السبت 11 شوال 1445 - 20 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-08-25 الساعة 23:30:40
فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 25 من ذي القعدة 1438 هـ - 18 من آب 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَفِيُّه مِن بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي مِن عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شَرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا الله, وعمنا جميعاً بفضلك الكبير.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ لله خَواص للأزمنة والأمكنة والأشخاص، ومن هذه الأمكنة مكة المكرمة والمدينة المنورة، واليمن الميمون والشام المباركة، ((اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا))، ومِن هذه الأزمنة المباركة شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن، ومن هذه الأزمنة المباركة عشر ذي الحجة التي نَستقبلها بعد أيام قليلة، ومن الأزمنة المباركة يوم وقفة عرفة التاسع من ذي الحجة، ومِن الأزمنة المباركة ليلة النصف من شعبان، وهكذا دواليك، ولله عز وجل أن يختص ما شاء، فقد اختص الأنبياء والرسل بالرسالة والنبوة، واختص كذلكم الملائكة بأنهم لا يَعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون, وجعل فيهم سيدنا جبريل الروح الأمين، وجعل فيهم أيضاً إسرافيل، وجعل فيهم ملك الموت، وجعل على الجنة حُرَّاساً كَرِضوان، وجعل على النَّار حُرَّاساً كَمَالك، لله أن يختص ما يشاء من خلقه كلهم، ما يشاء، فإذاً نُصغي إصغاءً -بآذان القلوب وليس بآذان الرأس فقط أيها الإخوة- لهذين الحديثين:

الحديث الأول: الذي أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني بسند حسن، أخرجاه عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((اطلبوا الخير دهركم ودهركم))، مفعول فيه ظرف زمان، أي في كل دهركم اطلبوا الخير، في كل أيامكم، لماذا؟ لأن المؤمن دَائماً يُسارع إلى الخيرات ويسابق إليها، امتثالاً لأمر الله: )وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ( [آل عمران: 133]، )سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْض( [الحديد: 21]، )وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ( [المطففين: 26]، ((بادروا بالأعمال سبعاً))، إلى غير ذلك مِن الألفاظ التي  تحفظونها، وتدل كلها على المسارعة والمسابقة والمبادرة والمنافسة، ((اطلبوا الخير دهركم))، في كل أيامكم اطلبوا الخير، ثم هناك أوقات مُعَيَّنة التمسوا فيها الخير أكثر من غيرها، إذاً نَطلب الخير في كل الأوقات، لكن هُناك أزمنة مباركة فيها نفحات قدسية من الله، نطلب فيها الخير والعمل الصالح أكثر من غيرها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يُصيب بها مَن يشاء مِن عباده، فاسألوا الله أن يَستر عوراتكم وأن يُؤَمِّن رَوعاتكم))، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، إذاً هُناك نفحات نستمع إليها الآن، استمعنا إلى الحديث، نَستمع إلى هذه الكلمة من مشايخنا وعلمائنا بارك الله بهم، ((إن لله في دهركم لنفحات)) هذا حديث الرواية الأخرى عند الطبراني، وأيضاً سندها حسن مِن حديث سيدنا محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله في أيام الدهر نفحاتٍ فتعرضوا لها))، انظر إلى تتمة الحديث كم هي جميلة، يقول صلى الله عليه وسلم: ((فلعل أحدكم أن تُصيبه نفحة فلا يَشقى بعدها أبداً))، إذاً نحن نتلمس الخير دهرنا كله، ولكن هُناك أزمنة مباركة نجتهد فيها أكثر في التماس الخير والبركات والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، من هذه الأزمنة المباركة التي يتوجب على المؤمن أن يتلمس فيه الخير عشرُ ذِي الحجة، ما هي  عشر ذي الحجة؟ هي  الأيام العشرة الأوائل مِن شهر ذي الحجة، هذه الأيام العشر أقسم الله عز وجل بها في محكم التنزيل، وكلكم تقريباً يَحفظ هذه السورة، فقال سبحانه وتعالى: )وَالفَجر( ماذا بعدها؟ )وَلَيَالٍ عَشر(، ذهب سيدنا عبد الله بن عباس ومجاهد ومسروق والضّحاك والسُّدي وغيرهم كثير إلى أن المقصود بالأيام العشر عشر ذي الحجة، هذه الأيام العشرة يُقسم الله بها، ويقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في لطائف المعارف: وهو الحق الذي عليه جمهور المفسرين، أن العشر التي أقسم الله بها هي عشر ذي الحجة، فما هي قصة هذه العشر؟.

أولاً: يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عن سيدنا عبد الله بن عباس، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما مِن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من عشر ذي الحجة))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ لأن هذا عموم، ((ما من أيام)) مِن حرف جر زائد، أيام مجرورة بـ من، موقعها مبتدأ، وهي نكرة، مَا أيامٌ أبداً العمل الصالح فيها أحب إلى الله مِن أيام عشر ذي الحجة، عموم، استغرب الصحابة وقالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ طبعاً عندما نتكلم عن الجهاد نتكلم عن الجهاد الحقيقي، وهو قتالنا للصهيونية العالمية اليهود المغتصبين، ومَن لَفَّ لَفَّهُم مِن أعداء العروبة والإسلام زماناً قديماً وحديثاً وَفِي كُلِّ وَقتٍ، لا أن يقتل المؤمن المؤمن، فاستغرب الصحابة، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه، ثم لم يعد مِن ذلك بشيء))، خرج بنفسه وماله، ثم قُتل ولم يَعد مِن ماله بشيء، هذا الرجل فقط ثوابه أكثر مِن ثواب عملنا في عشر ذي الحجة فقط، وما عدا ذلك هذه الأيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله بإطلاق.

الحديث الثاني: أخرجه الطبراني عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام أعظم عند الله سبحانه وتعالى أعظم -ما في شيء مِن كل الأزمنة عند الله أعظم من هذه الأيام العشرة- ما مِن أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر -عشر ذي الحجة- فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))، إذاً نُكثر مِن ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام، والمسبحة دائماً بأيدينا، نغض أبصارنا، ونحفظ فروجنا، ونحفظ أسماعنا، ونبتهل إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام العشر أكثر من غيرها، وهذا أمرٌ عام دهرنا كله.

أيضاً أخرج البزار وأبو يعلى بسند صحيح، عن سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل أيام الدنيا العشر))، رسول الله يقول: ((أفضل أيام الدنيا العشر)) عشر ذي الحجة، أيضاً وهذا الأمر بالنسبة لنا أمرٌ هام جداً، لماذا؟ لأن كثيراً مِن الناس لا يَعرفون فضل هذه الأيام العشر، كثير مِن النَّاس يَهتمون بشهر رمضان المبارك كثيراً، وهذا أمر جميل ورائع، ولكنَّهم يَنسون عشر ذي الحجة، ينسون أن أيام عشر ذي الحجة أعظم عند الله من رمضان، وانظر ما قاله شراح البخاري ومسلم، كالإمام الطِيبي والإمام النووي وغيرهم في شرح أحاديث عشر ذي الحجة، حيث قالوا: فضلها أكبر من فضل شهر رمضان، ولكن الناس عن هذا غافلون، لا يعرفون فضل هذه الأيام، والبعض يَعرف ولكنه يتكاسل، الآن يجب علينا أن ننفض عن أنفسنا غُبار الكسل.

لا تنسوا -أيها الإخوة- أنَّ هذه الأيام العشر قال ابن عباس وغيره وكذلك مجاهد وقتادة في قول الله سبحانه وتعالى: )وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً( [الأعراف: 142]، لما واعد ربنا سيدنا موسى مِن أجل أن يُعطيه الألواح والتوراة، مثل ما أُنزل القرآن في شهر رمضان واعد الله عز وجل سيدنا موسى مِن أجل أن يأخذ الألواح، أن يُعطيه الوحي، فيكتب سيدنا موسى الألواح، وتكون هذه الألواح هي التوراة، يعني الكتاب المقدس الذي يَعمل به الناس، قال ابن عباس وقال مجاهد وقال غيرهما مِن المفسرين: ثلاثين ليلة هي ذي القعدة أو ذي القَعدة بفتح القاف وسكون العين والعَشر )وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ(، لماذا في آيات أخرى أربعين ليلة؟ لماذا لم تَأتِ هُنا أيضاً أربعين ليلة وانتهينا، قال: للتنصيص على فضل هذه الأيام العشر، )وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ(، قال: هذه العشر هي عشر ذي الحجة.

في هذه الأيام -أيها الإخوة- يوم مبارك عظيم البركة جداً جداً فوق ما تتصور، وهو يوم عرفة، اليوم التاسع من ذي الحجة، وبالنسبة لنا هو يوم الوقفة، هذا صيامه سنة مؤكدة مِن آكد السنن في الصيام، وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، عن سيدنا أبي قتادة رضي الله تعالى عنه، وقد سئل عن صوم يوم عرفة رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحتسب على الله أن يُكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده))، جميل جداً، صوم يوم واحد يُكفر سنتين، ((إن لله في دهركم نفحات))، سنتين بصيام يوم واحد، أحد الفضلاء قال: يَصوم خمس عشرة ساعة فيُغفر له سنتان، فيكون صوم كل دقيقة في هذا اليوم بتكفير ذنب يوم كامل، كل دقيقة صيام تُكفر يوم، قال: فهل هُناك عاقل يترك هذا الفضل من الله؟! يَعني بعبارة أخرى: هذا عرض مُقَدَّم لك مِن الله، هناك شركات تعمل عروض وتنزيلات؟ وهذا عرض من الله، هل هناك عاقل يترك صيام دقيقة امتناع عن الطعام والشراب لدقيقة وفيه مغفرة يوم كامل، ثم يترك صيام يوم وفيه تكفير ذنوب سنتين؟! فلا ينبغي أن نترك الصيام يوم عرفة.

يوم الوقفة إخواننا إن شاء الله كلنا نريد أن نصوم، يقول الإمام الطيبي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ((أحتسب على الله أن يُكفر -بصيام يوم عرفة- السنة التي قبله والسنة التي بعده))، يقول الإمام الطيبي: أحتسب على الله معناها أرجو مِن الله، قال: ولكن عَدَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله أرجو مِن الله إلى قوله أحتسب على الله قال: فـعلى للاستعلاء، وتَدُلُّ على الدَّلال مِن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، يَتَدَلَّل على سيدي الله، أن يا رَبِّ أحتسب عليك، أي أنا أطلب منك، لكن هذا الطلب طلب فيه إلحاح يا الله، فيه إلحاح يا رب، أن تكفر سنتين بصيام هذا اليوم، أحتسب على الله، قال: ومعناها أرجو من الله.

حديث آخر: يقول فيه صلى الله عليه وسلم -والحديث في مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها-: ((ما مِن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو رب العزة والجلال ثم يباهي الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) لأن بعض الناس قالوا: هذا الحديث خاص للحجاج في يوم عرفة، وكم من حاج أراد الحج فلم يستطع، ولكن قلبه معلق هناك، نسأل الله تعالى أن ييسر الأمور لحج بيت الله الحرام على أسهل سبب وأيسره، بمعية حضراتكم قولوا آمين، نحن ومن نحب إن شاء الله، إذاً والبعض من العلماء قال: هذا ليس خاصاً بالحجاج، لأن الله يعتق فيه رقاباً غير الحجاج في يوم عرفة، طبعاً يعتق رقاباً مِن النار، يكون إنسان وجب له دخول النار، لأن بعض الناس يقول: ما معنى يُعتق رقبته من النار، يعني أنه كان مصيره إلى جهنم وجبت له النار بسبب أعماله وذنوبه الكبائر التي فعلها والذنوب التي اقترفها، فمصيره إلى النار، ثم يُعتق من النار، أي أن الله عز وجل يغفر له ذنوبه ويُجيره من النار ويدخله الجنة، ((ما من أيام أكثر من أن يعتق الله فيها رقاباً من النار من يوم عرفة، إن الله يدنو فيباهي ملائكته، ثم يقول: ما أراد هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا رب يسألونك أن تغفر لهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيقول الله عز وجل: اشهدوا أني قد غفرت لهم))، ما هذا الفضل العظيم من الله سبحانه وتعالى؟! ((اشهدوا أني قد غفرت لهم)) تترك هذا الفضل كله بصيام يوم وقيامه.

الحديث الثالث: أخرجه مالك في موطأه، عن سيدنا طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رُؤِيَ الشَّيطان))، رأينا فضل ربي عز وجل ونريد أن نظهر الشماتة بعدونا الأكبر الشيطان، )إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا( [فاطر: 6]، يقول عليه الصلاة والسلام: ((مَا رُؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه من يوم عرفة))، لماذا هو حقير وصغير، ويرى نفسه أحقر وأصغر شيء في يوم عرفة، لماذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذلك إلا لما رَأى مِن تَنَزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب في يوم عرفة))، الله كم نشمت فيه لأنه عدو، وهذه شماتة صحيحة شرعاً.

أختم هذه الخطبة أيها الإخوة بهذين الأثريين:

الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في تهذيب التهذيب ينقل عن سيدنا أبي عثمان النَّهدي رضي الله تعالى عنه يقول: إنَّ سلف هذه الأمة كانوا يُعظمون ثلاث عشرات: كانوا يُعظمون العشر الأخير من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، والعشر الأوائل من شهر محرم.

وأخرج الدارمي عن سيدنا سعيد بن جبير، أنَّه إذا دخل عشر ذي الحجة اجتهد اجتهاداً، حتى ما يَكاد يقدر عليه، يجتهد في العبادة اجتهاداً كبيراً جداً، وكان يقول سعيد بن حبير رضي الله تعالى عنه: ((لا تُطفؤوا سروجكم في العشر من ذي الحجة))، كان يَستغرب إذا مَرَّ على بيت وجد السِّراج فيه مطفئ، ينامون في ليالي العشر؟ يستغرب يقول: ((لا تطفؤوا سروجكم في عشر ذي الحجة)).

والآن ما الذي يتوجب على الإنسان المؤمن في هذه العشر:

أولاً: إذا أردت أن تضحي والأضحية واجبة على من وجبت عليه الزكاة، إذا أردت أن تضحي وأنت مِن أهل الزكاة -وجبت عليك الزكاة هذا العام- تحلق قبل بيوم مِن عشر ذي الحجة، تحلق شعراتك وتقص أظافرك، يُمسك عن قص شعره وقص أظفاره، لأنَّه يُسن للإنسان أن يمسك عن شعره وظفره مِن عشر ذي الحجة إلى ما بَعد ذبح الأضحية، وبعد أن يُضحي يرجع فيحلق مرة ثانية ويقص أظافره، هذه سنَّة وليست فرضاً، ولكن الإنسان أو بعض الناس يتلمس السنن ولا يتلمس فقط، الفرائض الشيء الآخر، نقوم الليل في هذه الأيام العشر، كما قمنا في العشر الأخير من رمضان، نقرأ كل يوم ثلاثة أجزاء بعشرة أيام، نختم ليلة العيد ختمة كاملة، وثلاثة أجزاء في كل يوم، يعني ساعة واحدة فقط، جزء القرآن يأخذ مِنَّا ثلت ساعة قراءة فقط، فقسم في يومك كل يوم ثلث ساعة لثلاثة أجزاء في عشرة أيام ثلاثين جزءاً، تختم ختمة كاملة.

الشيء الثالث والمهم: إذا كُنت ممن يَقدر على الصيام فَصُم هذه الأيام العشرة كلها، إذا كُنت ممن لا يَستطيع الصِّيام أو يَشُقُّ عليك ذلك فَتَحَرَّى صيام يوم عرفة، لما سمعته من كلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأكثروا فيها -يقول عليه الصلاة والسلام-: ((من التهليل والتحميد والتكبير))، إذاً نُكثر مِن ذِكر الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام، وخصوصاً التكبير، كما ورد عن سيدنا عمر وغيره مِن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، نَغض فيه أبصارنا، ونغض فيه أسماعنا عن المحرمات، وهناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وصحح الحديث الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند قال: هذا حديث صحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا اليوم -يوم عرفة يوم الوقفة- مَن ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له))، هذا كلام سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ((مَن حفظ فيه -في يوم عرفة يوم الوقفة- سمعه وبصره ولسانه غفر له))، وإذا كان صائماً تُغفر أيضاً سنتين، فَخُذ البركات والنفحات والفضل من الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المباركة.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا  الألباب، أقول هذا القول واستغفر الله العظيم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 4858
تحميل ملفات
فيديو مصور