الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-10-01 الساعة 11:32:46
من علامات حُسن الخُلُق (بَسْطُ الوجه) /2/
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 9 من محرم 1439 هـ - 29 من أيلول 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي مِن عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فضمن المنهج العام لخطب الجمعة كُنَّا نتحدث -أيها الإخوة المؤمنون- عن موضوع هام جداً وهو موضوع الأخلاق، ولا تنسوا أنَّ حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم جعل الأخلاق جُزءاً من الإيمان، ولذلك قال علماؤنا: الإيمانُ تصديقٌ بالجنان -أي بالقلب- ونطقٌ باللسان وعملٌ بالأركان، بالأركان أي بحواس الإنسان.

فإذاً الأخلاق شيء هام جداً، ولذلك جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أسباب بعثته فقال: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، وتكلمنا عن حُسن الخلق مع الله سبحانه وتعالى، ثم انتقلنا إلى حُسن الخُلُق مع الخَلْق، مع إخواننا، مع أهل بيتنا، مع أصحابنا، آبائنا وأمهاتنا إخواننا وأخواتنا، مع كل الناس الذين نتعامل عنهم، وبذلك يحتاج الإنسان إلى سؤال هام أحياناً: ما هي علاماتُ حُسن الخلق؟ تكلمنا عن شيء مِن العلامة الأولى في الخطبة الماضية، فقلنا: إنَّ العلامة الأولى مِن علامات حُسن الخلق: بسطُ الوجه: أن تكون إنساناً مُبتسماً مع الآخرين، هذا دَلالة على حُسن خلقك، أن تكون إنساناً ليناً هيناً قريباً مِن قلوب الناس، لأن ذلك صِفة المؤمنين، وهناك جَزاء عظيم جِداً لا يَعرفه كثير مِن الناس، هذا الجزاء الوفير والثواب الكبير مِن الله سبحانه وتعالى يتجلى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخبركم بمن يحرم على النار وبمن تحرم النار عليه؟)) قالوا: على مَن يحرم؟ من هو الذي يحرم على النار وتحرم النار عليه؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((تحرم النار على كل هَيِّن لَيِّن قريب سهل))، أرأيت هذا الأجر العظيم مِن الله الجزاء الكبير على بسط الوجه وحُسن الخلق واللطف! الإنسان اللطيف ربي عز وجل يُحبه، والخلق يحبونه أيضاً، ((تحرم النار على كل هين لين قريب سهل))، ويقول صلى الله عليه وسلم في رواية مِن روايات حديث: ((ألا أخبركم بأقربكم مني منازل يوم القيامة؟)) قال: ((الذين يألفون ويُؤلفون))، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف))، يعني الإنسان الغليظ لا الله يُحبه ولا عبد الله يحبه، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، لأن الذي لا يألف ولا يُؤلف ولا يكون إنساناً لطيفاً ظريفاً فهو إنسان مُتشدد، تكلمنا في الخطبة الماضية عن الفرق بين الحزم وبين التَّشدد، وأنَّه شعرة رفيعة ربما تنزل الإنسان في منازل الكبر والكبرياء، يقول رب العزة والجلال: ((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني في شيء منهما قصمته ولا أبالي))، فيجب على الإنسان أن يُراقب نفسه، تقول: أنا والله إنسان ظريف ولطيف، بالعكس أنت ربما تتصرف أحياناً تَصَرُّفاً مع شخص مع رجل تكون عابس الوجه مُقَطِّب الحاجبين، تكلمه بنبرة قوية، فيظن هذا الرجل أنَّك تتكبر عليه، وربما يكون هذا الإنسان مِن ضُعفاء الناس، فيظن أنَّه لمكانتك المالية أنَّك غني، أو لمكانتك المنصبية أنك صاحب منصب، أو لمكانتك الجاهِيَّة بين الناس أن لك جاهاً، يَظنُّ أنَّك تتكبر عليه، لم يفهم سوى ذلك، فيجب على الإنسان أن يُراقب أفعاله، أن يراقب وجهه، أن يراقب تصرفاته، دائماً الإنسان يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسبه الآخرون.

أخرج مسلم في صحيحه، عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه سيدنا أبو هريرة، يقول: ((هَلَكَ المتنطعون)) المتنطعون: المتشددون، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي في صحيح مسلم أيضاً: ((إنَّ هذا الدين يسر))، الدين تعريفه عقائد عبادات معاملات، سيدنا الرَّسول اختصر الثلاثة بكلمة واحدة، اليُّسر بكل شيء، ((ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فيسروا ولا تعسروا))، الرواية الأخرى للحديث: ((إن هذا الدين متين قوي، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا))، وأخرج أحمد في مسنده، عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذا الدين متين)) -أي قوي، تعاليمه كثيرة، أحكامه كثيرة، في عقيدة في عبادات في معاملات، تعليمات كثيرة- يقول: ((فأوغلوا -يعني ادخلوا- فأوغلوا فيه برفق))، ادخلوا فيه برفق، لا تدخل فوراً بصفة هي صفة العصبية، وصفة التشدد، ادخل برفق يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِن هنا نفهم أن الإنسان الذي يُريد أن يدخل في الإسلام حَديثاً يجب أن تُعطى له تعاليم الدين بالتَّدريج، هذا ليس كلامنا، إنه كلام رسول الله يقول: ((أوغلوا فيه -أي ادخلوا في الدين- برفق))، تُعطى له -الإنسان الذي يدخل في الدين جديداً حديثاً- تُعطى له تعاليم الدين برفق، الخمر سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الخبائث، وسيدنا علي رضي الله تعالى عنه عندما سُئل عن حَدِّ شارب الخمر ولم يَكن فيه نَصٌّ قال: (إنَّه إذا سَكِرَ هَذَى) -يعني يتكلم الهذيان، يتكلم الإنسان بما لا يعرف- (وإذا هَذَى افترى) يعني يطعن بأعراض الناس، وحَدُّ المفتري ثمانون جلدة، إذاً حَدُّ شارب الخمر ثمانون جلدة، أم الخبائث، مع ذلك لم تُحرم في الإسلام دفعة واحدة، حُرِّمت على مراحل، هذا شرح لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذا الدين متين، فأوغلوا -يعني ادخلوا- فيه برفق))، ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الذي أخرجه البيهقي في سننه: ((المنبَتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))، نُعيد الحديث: ((المنبَتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))، ما معنى هذا الحديث؟ قال شُرَّاح الحديث: ((المنبَتّ)) هو الإنسان المسافر الذي لا يُريد أن يستريح على الطريق أبداً، يسافرون في زمانهم آلاف الكيلومترات، يقطعونها على الدابة، لا يوجد لا سيارات ولا قطارات ولا طائرات، إما على الإبل أو على الفرس الخيل، هو لا يريد أن يستريح ولا يُريد أن يُريح ناقته أو أن يريح فرسه، فيقول عليه الصلاة والسلام هذا الإنسان سيصل إلى نتيجة أنَّه سيموت فرسه، هذا معنى لا ظهراً أبقى، لأنه يَركب عليه سيموت فرسه أو تموت ناقته، ويبقى مُنقطعاً في الصَّحراء، فيكون لا أرضاً قطع أيضاً، ما قطع أرض الغاية التي ذاهب إليها، لن يَصل إليها المنبت، ((لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))، طيب ما شرح هذا الحديث بشكل إجمالي؟ إذا حفظناه اليوم وطلعنا بهذه الفائدة فهي جميلة جداً من خطبة الجمعة، معناه التشدد، الإنسان المتشدد سوف يَفِرُّ مِن حوله الناس، هذا معنى الحديث: ((المنبَتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))، الإنسان الغَضوب المتشدد، الإنسان العصبي لن يَبقى له صديق، هذه باختصار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين الذي يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، صلوا على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، يقول ابن سعد في الطبقات يَنقل عن سيدنا عكرمة رضي الله تعالى عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه رَجل فرأى في وجهه بِشراً أخذ بيده سيدنا الرسول، ما كان يُحب الناس المقطبين للحاجبين، الإنسان العبوس القمطرير، الإنسان الغضوب المتشدد ما كان سيدنا الرسول يحبه، يلقاه الرجل -يقول سيدنا عكرمة- فإذا رأى رسول الله بوجه -هذا الرجل بشراً رآه- مُبتسماً سُرَّ سيدنا الرسول مِن استقبال هذا الرجل، أخذ بيده يعني أخذ بيده ومشيا وتكلما، يعني سيدنا الرسول يحب الإنسان المبتسم الذي في وجهه بشر.

العلامة الأولى مِن حُسن الخلق: بَسطُ الوجه، فرسول الله يُحِبُّ الإنسان المبتسم الذي يَظهر في وجهه البشر.

الحديث الثاني: أخرجه الترمذي في سننه، عن سيدنا جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه وقال حديث حسن صحيح، يقول سيدنا جابر بن سمرة: جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مئة مرة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر فيما بينهم، سيدنا الرسول جالس ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، يتكلمون عن قصة صارت معهم، يتكلمون بقصصهم من الجاهلية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، ورسول الله ساكت، وربما تبسم معهم إذا كان في قصة جميلة تُضحك، أو تستدعي من الإنسان أن يبتسم، كان رسول الله في القصة الجميلة التي تقتضي بسمة يتبسم مع الصحابة، مع أنهم لا يتكلمون في أمور الآخرة، انتبهوا إخواننا، يتناشدون الشعر، ويتكلمون في أمر من أمور الجاهلية، كان يتبسم معهم صلى الله عليه وسلم.

الحديث الذي رويته لحضراتكم عن سيدنا أبي الدرداء أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن سيدتنا أم الدرداء زوج سيدنا أبي الدرداء تقول: كان أبو الدرداء إذا حَدَّ     ث حديثاً تَبَسَّم، فقلت له: يا أبا الدرداء، لا يَقول الناس عنك إنك أحمق، أنا قلت لكم الخطبة الماضية مجنون، إنَّك أحمق، لا تتبسم كلما تكلمت بحديث، فقال سيدنا أبو الدرداء: (والله ما رأيت وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثاً إلا تبسم صلى الله عليه وسلم)، ما حدث حديثاً إلا تبسم، وما رآه سيدنا أبو الدرداء إلا متبسماً، والسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما تقول: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً تُرى مِنه لهواته)، اللَّهاة الإنسان الذي يضحك ضحكة كبيرة يفتح فمه كثيراً فتظهر لهواته، رسول الله ما كان يَصل في الضَّحك إلى هذه الدرجة، لأن الضَّحك إلى هذه الدرجة مذموم، كما سنرى في الخطبة القادمة إن شاء الله، وإنما تقول وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتبسم، يتبسم ويمازح ويضحك حتى ترى نواجزه، أما أن ترى لهواته يفتح فمه كثيراً، أبداً ما حدث، لكن كان متبسماً، ويُحَدِّث أصحاب كتب الشمائل في أكثر مِن رواية وفي أكثر مِن مصدر حديثي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه كان دائم البشر، دائم البشر دائماً، سيدنا الرسول وجهه مبتسم، وكان إذا طلب طالب منه أمراً أو سأله سائل يقول له: ((أبشر))، وكان رسول الله يُحب مِن الرجل إذا سأله سائل عن مَسألة أن يقول له: ((أبشر)).

إذاً الآن عندنا وظيفة مِن الآن فصاعداً، كل إنسان يَطلب منك طلب وأنت تَستطيعه أن تقول له: أَبْشِر، هذا مِن صفات النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرج الطبراني في الكبير، عن سيدنا الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه قال: سألت خالي هنداً عن صفة ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (كان جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبسم، وكان صلى الله عليه وسلم يفتر أي يُبعد شفتيه عن أسنانه، وكان يَفْتَرُّ -إذا تبسم وإذا ضحك- يَفْتَرُّ عن مِثل حَبِّ الغَمام، حَبُّ الغمام البرد، لما ينزل البرد يكون أبيض، وأسنان النبي صلى الله عليه وسلم كانت بيضاء كالثلج.

أختم هذه الخطبة بهذين الحديثين:

هل كان هذا التَّصرف مع أصدقائه صلى الله عليه وسلم، مع زوجته، مع أولاده، يعني مع بناته، مع أسباطه أولاد بناته فقط، مع أصدقائه المقربين، كسيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، مع أهل المدينة مثلاً الأنصار، مع المهاجرين فقط، ولا مع كل الناس هذا؟ أن يكون حال النبي التبسم، وأن رسول الله كان دائم البشر، كان مع كل الناس، حتى مع الذين لا يحبهم.

حديثان في هذه المسألة:

الحديث الأول: أخرجه الترمذي في الشمائل، عن سيدنا عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أَشَرِّ القوم، حتى أكثر الناس شراً كان رسول الله يقبل عليهم بوجهه وحديثه ويتبسم لهم، يقول سيدنا عمرو: يتألفهم بذلك، يُحاول أن يَدخل إلى قلوبهم، لذلك هؤلاء الناس الذين يتناقشون مع غير المسلمين دائماً مُقطبين الحاجبين ما لهم من الإسلام في شيء، يَتناقشون مع الناس البَعيدين عن الله، إنسان بعيد عن الله، مؤمن لكن بعيد عن الله، لا يصلي ولا يصوم، عنده أموره، عنده مخالفاته، يجلس معهم يعبس بوجههم، طبعاً هذا ليس دلالة إذا الإنسان تبسم معهم أنه يجاريهم في أفعالهم ومخالفاتهم الشرعية، هناك خَيطٌ رَفيع، يجب أن نُتقن التّعامل مع الناس، لا نعبس في وجوههم، ولا نُبين لهم مِن خِلال حديثنا أنهم على صواب، لأن هذا فيه إثم من الله عز وجل، لكن رسول الله -يقول سيدنا عمرو بن العاص- كان يُقبل على أَشَرِّ الناس بحديثه ووجهه يتألفهم بذلك، نريد أن نحببهم بالله ونحببهم بدين الله، حتى البعيدين عن الله، نبتسم لهم ونحاول أن نجرهم لا هم يجروننا، أهل الله لهم علامتان: أولاً: إذا رأَيتَهُم ذكرتَ الله، والله كان مشايخنا كبار مشايخنا الله يرحمهم والله وجوههم مَصابيح يا إخواننا، والله ننظر إلى الواحد مِنهم فنذكر الله عز وجل، إذا رأيتهم ذكرت الله، هذه الصفة الأولى، الصفة الثانية قال: ويحببون الخلق إلى الله، ليسوا غلظاء، يُحببون الخلق يُحَبِّبُونَهم إلى الله، كثيراً يتحدثون عن ربي سبحانه وتعالى وفضل ربي وعظيم فضل ربي، وعن سيدنا الرسول، يُحببون الناس لله ولرسول الله، هذه علامات أهل الله العلماء الأثبات العاملين، حَفِظتُم هذه المقولة؟ أهل الله لهم علامتان: العالم الثابت، أولاً: إذا رأيتهم ذكرت الله، الثانية: يُحَبِّبُون الخلق إلى الله.

يقول سيدنا عمرو بن العاص: كان يقبل رسولُ الله بوجهه وحديثه على أَشَرِّ الناس يتألفهم بذلك، فكان يُقبل بوجهه وحديثه عليَّ -على سيدنا عمرو بن العاص- يتبسم، -ويأخذ ويعطي معه ويُحب سيدنا عمرو، حديث جميل جداً، فيقول سيدنا عمرو بن العاص: حتى ظننت أنني خير القوم وأقرب الناس إلى قلب رسول الله، هو ظَنَّ هكذا، معناه أنا أكثر واحد يحبني سيدنا الرسول، طيب معناها انظر إلى درجة التَّآلف من رسول الله والتَّودد لسيدنا عمرو، حتى ظَنَّ سيدنا عمرو أنَّه أحب الناس إلى رسول الله، وأنَّه خير القوم، فقلت: (يا رسول الله، أنا خير أم أبو بكر؟) هو هكذا ظَنَّ مِن كثرة ما تلاطف معه سيدنا الرسول، فقال: ((أبو بكر))، فقلت: (يا رسول الله، أنا خير أم عمر؟) فقال: ((بل عمر)) فقلت: (يا رسول الله، أنا خير أم عثمان؟) قال: ((بل عثمان))، أحبُّ أبو بكر وأحبُّ عمر وأحبُّ عثمان أكثر منك، وهم أفضل منك، يقول سيدنا عمرو: (فلما سألت رسول الله فصدقني -صدقني في جوابه- فَلَوَددت أني لم أكن سألته).

هذا مع أعدائه صلى الله عليه وسلم مع الذين لا يُحبهم ربما.

الحديث الثاني الذي نختم به هذه الخطبة: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه عرف مَن هذا فقال عليه الصلاة والسلام: ((بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة))، إنسان كان مشهوراً جداً بالسُّوء، ما يخطر ببالك من أعمال سوء في هذه الدنيا عَمِلَهَا، سمعت هذا الكلام السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، تقول: (فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلق في وجهه)، انطلق أي تبسم فانبسط إليه، تطلق في المجلس انطلق، ((ولو أن تلقَ أخاك بوجه طلق))، يعني مُبتسم، تطلق في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل -ذهب هذا الرجل- قالت له السيدة عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت: كذا وكذا، قلت: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، ثم رأيتك تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال: ((يا عائشة، متى عهدتني فَحَّاشَاً؟))، ولو كان هو سيء أنا لا أعامله بالسوء، ((متى عهدتني فحاشاً؟))، ثم انظر إلى هذه القطعة المخيفة مِن الحديث، إذاً حتى مع أعدائه صلى الله عليه وسلم، مع مَن لا يحبهم، كان يتطلق في وجهه، كان ينبسط، كان يبتسم معهم، لكن انظر إلى نهاية الحديث، قال: ((يا عائشة، متى عهدتني فحاشاً؟ يا عائشة، إنَّ شَرَّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة مَن تركه النَّاس اتقاء شَرِّه))، يا لطيف، حديث البخاري ومسلم: ((إنَّ شر الناس عند الله يوم القيامة منزلة من تركه الناس اتقاء شره))، فليحذر الواحد مِنَّا أن يكون مِن هؤلاء الناس، هذا أشر الناس، أكثرهم سوءاً، وهذا الإنسان شَرُّ الناس منزلة يوم القيامة.

والخلاصة: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن التعامل لطيفاً ظريفاً مُنبسط الوجه مبتسم الثغر مع كل الناس، حتى مع الذين لا يحبهم، فهذا يُعطينا إشارة واضحة إلى أن بسط الوجه علامة مِن علامات حسن الخلق.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا مُقتدين متأسين بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1339
تحميل ملفات
فيديو مصور