الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-09-24 الساعة 11:03:44
علامات حسن الخُلق (بَسْطُ الوجه)
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 2 من المحرم 1439 هـ - 22 من أيلول 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، إلهٌ تَفَرَّد بالربوبية لا ضد ولا ند ولا ولد ولا والد ولا زوجة له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي مِن عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فَضِمن المنهج العام لخطب الجمعة كنا نتحدث -أيها الإخوة الكرام- عن مكارم الأخلاق التي جعل حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إتمامها سبباً مِن أسباب بعثته الشريفة، فقال: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))، وفي رواية ((مكارم الأخلاق))، وقلت لحضراتكم: إنَّ علماءنا الأثبات الذين ألفوا في شمائل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما تكلموا عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قَسَّمُوا حسن الخلق إلى قسمين:

القسم الأول: حسن الخلق مع الله، والقسم الثاني: حسن الخلق مع الخلق مع العباد.

فَحُسن الخلق مع الله يتلخص في: تلقي أخبار الله سبحانه وتعالى بالتَّصديق، وتلقي أحكام الله سبحانه وتعالى بالقبول والتنفيذ والتطبيق، وتلقي قضاء الله وقدره بالصبر والرضا عن الله سبحانه وتعالى، وتحدثنا عن هذا الجانب.

وأما حسن الخلق مع الخلق، فقبل أن ننتقل إلى الحديث عن ثمرات حُسن الخلق مع الخلق ومع الله في الدنيا والآخرة، أتحدث مع حضراتكم اليوم عن علامات حُسن الخلق، فعلماؤنا ذكروا -استنباطاً وأخذاً مِن كلام الله سبحانه وتعالى ومن حديث وسلوك وشمائل النبي صلى الله عليه وسلم- أخذوا لِحُسن الخلق علامات، فكل شيء له علامة، فما علامة حُسن الخلق؟ كيف تعرف أنَّ هذا الإنسان إنسان حَسَنُ الخلق؟ يقول سيدنا عبد الله بن المبارك حينما سُئل عن حُسن الخلق -وأنتم تعرفون أنَّ سيدنا عبد الله بن المبارك مِن التابعين، وأنَّه مِن أعلام هذه الأمة الكبار، الذين أخذوا عِلمهم عن صحابة النَّبي صلى الله عليه وسلم- سُئل عن حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف -المال-، وكف الأذى.

إذاً حُسن الخلق له علامات ثلاثة:

العلامة الأولى: بسط الوجه: أن يكون وجهك مبتسماً أمام الناس، أن تلقى النَّاس بالبشر، إذا خاطبك النَّاس لا تُقابلهم بخطابك وأنت مُقَطِّب الحاجبين، حتى إنَّ سيدنا أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه كان دَائم البَسمة، فقالت له زوجته أم الدرداء: يا أبا الدرداء، قَلِّل مِن ابتسامتك، لا يقول الناس عنك إنَّك مجنون، يمشي في الطريق مبتسماً، طيب لا يوجد أحد يجعله يبتسم، فقالت: يا أبا الدرداء، قَلِّل مِن ابتسامتك، لا يقول الناس عنك مجنون، فقال لها: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان دائم البشر، لا تفارق الابتسامة محيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لا تحقرن -وهذا الحديث تحفظونه وهو في صحيح مسلم- لا تحقرنَّ مِن المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق))، وهو القائل صلى الله عليه وسلم -والحديث صحيح تحفظونه-: ((تَبَسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة))، مِن علامات حسن الخلق بسط الوجه، فالذين يتعاملون مع مَن مِثلهم أو أدنى منهم بتقطيب الحاجبين والعبوس بالوجه، نقول لهم: إنَّ هذا لَيس مِن شِيَمِ الأخلاق الفاضلة، ولم يَكن عادة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وسيدنا عبد الله بن المبارك أول شيء ذَكره مِن علامات حُسن الخلق بَسط الوجه، فكن مُبتسماً -وكما يقولون- تبتسم لك الحياة، ويقصدون عندما تتبسم في وجه الناس فإن الناس يرتاحون نفسياً عندما تحدثهم، وبالتالي تجد مَن حولك مُبتسماً، وسبحان الله لقد رأينا كثيراً مِن الناس أنا وأنتم، أحياناً هناك شخص معروف أنَّه إنسان جَدّي زيادة عن اللزوم، هذا الإنسان جَدّي في حياته، ولكن الجِدّية شَيءٌ والعبوس وتقطيب الحاجبين والتعامل بنفرة وقسوة مع الناس شيء آخر، فَهُناك خَيطٌ رَفيق ينبغي أن نُميز فيه بين الإنسان الجدّي والعملي والإنسان الذي يُقطب حَاجبيه ويَعبس بالنَّاس مِن غير لُزوم ولا ضرورة.

الأول: إنسان محمود: أن يأخذ الإنسان نفسه بالجد والعمل، ومع هذا الجد والعمل والحزم أن يكون هناك بسمة لطيفة لكل مَن حولك، الأول إنسان محمود وممدوح بين الناس، الجدي في عمله، الإنسان العملي المبتسم.

الثاني: الذي يقطب حاجبيه ويعبس بالناس هو إنسان مذموم من الناس مذموم من الله ومن رسول الله.

وانظر إلى الإنسان اللطيف تجد مَن حوله لطفاء، لأن الطيور على أشكالها تقع، وانظر إلى الإنسان العبوس القمطرير تجد مَن حوله يعبسون بمن حولهم، تدخل إلى الشركة تجد صاحب الشركة يدخل إليه العامل دائماً فيعبس في وجوه الناس ويصرخ فيهم، تجد كل العاملين لديه دائماً يغضبون من بعضهم، تدخل على شركة عند إنسان لطيف فتجد كل الذين حوله ظُراف ودمهم خفيف روحهم حلوة، سبحان الله.

إذاً عندما تكون مبتسماً من حولك يأخذون هذا الابتسام بناحية إيجابية، ويتعاملون مع الناس بخلق حسن ولطف وظرف.

الأمر الثاني: هناك أشخاص هم ممن يُعدون من الرجال ذوي الخلق الحسن في التعامل مع الناس، لكن سبحان الله إذا كلموا زوجاتهم في البيوت وقالوا لها: ما شاء الله، هَنَّأَك اللهُ بهذا الرجل، ما هذه الأخلاق الظريفة، ما هذه الابتسامة التي لديه، تقول الزوجة: نعم! ما هذه الابتسامة التي لديه، ما هذه النّكت الظريفة التي يَحكيها، تقول لهم: نعم! أنا زوجي يبتسم دائم الابتسامة! أنا زوجي يقول نكت! أنا زوجي لطيف جداً في التعامل! قد تستغرب الزوجة في المنزل، وقد يستغرب الأولاد في المنزل، وهذا كثير، وهذا ما دعا الناس إلى أن يقولوا ذلك المثل العامي: "برات البيت شحرور وجوات البيت دبور"، يعني بأنَّه يُقطب حاجبيه ويعبس داخل منزله، ويتعامل بالأمور بجدية مفرطة تدعوه إلى عدم الابتسام، أو أن يكون ابتسامه قليلاً، أما مع الناس ما شاء الله شيء رائع جداً، هذا كان موجوداً ربما مع بعض الأشخاص، لكن لا ينتبهون إلى أنفسهم، يعني هو لا ينتبه لنفسه أنَّه لطيف خارج البيت وداخل البيت جدي كثيراً، هو ربما ينظر إلى أن هناك أسرة يَجب أن يتحكم بها، يجب أن يعطيها التوجيهات، هو المسؤول عن تربية وتنشئة هذه الأسرة، وبالتالي يجب أن يحملهم على الجدية في كل شيء، ربما هذه وجهة نظره، لكن وجهة النظر هذه لا تنفع، كما تكون مع الناس في أخلاقك الحسنة كن في بيتك.

إذاً هما أمران اثنان:

الأمر الأول: انتبه أن تأخذك الجدية في العمل وضبط الأمور إلى أن تكون إنساناً مُتكبراً على الناس، عبوساً في وجوههم، مقطباً لحاجبيك، احذر.

الأمر الثاني: إياك أن تكون لطيفاً مع الناس وغير لطيف مع أهل بيتك أو مع إخوتك، البعض مع زوجته وأولاده لَطيف لكن مع إخوته أهلاً وسهلاً، ماذا تريد خيراً؟ لماذا تتكلم مع أخيك هكذا؟ قال: عمل معي أعمالاً قبيحة في هذا الزمان، فأنت لا تقابل هذه الإساءة بالإساءة، قابلها بالإحسان.

أبو العتاهية شاعر معروف حكيم يقول:

عامِلِ النَّاسَ برأْيٍ رفيقٍ *** وَالقَ مَنْ تلقى بوجهٍ طليقِ

فإذا أنتَ جميلُ الثَّناءِ *** وإذا أنتَ كثيرُ الصَّديقِ

أصدقاؤك كثر، ويُثني عليك النَّاس.

والإنسان الصادق يتعامل مع الله لا يهمه أن يكون عنده أصدقاء كثر وأن يثني عليه الناس أو لا يثنون عليه.

الإنسان الصادق مِيزانه دائماً في توجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف كان رسول الله يقتدي برسول الله، انطلاقاً من قوله تعالى: )لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة( ]الأحزاب: 21[، ولكن أنت إذا تَتَبَّعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فستجد أن الناس سيحبونك.

نحن الآن استقبلنا بالأمس عاماً هجرياً جديداً، وأنتم تعلمون -أيها الإخوة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث أحبه الناس لخلقه، وكانوا يُلقبونه بالصادق الأمين، وعندما هاجر إلى المدينة المنورة فداه الأوس والخزرج بأرواحهم، فكانت موطنه الثاني، كل ذلك لم يأت بالسِّلاح أبداً، ولم يأت بتقطيب الحاجبين والعبوس، وإنما كان بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجر إذا أردت أن تقتدي برسول الله ((لا هجرة بعد الفتح))، نعم، كيف إذاً يُكتَبُ لي أجرُ الهجرة؟ يُكتب لك أجر الهجرة بأن تهجر ما نهى الله ورسوله عنه، كما ورد في الحديث.

الآن أنت على عتبة باب عام هجري جديد، والمناسبات الإنسان يستثمرها دائماً في أن يُحسن مِن أخلاقه، فيقول: اليوم ثاني يوم مِن السنة الهجرية الجديدة، أنا اليوم إنسان جديد، كيف كان رسول الله سأكون مثل رسول الله، طبعاً ستحاول ولن تستطيع أن تبلغ درجة رسول الله، ولكن تقتدي بأخلاقه الحسنة.

محمد بن حازم الباهلي يقول: وما اكتسب المحامد طالبوها، المحامد كثيرة، ما يحمدك الناس عليه، ولكن أعلاها وأغناها للإنسان.

وما اكتسب المحامد طالبوها *** بمثل البِشر والوجه الطليق

فيا أيها الإخوة، العلامة الأولى من علامات حسن الخلق: البسمة الجميلة على وجهك، اللطف الذي تعامل به الناس مِن حولك، فكن إنساناً لطيفاً مُبتسماً إيجابياً مع مَن حولك، ولا تكن إنساناً سلبياً، لأنَّك حِينئذ تُوَتِّر مَن حولك وتُوَتِّر عائلتك، وتَبُثَّ الفرقة في نفوسها، لأن التقطيب والعبوس هو السَّبيل الأول لِلغَضَب، والغضب لا يأت بخير، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله أوصني، قال: ((لا تغضب))، قال: أوصني، قال: ((لا تغضب))، قال: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فالغضب لا يأت بخير، والعبوس وتقطيب الحاجبين الخطوة الأولى إلى الغضب.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1493
تحميل ملفات
فيديو مصور