الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-07-23 الساعة 13:02:14
كيف نحترز من الشيطان؟ (الجزء الثاني)
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 20 من شوال 1438 هـ - 14 من تموز 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: فما زلنا وإياكم نتحدث عن هذه المنظومة الأخلاقية في ديننا الحنيف:

العلم: فأول كلمة نزلت في ديننا "اقرأ", والرحمة: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107]، والأخلاق: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) أو ((مكارم الأخلاق))، اليسر: ((إن هذا الدين يسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه))، السماحة والفطرة السليمة: ((بُعثت بالحنيفية السمحة)).

ومن خلال ذلك تطرقنا إلى الحديث عن الشَّيطان الذي يَعتقد البعض مِن شبابنا أنَّه أسطورة ولا وجود لشيء اسمه الشيطان، وبذلك يكون قد خالف نَصَّ القرآن الذي حدثنا أنَّ الشيطان موجود، وأنه أبى السُّجود لأبينا آدم عليه السلام، وأنَّه أشد النَّاس أعداء نحن البشر، )إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا( [فاطر: 6]، ولأننا قصرنا جِدَّاً في فَهم المعطيات التي تحرفنا عن مسار الأخلاق المعطيات التي تحرفنا عن طاعة الله عز وجل والالتزام بأوامره ونواهيه... فإذا التزم الإنسان بأمر الله سَعِدَ في الدنيا والآخرة، وإذا خالف أمر خالقه شَقِيَ في الدنيا والآخرة، يقول رب العزة والجلال: )وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكَاً -أي: تَعِيسة- وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيرًا * قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى﴾ [طه: 124-126]، وفي المقابل يقول رب العزة والجلال في سورة النحل: )مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً( [97]، هناك: "معيشة ضنكاً"، هنا: "حياة طيبة" هذا في الدنيا، وتتمة الآية: )وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ( [97].

والخلاصة أيها الإخوة: أنَّنا تحدثنا عن الشيطان، وكيف أنَّ له طرقه الخاصة ووسوسته الخاصة في أن يَحرفك عن جادة الصواب، لا شك أنَّ العقيدة لها أثرها الكبير، وأنَّ التَّنشئة التربوية التعليمية لها أثر كبير، وأن تعليم وتربية الأسرة أيضاً لها ذلك الفضل العظيم في الالتزام عند الإنسان والفرد في المجتمع، ولكن الشَّيطان مَوجود، والشيطان بارع جداً في أن يُلَبِّسَ عليك أمر طاعتك لربك، وأن ينزلك في جحيم المخالفات الشرعية، فلذلك ينبغي الحذر منه ابتداء من العقيدة، وقد رويت لحضراتكم حديث البخاري في الأسبوع الماضي، وهو أنَّ الشيطان يأتي إلى الإنسان فيقول له: مَن خلق كذا؟ مَن خلق كذا؟ إلى أن يقول له: مَن خلق ربك؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ((فإذا بلغ المؤمن ذلك -وصل إلى هذه الدرجة- فليستعذ بالله من الشيطان ولينتهِ))، أي لينته عن التفكير، يقف ها هنا، لا يفكر، ثم في الصلاة فيُلبس عليه صلاته، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((فلا يَدري كم ركعة صلى، ويقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لمَ لمْ يكن يذكره)).

نعم, والرَّسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي أخرجه مسلم، عن سيدنا جابر، يقول عليه الصلاة والسلام: ((يبعث الشيطان سراياه))، عنده سرايا وجيوش، وهذا لَيس وهماً، والبعض ينتقدنا في أنَّنا نَتكلم في أشياء تُشبهُ الأساطير، ولكن عندما يقولون عن مسألة الشيطان إنها أسطورة، فإنه يُخشى على عقيدتهم، لأنه بنص القرآن الكريم، وهذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كلكم يَحفظ قوله تعالى: )فَبِما أَغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المُستَقيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ( [الأعراف: 16-17]، ويقول عليه الصلاة والسلام الآن في هذا الحديث: ((يبعث الشيطان سراياه -عنده جيوش وسرايا- فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة))، لأنه لا ييأس، يأتي فيحرضه على الذنب، وهو كبيرة من الكبائر، فينتهي هذا الإنسان المؤمن ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيقنعه بالذنب الأصغر والمخالفة الشرعية الأصغر، ثم الأصغر، لا يتركه حتى يَرتكب مخالفة.

وقلنا: أين الحل في أن يَعصم الإنسان نفسه مِن الشيطان؟ أين الحل في أن يُحرز ذاته وكيانه مِن هذا العدو المتربص به ليلاً ونهاراً، عن يمينه وشماله ومن أمامه ومن خلفه؟.

الحل عند حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، الحل في حديث مسلم، عن سيدنا جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله -هنا الحل- فذكر الله عند دخوله وعند طعامه -انتبهوا يا إخواننا، عندما ندخل إلى بيوتنا- إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مَبيت لكم ولا عشاء))، فَذَكر الله، ((وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا دخل -طبعاً بيته- فلم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء))، هي أجسام لا نراها ولا يَعني ذلك أنها غير موجودة، فَرَبُّ العزة والجلال خَالقنا لا نراه، وهو أعظم، وهو العظيم القدير سبحانه وتعالى لا نراه، الكهرباء في السِّلك لا تراها وهي موجودة، كثير مِن الأشياء لا نراها ونؤمن بها، فإذاً ((أدركتم المبيت والعشاء))، الحل هو ذِكر الله.

أخرج الترمذي عن سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه -خادم النبي صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال إذا خرج من بيته)) قبل قليل إذا دخل إلى بيته، الآن إذا خرج من بيته، ((مَن قال إذا خرج مِن بيته: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال له -من قِبَلِ رب العزة والجلال على لسان الملائكة- يُقال له: كُفيت ووُقيت وتنحى عنه الشيطان))، ((كفيت ووقيت))، أي كفاك اللهُ الشَّر، وَوَقَاك الله الشَّر، فأنت في أمان الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام: ((وتَنَحَّى عنه الشيطان))، كثير مِن الناس يَدخلون بيوتهم لا يَذكرون الله ويَخرجون مِن بيوتهم ولا يَذكرون الله، لذلك ترى الشيطان قريناً لهم في حياتهم اليومية، والدعاء بَسيط، وهذا ليس كلامي، إنَّه كلام سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.

أخرج البخاري، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما -حبر هذه الأمة- يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما إنَّ أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله، اللهم جَنِّبنَا الشيطان، وجَنِّبِ الشَّيطان ما رزقتنا، فَرُزِقَا ولداً لم يَضره))، أي لم يضره الشيطان، ذِكرٌ بَسيط، دُعاءٌ بسيط.

الحل: ما فلسفة هذا الموضوع؟ فَلسفة هذا الموضوع أن تبقى ذاكراً لله عز وجل، )وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ -قال ربنا- وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ( [آل عمران: 135]، ذَكَرُوا الله.

أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قَد كَثُرَت عَلَيَّ، فَدُلَّنِي على عمل أتمسك به، قال له: أنا لا أستوعب كثيراً، كَثُرَة التعليمات، أُريد طَريقة بسيطة أتمسك فيها، قال: ((لا يَزال لسانك رَطباً مِن ذكر الله))، والفكرة تَكمن أنَّ في هذا الوجود القُرآن يَذكر جانبين اثنين:

الجانب الأول: قال: )أُولَـئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ]المجادلة: 22[، )أُولَـئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ –الآية الثانية- أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ( ]المجادلة: 19[، فإذاً أمامنا طريقان: إما أن نكون مع الله، أو أن نكون مع الشيطان، إذا كنتَ مع الله فذكرت الله كفاك الله شَرَّ الشيطان، وإذا كُنت مع الشيطان، فهذا اختيارك، يجب أن لا يفتر لساننا عن ذكر الله سبحانه وتعالى، فهو طريقنا لتزكية النفس وتحسين السُّلوك، وصلتنا بالله وتعاملنا مع بعضنا البعض.

أخرج مسلم في صحيحه، عن سيدنا جابر بن عبد الله أيضاً قال: قال أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يا رسول الله، -حَلَمت، والفعل حلم يحلم، مِن باب نصر ينصر، قال: حَلِمت يا رسول الله أن رأسي قُطع، فأنا أتبعه، يقول سيدنا جابر راوي الحديث، فَزَجَرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا تخبر بِلَعِبِ الشيطان بك في المنام، حتى في المنام يأتيك، وتعرفون أن السُّنة إذا رأى الإنسان حُلماً يُزعجه يتفل عن يساره ثلاثاً، وأن يَستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وألا يُخبر بهذا الحلم الذي رآه أحداً، يقول عليه الصلاة والسلام: ((فإنه لا يضره)) لا تخبر به أحداً.

أخرج كذلكم الترمذي، عن سيدنا جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد يَئِسَ أن يَعبده المصلون، ولكن في التَّحريش فيما بينهم)) في حياتك اليومية، حتى وأنت نائم يأتيك الشيطان، طيب دخلنا إلى المسجد إلى بيت الله، نُريد أن نصلي، الآن يَئس أن يَعبده المصلون، ولكن في التَّحريش فيما بينهم لم ييئس، يَدخل، لماذا وضعت الكرسي ها هنا؟ أَبعِد الكرسي، لماذا جلست في مكاني، هذا مكاني، أنا خلف الإمام، لماذا طَوَّلت الصلاة، قَصَّر الصلاة، لماذا؟ لماذا؟ وهكذا، إذاً فليعلم المصلون أن ما يَحصل بينهم هو مِن تحريش الشيطان، حتى عند المصلين في المسجد.

أخرج مسلم في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التثاؤب مِن الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) يحاول أن لا يظهرها قدر المستطاع، فليكظم ما استطاع، لأن التَّثاؤب -كما ورد في الحديث الصحيح- مِن الشيطان، والعطاس مِن الرحمن، وفي رواية في صحيح مسلم: ((فليمسك بيده على فيه))، إذا تثاءب لا يترك فمه مفتوحاً، فليمسك بيده على فيه، وهذا مِن الآداب العامة أمام الناس أيضاً عندما يتثاءب الإنسان، انظر إلى الإتيكيت الشرعي، الإتيكيت الاجتماعي عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، انظر لهذا الجمال، فليُمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل إذا تثاءب الإنسان ولم يُمسك يده على فيه، فإن الشيطان يدخل.

أحاديث كثيرة أيها الإخوة، أخرج مسلم في صحيحه، عن سليمان بن صرد رضي الله تعالى عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم, واحد منهما سَبَّ الآخر، وهذا ما يحصل في شوارعنا وفي طرقاتنا، فيما بين الناس، في وظائفهم، في عملهم، وللأسف أصبح يَحدث داخل الأسرة، يتساب الناس فيما بينهم، وهذا لَيس مِن الآداب الاجتماعية والأخلاقية، وليس من الطاعات الدينية لله سبحانه وتعالى، لكن الشيطان شاطر، استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، والأوداج هِي عُروق الدَّم الموجودة في الرَّقبة، انتفخت رقبته وتنتفخ أوداجه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف كلمة لو قالها لَذهب عنه الذي يجد -كان ذهب عنه كل هذا الشيء، وذهب الغضب كله- إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، قال له: تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما ورد في الحديث: ((إنَّ الشَّيطان يَجري من ابن آدم مجرى الدَّم))، كما سنرى بعد قليل، فقال له هذا الرجل تَكبراً وتعنتاً، الذي انتفخت أوداجه واحمر وجهه، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وهل ترى بي مِن جنون، وانصرف هذا الرجل، رسول الله يُعلمه وهو لا يريد أن يتعلم، ((إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد))، لذلك إخواننا السُّنة عندما الإنسان يغضب قبل كل شيء يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ركعتين، قال: فتهدأ نفسه، تهدأ نفسه، لأن القرار أي قرار في حالة الغضب هو خاطئ قولاً واحداً، كم مِن قرارات اتخذتها وأنت غاضب، ثم بعد ذلك تراجعت عنها، سؤال كم مِن قرارات اتخذتها وأنت في لحظة غضب، اتخذت هذه القرارات فكانت بداية نَكسة في حياتك، كَمَنْ طَلَّق زوجته، ثم يذهب ويسأل الناس عن فتوى لترجع إليه زوجته، لماذا تُوصل نفسك إلى هذا الدرب الخاطئ، ويقول سيدنا علي كرم الله وجهه: لا تَقل قولاً تُريد أن تعتذر منه، تَغضب فتتكلم بكلام غير صحيح، ثم بعد ذلك تأتي إلى مَن غضبت عليه تقول: أرجوك سامحني، أرجوك اعذرني، لماذا؟ يقول سيدنا علي: لا تقول قولاً تُريد أن تعتذر منه، بالأصل يجب ألا تقول هذا الكلام الخاطئ، فهذا الرجل أبى النَّصيحة مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهل ترى بي مِن جنون، فالسؤال: أنت عندما ينزل عليك الغضب هل ستكون مثل هذا الرجل الذي قال لرسول الله: وهل ترى بي من جنون، أم ستأخذ بوصية رسول الله ونصيحته، ستتعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟! يقول رب العزة والجلال في القرآن الكريم: )وَإِمّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللَّـهِ إِنَّهُ سَميعٌ عَليمٌ ([الأعراف: 200]، يُعيذك الله تعالى مِن شره الشيطان، عنده أساليب كثيرة، مِن خلال هذه الأساليب يُريد أن يُحَرِّش بين الناس، ويريد أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء.

الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري الذي رواه سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: لا يُشير أحدكم على أخيه بالسِّلاح، وهذا نفي في معنى النهي، "لا يُشير" أي لا تشر، ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة مِن النار)).

نحن مِن زمان أهلنا إذا جاء شخص يُريد أن يلعب بالسلاح يقولوا له: لا تلعب فيه، أنَّ السلاح أياً كان لا تَلعب بالسلاح، لماذا؟ تقول له جدته: بدكه إبليس، هذه أخذوها مِن هذا الحديث، يعني هذه مِن التقاليد، والكلام الذي يقوله كبار الناس مِن أهل الشام موجود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، يَقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده))، يلعب بالسلاح يُهدده به أو يمزح، قال: ((فيقع في حفرة من النار)). وقبل أيام سمعتم الحادثة المروعة لهذا الشاب الذي عمره ستة عشر عاماً يَلعب بالسلاح هو وصديقه، فخرجت طلقة منه فمات، كل هذا مِن عمل الشيطان، لِيُحَرِّش بيننا، لِيُوغر بيننا، لِيُوغر صدورنا، فيجب أن نكون حذرين جداً منه.

وأعود فأقول: الحل في قول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث الترمذي، عن الحارث الأشعري، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يُحرز العبد نفسه مِن الشيطان إلا بذكر الله)).

الحل في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، يقول: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))، تشعر أن في بيتك إيذاء؟ تشعر أن في بيتك مشكلة نفسية؟ توضأ وصل ركعتين ثم اقرأ سورة البقرة في بيتك، وإذا تسنى لك أن تقرأها في كل غرفة مِن غرف المنزل فهو أفضل، كل غرفة مِن غرف المنزل.

الحل عند النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة -يقرأ القرآن، مَرَّت آية فيها سجدة- إذا قرأ ابن آدم السَّجدة فسجد لله لما قرأ السجدة، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت السُّجود فأبيت فلي النار)) هكذا يقول الشيطان، بكثرة السجود لله عز وجل إذا التصقت جبهتك بالأرض، ليس للشيطان عليك سبيل.

رحم الله الشيخ الشعراوي، لما فَسَّر قوله تعالى: )ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ( [الأعراف: 17]، قال: الجِهات ستة، وليست أربعة، يأتي يمين وشمال وأمام وخلف، بقي فوق وتحت، فالجهات الستة، لماذا لم يقل إبليس ومِن فوقهم ومن تحتهم، قال: هاتان الجهتان لا علاقة للشيطان بهما، الله يرحم الشيخ الشعراوي، قال: فإذا تذلل العبد لله فوضع جبهته على الأرض، ثم هذا العبد أَحَسَّ بذل العبودية والخضوع لله عز وجل بسجوده على الأرض، جاءته الرِّعاية الإلهية مِن فوق، المقصود جهة العلو طبعاً، فإذاً تذلل لله، ثم إعانة مِن الله فلا يكون للشيطان عليك سبيل.

طيب أحياناً أنا أكون أقرأ القرآن فتمر آية السجدة، وأنا لست متوضأ، ماذا أفعل؟ هناك حَلَّان: حَلٌّ في المذهب الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه في قول: لا يُشترط الوضوء لسجدة التلاوة، فتسجد مُؤقتاً ريثما تتوضأ، وتسجد سجدة التلاوة مرة ثانية، وقال علماؤنا: يقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) مُؤقتاً، ثم يتوضأ ويسجد، فهي إذاً سجدة التلاوة واجب، فيجب أن نسجدها، وانظر إلى فَرَحِنَا بهذه السجدة، وإلى غضب إبليس مِن هذه السجدة.

الحل: وهو الذي نَختم به هذه الخطبة، الحل في صحيح مسلم، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مَن قال هذا في كل يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب -إعتاق عشر رقاب- وكتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، -هُنا الشَّاهد أيضاً- وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك، إذا صلى الإنسانُ الفجر وقال مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخرها، كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك.

أحد الإخوة الكرام قال: والله أنا سبحان الله حاولت كثيراً وما استطعت أن أكملهم على المائة، كل ما أبدأ تأتيني أمور صوارف تصرفني عن تتمتها، قُلت: هذه صوارف شيطانية، وهذا ليس بِشارة خير، يعني الذين لا يُواظبون عقب كل صلاة على سبحان الله 33، الحمد لله 33، الله أكبر 33، ويختمون المأئة بـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الذي لا يواظب على لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة في اليوم، الذي لا يُواظب على الأدعية وعلى الأذكار، يجب أن يَبحث عن السبب والخلل، لأن هذا حرمان، باختصار هذا حرمان مِن الله سبحانه وتعالى، ولو وفقك الله عز وجل لفعلت، يجب أن تبحث: ما العمل الذي تعمله حتى ربي عز وجل يحرمك مِن أن تكون ذاكراً لله وأن تواظب على هذه الأذكار؟ علينا نبحث عن الخلل، لعل هذا الإنسان يَأكل حراماً، لعله لا يُتقن عمله، لعله عاق لوالديه، لعل معاملته مع زوجته سيئة، لعله لا يُربي أبناءه التربية الصالحة المجتمعية التي تخدم هذا المجتمع وتخدم الناس وتخدم الأمة وتخدم المؤمنين، لعل هذا الإنسان يَرتكب كبيرة مِن الكبار، لعل، لعل، لعل، ابحث، ولكن لا تَكن مع المحرومين، لا تكن مع المحرومين، ((وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك)) إذا قال مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلى آخر الصيغة، حتى يمسي، من الصبح إلى المساء حرز من الشيطان، صار معك ورقة تأمين، قال: ((ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أفضل من ذلك)).

وأختم الخطبة -أيها الإخوة- بهذه الفكرة الهامة: فِكرة هامة جداً جداً، الله عز وجل طَلب مِن المؤمنين أن يَذكروا الله ذكراً كثيراً، وقال عن المنافقين وأنتم تحفظون الآيات: )وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا(، )إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ -مظاهر فقط، قال وختام الآية- وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا( [النساء: 142]، فنحن لا نُريد أن نَكون مِن المنافقين الذين يذكرون الله إلا قليلاً، نُريد أن نكون من المؤمنين الذين جاء لهم النِّداء، نداء المؤمنين في القرآن الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ([الأحزاب: 41-43].

أحد الدُّعاة الكبار قال فكرةً رائعة جداً جداً، وأنا حفظتها منه منذ ذلك الوقت، قال: الله يُصلي على مَن في القرآن؟ والصلاة مِن الله على عباده الرحمة، على مَن يُصلي الله؟ فلما تتبعنا القرآن وجدنا أن الله يُصلي، )إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ([الأحزاب: 56]، فربنا يُصلي على النَّبي صلى الله عليه وسلم، هذه مَيِزَّة لِسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ميزة عظيمة جداً، )إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ(، قال: انظر إلى المؤمن الذاكر لله، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * -قال- هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ( [الأحزاب: 41-43]، قال: فالتحق الذَّاكر لله كثيراً التحق بركب الأنبياء، ليس في المكانة وليس في المنزلة وليس في التشريع، لا، قال: التحق بركبهم في أنَّ الله عز وجل يَذكرهم، وأن ملائكته تذكرهم، كم هي ميزة عظيمة يا إخواننا، فربنا في القرآن يُصلي على نوعين مِن البشر:

النوع الأول: النبي صلى الله عليه وسلم: )إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ(.

والنوع الثاني: المؤمنين الذين يذكرون الله كثيراً: )هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم, استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 2003
تحميل ملفات
فيديو مصور