمة.

وخلاصة الأمر: كل الأمر هو البُعد عن الله، والبعد عن تعاليمه، والبعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأزمة التي حَلَّت بنا هي أزمة أخلاق، ونحن نعاني من هَمٍّ عظيم وهو أنَّك تجد كل الأمم أفضل من العرب والمسلمين، يَحزُّ ذلك في نفوسنا، نُسافر شرقاً وغرباً، وأنتم تُسافرون وترون كيف أن هذه الأمة اليوم في سلوكها اليومي ابتعدت كثيراً عن كلام الله وعن كلام رسول الله وعن التعاليم الإلهية والشرعية، وأصبح الناس المسلمون يقولون عندما يُشاهدون في أسفارهم الأمم الأخرى يقولون: هذه الأمم كأنها هي التي تعمل بتعاليم الإسلام فقط، يَنقصها شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، صِدقاً سمعت هذا الكلام مِن أكثر من شخص، أنهم عندهم الأخلاق والتعامل الصحيح، والمشكلة عند المسلمين وعند المؤمنين، فهذا الأمر إذا لم نُرَكِّز على الأخلاق، إذا لم يُرَكِّز أحدنا على علاقته بزوجته وأولاده وإخوته وأخواته ووالده ووالدته، إذا لم ينطلق كل واحد مِنَّا مِن نفسه في علاقته وصلته بخالقه، وعلاقته مع مَن حوله بأخلاق عظيمة فاضلة، فهذه الأمة ستبقى على ما هي عليه.

نعم، نحن بحاجة إلى منهج نسير عليه، وهذا المنهج إذا اتبعت زيداً وعمراً فإنَّك ستجد أنَّه له وعليه، لكنك إذا اتبعت رسول الله فلن تجد عليه مَلاحظة ولا خطأ، لأنَّه معصوم، وبذلك أنت تتبع القدوة الحقيقية، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح، نَأخذ نماذج من ذلك:

الحديث الأول: أخرج الترمذي في سننه، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله -أي طلب منه أن يحمله على دابة، يعني ليس لديه مركوب، ويريد أن يذهب إلى قبيلته، يذهب إلى عشيرته وقبيلته، ليس لديه مركوب، استحمل النبي صلى الله عليه وسلم، أي طلب منه أن يحمله على ظهر أي على دابة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مُمَازحاً إياه قال: ((إني حاملك على ولد الناقة))، قال له: أعطوه ولد ناقة، ولد ناقة؟! ماذا سيفعل به؟ لا يستطيع أن يركب عليه، وهذا ليس معتاداً على أن يقطع الصحارى والبادية، ولا يتحمل العطش، ولا يتحمل الجوع، ولد الناقة يعني قعود صغير، هكذا ظاهر اللفظ، فرسول الله قال لهم: أعطوه ولد ناقة، فقال هذا الرجل: يا رسول الله، وما أصنع بولد الناقة؟! قال له: أنا أقول لك عندي 2000 كيلو متر أُريد أن أذهب إلى عشيرتي وقبيلتي، ولد ناقة؟! ماذا سيفعل؟! قال: يا رسول الله، وما أصنع بولد الناقة؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ((وهل تَلِدُ الإبل إلا النُّوق))؟! قال له: أنا لم أقل لك ولد ناقة كبير أو صغير، ممكن أن يَكون ولد ناقة لكنه كبير، ((وهل تلد الإبل إلا النوق))؟ يعني سيدنا الرَّسول لن يُعطيه قعود صغير، لكن سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم مازحه ولكنه لم يقل إلا حقاً، قال: ((وهل تلد الإبل إلا النوق))، أعطوه ناقة.

الحديث الثاني: أخرجه الترمذي، عن سيدنا الحسن البصري والطبراني، عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، أن امرأة عجوزاً أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: (يا رسول الله، ادع الله أن يُدخلني الجنة)، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الجنة لا تدخلها عجوز))، فَوَلَّت وهي تبكي، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾))، قال: تَدخل الجنة صبية، إذاً هذا مزاح النبي صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثالث: أخرج كذلك الترمذي في سننه، وابن حبان في صحيحه، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال سيدنا أنس: إن رجلاً من أهل البادية يُقال له: زاهر بن حرام، فزاهر اسم صحابي جليل، وحرام معناه المحرم، يُقال: البلد الحرام أي البلد المحرم، وهذه صفة مدح كبيرة جداً، زاهر بن حرام، أي ابن المحرم، فإذاً هُناك صحابي باسم سيدنا زاهر، فإذا أحد سمى ابنه زاهر يَكون على اسم صحابي جليل، فهذا سيدنا زاهر بن حرام كان يأتي من البادية، وكان يُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية، وكان رسول الله يُحِبُّه ويُبادله الهدية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((زاهر باديتنا ونحن حاضرته))، يعني زاهر سفيرنا في البادية، ونحن سفراؤه في المدينة المنورة، هذه محبة، شهادة عظيمة من رسول الله لهذا الصحابي الجليل، ((زاهر باديتنا ونحن حاضرته))، لكن كان هذا الرجل عنده مشكلة أنه كان دميماً، في دمامة على وجهه، فوجهه بالنسبة لنظرة الناس بَشِع، وكان سيدنا زاهر دميماً، يَروي الترمذي وابن حبان وغيرهما أيضاً أنَّ سيدنا زاهراَ أتى مَرَّة إلى المدينة، فنزل إلى السوق يبيع متاعاً له، كان يأتي بالسمن والأقط ويبيعها في سوق المدينة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم مِن خلفه وهو لا يبصره، جاء سيدنا الرسول مِن ورائه فاحتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاهر لا يعرف من احتضنه، فقال: أرسلني مَن هذا؟! وفي رواية: أنَّه وضع يديه على عينيه، فما عرف سيدنا زاهر مَن هذا الذي يمزح معه، قال: أرسلني، أرسلني، اتركني، دعاء قبل النوم: (اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها -يعني وإن تركتها- فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)، فالإرسال: الترك، قال: أرسلني أي اتركني، مَن هذا؟ مَن أنت؟ فالتفت سيدنا زاهر فعرف أن الذي احتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يَألُ ما ألزم بطنه ببطن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل يعانق الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنادي في السوق، ويقول: مَن يشتري مني هذا العبد؟ فما جاء أحد، أولاً: سيدنا زاهر ليس عبد، لكن هو عبد لله، فكان يمزح رسول الله ولا يقول إلا حقاً، مَن يشتري مني هذا العبد؟ لم يأت أحداً، لأن سيدنا زاهر كان دميم الوجه، هذا يحملنا عندما نشاهد إنساناً ذو احتياجات خاصة، إخواننا لما نشاهد إنساناً وجهه فيه دمامة، لما نشاهد إنساناً بشع، هذا ليس من صنعه، هو لم يخلق نفسه على هذه الشاكلة، يجب أن نلاطفه أكثر من ملاطفتنا للناس العاديين، ويجب أن يشعر أنه مُدلل أكثر من الناس العاديين، إنسان قطعت رجله، إنسان زالت عينه، إنسان بصير يعني لا يرى، إنسان أَصَم، إنسان أبكم، إنسان فيه عاهة خلقية، يجب أن تُدَلِّلَه أكثر من الإنسان العادي، لِيَشعر أنَّه إنسان محترم في المجتمع، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي يحمله على أن يُصَادِقَ هذا الصحابي الجليل سيدنا زاهر وأن يقوم رسول الله بممازحته هذه الممازحة، ما مازح بهذه الطريقة صحابياً غيره، أن يأتي سيدنا الرسول ويُغمض له عينه ويعانقه، ويقول له: أرسلني، ثم يقف في السوق يقول: مَن يشتري مني هذا العبد؟ مَا فعلها رسول الله إلا مع هذا الصحابي الجليل، هذه رسالة لنا -أيها الإخوة- أن نعتني بذوي الاحتياجات الخاصة.

فقال: مَن يشتري مني هذا العبد؟ ما جاء أحد، قال له: يا رسول الله، إذاً تجدني كاسداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكن عند الله لست بكاسد، أنت غال))، أنت غال، وعند الله لست بكاسد، أنت عند الله رابح.

لذلك مِن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى إنسانٌ إنساناً آخر فيه أمر ما في خَلقِهِ أو خُلُقِهِ إذا رأى إنساناً مُبتلى بالمعاصي والكبائر، إذا رأى إنساناً مُبتلى بأمر خَلْقِي في جسده؛ السُّنة أن يقول: (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وفضلنا على كثير من الناس تفضيلاً)، هذا مِزاح النَّبي صلى الله عليه وسلم مع سيدنا زاهر، يأتي يَحتضنه ويضع يديه على عينيه، في رواية: ويقف في السوق ويقول: مَن يَشتري مِنِّي هذا العبد؟ نعم.

الحديث الرابع: أخرج أيضاً أبو داود في سننه، عن سيدنا أُسيد بن حُضير رضي الله تعالى عنه قال: بينما كنت أُحَدِّث القوم، وكان فيهم مِزاحٌ، يُضحكهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حاضراً في ذلك المجلس، قال: فَطَعَنَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود، يبدو ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم أو حكى نُكتة حلوة، فطعنه رسول الله بعود، عودة صغيرة في خاصرته، فقال: يا رسول الله، أصبرني، قال له: أخ، لماذا فعلت هذا يا رسول الله، آلمتني، أصبرني يا رسول الله، أصبرني معناها أعطني القود، قال: مثل ما عملت بي أريد أن أعمل بك، هكذا الشرع وهكذا الدين، قال: أصبرني يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصطبر، قال له: خُذْ، ناوله العود، قال له: افعل بي مثلما فعلت بك، قال: لا يا رسول الله، عليك قميص وليس علي قميص، فَخَلَعَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم قميصه، وقال: اصطبر، يقول سيدنا أُسيد بن حُضير: فاحتضن هذا الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يُقَبِّل كشحه، ويقول: والله إن أردت إلا هذا، قال: والله فعلت كل هذه التَّمثيلية كي أعانقك وأقبل بطنك يا رسول الله، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.

نماذج أُخرى كثيرة -أيها الإخوة- قام فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بممازحة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وممازحة أهل بيته، سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى في أسابيع قادمة.

ولكن هل كانت كل أوقات رسول الله وكل أوقات الصحابة على هذا الشكل، مزح وضحك ولعب؟! لا أيها الإخوة، كان هذا صفة لهم، ولكنهم كانوا عند الجِدِّ هم الرجال، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (إن الرجل ينبغي أن يكون في أهله -يعني عند زوجته- كالطفل، فإذا التمس ما عنده -إذا طلبوه لشيء- فيكون هو الرجل)، يعني يَلعب مع أولاده، يمازحهم، يركبهم على ظهره، يلعب هو معهم، يلعب مع زوجته، يُسابقها، لكن عندما يُطلب للشدائد هذا الإنسان يجب أن يكون رجلاً، فإذا التمس ما عنده كان الرجل.

عند حفر الخندق رسول الله أول واحد يحفر الخندق، عندما تم الاعتداء على المدينة المنورة أرادوا أن يَبنوا المسجد، كان استنفار كامل لبناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، آخى رسول الله بينهم فكانوا هم الرجال، بَذَلوا أموالهم وكل ما يملكون في سبيل المآخاة بين المهاجرين والأنصار، حتى آخى سيدنا رسول الله بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، فقال له سعد بن الربيع: عندي زوجتان، أطلق لك إحداهما فتتزوجها، وعندي حائطان -يعني بستانان- أعطيك واحداً منهما، وأشطر مالي -أقسم مالي- بيني وبينك شطرين، فقال له سيدنا عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك وضيعتك، أنا امرؤ تاجر، دُلَّني على السوق.

هؤلاء رجال رسول الله، يدعوهم إلى بناء المسجد، استنفار كامل، كل الناس أتوا إلى بناء المسجد، إلى حفر الخندق لِرَدِّ الاعتداء، كلهم كانوا جاهزين، صبروا صبراً عظيماً في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة على أذى قريش، حُوصِرُوا ثلاث سنوات في شعب بني هاشم، حتى أكلوا أوراق الشجر ولحاء الشجر، هؤلاء القوم هم الرجال، في أفعالهم، في تصرفاتهم، في سلوكهم، ولكن لا يدعوهم ذلك إلى التَّشدد، كان هذا علامة منهم على أنهم أمة يُريدون أن يبنوا حضارة، يبنوا دولة، هذا الطابع الرئيسي، ولكن مع ذلك مع أنهم أخذوا على عاتقهم الجِدِّية مع ذلك كانوا أناساً لطفاء وظرفاء جداً، كانت البَسمة لا تُفارق مُحيَّاهم، كانوا يُمازحون زوجاتهم وأولادهم، ويتمازحون فيما بينهم، كما ورد في الحديث أن صحابة النبي كانوا يتبادحون بالبطيخ، يرمي بعضهم بعضاً بالبطيخ، مِزاح فيما بينهم، فإذا أَلَـمَّ أمر كانوا هُمُ الرِّجال، هذا اسمه التوازن في الشخصية، لا إنسان مازح بشكل دائم، ولا إنسان جدّي بشكل دائم، يَهرب الناس مِن حوله، هذه أخلاق سَيِّد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأخلاق آل بيته وصحابته مِن بعده، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فنسأل الله تعالى أن يجعلهم لنا قدوة حسنة، وأن يُلهمنا التَّطبيق، إنه سبحانه وتعالى سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 7245
تحميل ملفات
فيديو مصور