الأربعاء 15 شوال 1445 - 24 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-06-06 الساعة 10:11:50
رِفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 24 من رجب 1438 هـ - 21 من نيسان 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: ما زلنا مع حضراتكم نتكلم عن الدعائم والركائز التي بني عليها هذا الدين العظيم وهذا التشريع الإسلامي، فإنَّه مبني على ركائز هامة وأسس عظيمة جداً، وأول هذه الركائز والأسس: العلم: فأول كلمة نزلت في ديننا )اقرأ(. والثانية: الرحمة: فهي عنوان هذا الدين وعنوان رسول هذا الدين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107], ((إنما أنا رحمة مهداة)). والركيزة الثالثة هي: الأخلاق: ) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ([القلم: 4], ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) أو ((مكارم الأخلاق)). والركيزة الرابعة هي: اليسر في تعاليم هذا الدين: )يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ( [البقرة: 185]، ((إن هذا الدين يسر)), ((إن خير دينكم أيسره)). والأخيرة هي: الفطرة السليمة والسماحة: ((بُعثت بالحنيفية السمحة)). وهناك ركائز ودعائم أخرى، ولكن هذه أهمها.

وبدأنا بالحديث عن اليسر في الدين، ثم وقفنا عند الحديث عن الرفق، وقفنا عند قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله))، عند قوله صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة: ((يا عائشة، ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزغ الرفق من شيء إلا شانه))، أي جعله أمراً مَشيناً معيباً، أمراً ممجوجاً عند الناس لا تحبه، وعَرَّف أصحاب كتب الشمائل عندما تكلموا عن الرِّفق، عن رفق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، عَرَّفوا الرِّفق بأنه: الأخذ بالأيسر مع لين الجانب، أن يكون الإنسان لَطيفاً ظريفاً ليناً في تعامله مع الناس، ودائماً لا يُعسر على الآخرين، وإنما يُيَسِّرُ لهم.

ووقفنا عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث الهام الذي تطرقنا فيه للحديث عن الأسرة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم -والحديث أخرجه أحمد في مسنده عن السيدة عائشة-: ((إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق))، فَتَجِدُ المنزل: الأب لطيف، الأم لطيفة، الأولاد عندهم لُطف، عندهم رفق، عندهم يُسر، عندهم سهولة في التعامل، ليس عند واحد منهم غلظة في التعامل مع باقي أفراد الأسرة، ونتكلم عن الأسرة الصغيرة كما نتحدث عن الأسرة الكبيرة، مع إخوتك، مع والدك وأمك، مع أرحامك، مع محيطك، إلى آخر ذلك.

أحاديثُ كثيرة تُرَكِّزُ على الرفق، أن يكون الإنسان المؤمن رحيماً رفيقاً هيناً سهلاً ليناً، وقلت: إن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أتانا بحديث عظيم، هذا الحديث في سنن الترمذي، وهو حديث عظيم جداً جداً، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخبركم بمن يَحرم على النار، وبمن تحرم النار عليه))؟ هل هناك أَحدٌ مُحَرَّمٌ دخولهم على النار؟ طبعاً، هناك أناس يَحرم دخولهم على النار، ربي حَرَّم دخولهم على النار، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم النار عليه))؟ بلى أخبرنا يا سيدي يا رسول الله، قال: ((تَحرم النار على كل قريب هين سهل))، كل قريب: إذا حدثته وجدته قريباً إلى قلبك ووجدك قريباً إلى قلبه، إذا أردت أن تصل إليه تَصل إليه بسهولة، إذا أردت أن تُحادثه حادثته فوجدت منه لطفاً وظرفاً، يعني ظريف، ظرف الشيء يَظرف ظرفاً فهو مصدر، لُطفاً وجدت منه لطفاً، وظرفاً وجدت منه يسراً وسهولة في تعامله، كما قال صلى الله عليه وسلم ((المؤمن سمح إذا باع، سمح إذا اشترى))، يتسامح مع الناس، هذا الإنسان لأنه لطيف ظريف، لين سهل ميسر، قال: ربي عز وجل ينظر إليه، هذا واحد مِن عبيدي، هذا واحد من خلقي، يُيسر على الناس، يلطف بالناس، يتلطف مع الناس، قريب من الناس، والله لَأُحَرِّمن عليه النار، فكل هذه الصفات التي نتكلم عنها هي مأخوذة من ذي العزة والجلال سبحانه وتعالى، ((إن الله رفيق يحب الرفق))، أما حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو الإمام والقدوة والأسوة في ذلك، دعوني أختصر وأتكلم عن رفق النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين الذين هم ليسوا من أتباع دين مِن الديانات السماوية، ولا شريعة من الشرائع السماوية، يُؤمنون بوجود الله، يَعبدون الأصنام التي لا تَضر ولا تنفع، يَئِدون البنات وهن على قيد الحياة خشية العار، يقتلون أولادهم خشية الفقر، وكل هذا جاء القرآن ناطقاً به، وأنتم تقرؤونه في كتاب الله، هؤلاء المشركون كان النبي صلى الله عليه وسلم وهم ليسوا على دينه كان مِن أرق الناس بهم.

أخرج الإمام أحمد في مسنده، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يَجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن بك، -الذي ذهب إلى الحج والعمرة إن شاء الله ربي يكرمنا وإياه بالعودة قولوا آمين والذي لم يذهب بعد إن شاء الله ربي يكرمنا وإياكم- ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن بك يا محمد، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: ((أوتفعلون))؟ قالوا: نعم، قال: فدعا ربه عز وجل أن يجعل جبل الصفا ذهباً، يقول سيدنا ابن عباس: فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: (يا محمد، إن ربك يُقرؤك السلام، ويقول: إن شِئت أصبح الصفا لهم ذهباً، -ربنا عز وجل الأوامر عنده كن فيكون، حتى قال أهل الله: إذا أراد الله شيئاً كان لا داعي لكلمة كن، ولكن كلمة كن تقريبٌ لعقولنا، كيف يعني؟ إذا أراد الله شيئاً كان، يُمكن ألا نفهمها، يقول: كن فيكون للتقريب، أما إذا أراد الله شيئاً كان- نعم، إذا شئت يا محمد جعل الله لهم الصفا ذهباً، لكن فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. وفي رواية الرواية الأخرى عند الحاكم في مستدركه، وعند النسائي: فإن كفروا أهلك كما أهلك من قبلهم، أي عاد وثمود وفرعون، نعم، وإن شئت -هذا كلام سيدنا جبريل عن رب العزة والجلال- وإن شئت فتحتُ لهم باب التوبة والرحمة)، -وفي رواية النسائي والحاكم- قال عليه الصلاة والسلام: (بل أستأني بهم)، من الأناة، الأناة هي الرفق، هي اللين، هي طلب المهلة لهم، (لعلهم يُؤمنون)، بل أستأني بهم. وعند أحمد قال: (يا رب بل باب التوبة والرحمة).

يأتي إنسان يقول: أين الرفق في هذا الحديث؟ الرفق أن رَسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنهم مُشركون يعبدون الأصنام خَافَ أن يَكفر واحد منهم، وأن ينزل البلاء على أهل قريش وعلى المشركين، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان رحيماً بغير المسلمين ورفيقاً بهم، قال: بل باب التوبة والرحمة، أي أريد باب التوبة والرحمة.

الحديث الثاني: أخرجه البخاري في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: جاء الطفيل الدوسي الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: يا رسول الله، إن دوساً عصت وأبت، فادع الله عليها، دوس عصت وأبت، سيدنا الرسول أرسل لهم الطفيل بن عمرو الأوسي، لِيَدعوهم إلى الإسلام، فرفضوا كلهم، فجاء الطفيل يشكو ذلك، إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليها، فقال الناس: هلكت دوس، فقال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم اهد دوساً، وات بهم))، اذهب إلى قومك، أو ارجع إلى قومك، وارفق بهم، اللهم اهد دوساً وات بهم، فاهتدت دوس، وجاءت إلى رسول الله، وأنتم تَسمعون الآن أن راوي الحديث هو سيدنا أبو هريرة، ما اسمه؟ سيدنا أبو هريرة، هذا الصحابي الجليل الذي روى الآلاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رئيس حملة أهل الصفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، مِن ثمرات دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، سيدنا أبو هريرة، (اللهم اهد دوساً وات بهم) ارجع إلى قومك وارفق بهم، فاهتدت دوس، وسيدنا أبي هريرة واحد ممن أسلم، ثم روى لنا كل هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودوس كانت مشركة.

الحديث الثالث: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وغير البخاري ومسلم أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد شُجَّ في رأسه وجُرح وجهه وكُسرت رباعيته، أي مقدم أسنانه، ثم بَعد ذلك أصبح الدم على كل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وجَرحوا رأسه، فجاءت السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها، وهذه رواية البخاري ومسلم، فجَعَلَتْ تَغسل الدم عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم، يا رسول الله، ادع الله عليهم، على هؤلاء المشركين، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله لم يَبعثني طعاناً ولا لعاناً، ولكن بعثني داعية ورحمة, اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))، هذا مع غير المسلمين.

الحديث الرابع: ابن سعد في كتابه الطبقات، أخرج بسنده إلى سيدنا المقداد بن عمرو، تعلمون مِن كبار الصحابة، سيدنا المقداد بن عمرو مِن شجعان الصحابة، يقول سيدنا المقداد بن عمر: أنا أسرت الحكم بن كيسان، كان هناك معركة مِن المعارك، فأسر الحكم بن كيسان، وما أدراك ما الحكم بن كيسان، كريم قومه وزعيم وأديب، أنا أسرت الحكم بن كيسان، سيدنا المقداد يقول: فقال أميرنا في هذه السرية: نَضربُ عُنقه، فقلت له: لا نقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هذا أسير، والأسارى في الإسلام لهم تعامل ولهم بروتوكولات ولهم ترتيب، نَقدم به على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقدمنا به على النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله -هو شخص مهم الحكم بن كيسان- قال: وكان شديداً ضد المسلمين والمؤمنين شدة كبيرة، شديد جداً على الإسلام وعلى أهل الإسلام وعلى أهل الإيمان، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام وهو مشرك، قال: فينظر إليه سيدنا عمر بن الخطاب، فيتعجب، هذا سَيُسلم؟! فخبأها سيدنا عمر، ثم ما استطاع سيدنا عمر، تعلمون أشدهم في دين الله عمر، الله يرضى عن سيدنا عمر، خبأها ثم ما استطاع، فقال: يا رسول الله، عَلَام تَكلم هذا، والله لا يُسلم أبد الدهر، قال: علام تدعوه يا رسول الله، والله لا يُسلم أبد الدهر، يقول سيدنا المقداد: فلم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً إلى كلام سيدنا عمر، وما زال مُقبلاً بوجهه، حتى التفات لم يلتفت عندما كلمه سيدنا عمر، قال: فجعل رسول الله يُقبل على الحكم بن كيسان، وما زال يدعوه، فيقول المقداد: فما هو -أي وقت قليل- إلا أن قال الحكم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، أسلم سيدنا الحكم، أصبح سيدنا الحكم بن كيسان رضي الله تعالى عنه، وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول سيدنا عمر: قلت في نفسي: ماذا فعلت؟ كيف أُكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أدرى مني بذلك؟ وهو أعلم؟ ثم يقول سيدنا عمر: ثم أرجع فأقول: إنما أردت خيراً، هذا حديث النفس، قال: فلما أسلم الحكم التفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: (لو أطعتكم فيه لدخل النار)، ويقول عليه الصلاة والسلام لسيدنا علي: (يا علي، لَأَن يهدي الله بهداك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وفي رواية: (خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت)، واهتدى، مَن هذا يا رسول الله، هذا مسلم مؤمن، مَن هذا؟ أشد الناس على المسلمين، وكان يَرفق بهم.

الحادثة الأخيرة: أخرجها الحاكم في مستدركه، وابن حبان في صحيحه، والحديث صحيح عن سيدنا عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه، الحبر العظيم الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن سلام، يُحدثنا عن رجل ليس مشركاً هذه المرة، وإنما يهودي، حَبر مِن أحبار اليهود، شيخ عَلَّامة كبير مِن أحبار اليهود، فكان يُسمى العالم الجليل مِن اليهود يُسمى حَبراً، وهو كذلك في العربية، وهو لَقَبٌ لسيدنا عبد الله بن عباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حَبر هذه الأمة، أي عالمها الكبير الجليل، هذا اليهودي الحَبر العالم الكبير اسمه زيد بن سعنة، يقول هو زيد بن سعنة يروي ذلك عن نفسه يقول: خَرج محمد صلى الله عليه وسلم مِن حُجراته، ومعه علي بن أبي طالب، رضي الله عن سيدنا علي وعن صحابة رسول الله أجمعين، -طبعاً سيدنا الحكم بن كيسان في القصة السابقة، استشهد سيدنا الحكم بن كيسان في معركة بئر معونة، مات شهيداً، أسلم وحَسُنَ إسلامه، وشارك في المعارك، ومات ببئر معونة- زيد بن ثعنة اليهودي قال: خرج محمد ومعه علي كرم الله وجهه وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين، خرجا مِن الحجرات، قال: فابتدره رجل على فرسه، قال: يا محمد، إن أهل بُصرى قد أسلموا، وقد أصابهم قحط وشدة، فإن رأيتَ أن تُعطيهم شيئاً هذا الشيء يعينهم على أمرهم، على هذا القحط والشدة، فإني يا رسول الله أخاف أن يخرجوا مِن الإسلام كما دَخلوا فيه، هم دخلوا في الإسلام رغبة في المال، فإذا افتقروا يَخرجوا من الإسلام، وهذا كان في بدايات الدعوة، أنتم تعلمون هُناك سهم مِن الزكاة اسمه سَهمُ المؤلفة قلوبهم، فتألف رسول الله الناس في أن يُسلموا فيعطيهم المال، ثم حَسُنَ إسلامهم ونَسوا المال، لكن هذه حكمة لذلك مِن باب الترغيب، كذلك نحن للشباب بحفظ القرآن بغيره في الدراسة نُرغبهم في المال، يقول لك بعض الناس: هذه ليست طريقة سديدة في بعض الأحيان، لا تكون طَريقة سديدة للتعامل، لكن في بعض الأحيان تكون طريقة صحيحة بهدية بشيء ترغبه به، وبعد ذلك تراه اندفع إلى العلم دون أن يكون هناك عوض، نعم، فقال: التفت رسول الله إلى سيدنا علي، قال: والله يا رسول الله لم يبق شيء، قال: فابتدرته، فذهب هذا الحبر اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا محمد، أتبيعني تمراً معلوماً مِن آل فلان إلى أجل معلوم، فقال عليه الصلاة والسلام: أبيعك إلى أجل معلوم تمراً معلوماً، معلوم الوزن والكيل، ولكن ليس من تمر بني فلان، فقال: رضيت، قال: فأعطيته ثمانين مثقالاً ثمانين ليرة، ذهب، قال: فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الأعرابي، قال: خُذها يَستعينون بها، وارفق بهم، واقسمها بينهم بالعدل، قال: فأخذها ومشى، فهذا اليهودي -زيد بن سعنة- قال: فانتظرت قبل يوم الوفاء بيومين أو ثلاثة، ثم جِئت إلى محمد ومعه أصحابه، وبينهم عمر، قال: فأخذته مِن حاشية ثوبه، قال: وَجَذبته إلي، وجعلت أجذبه وأتركه، وأقول له: أعطني حقي يا محمد، فإنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطل، وفي رواية عند ابن حبان: فإني لا أعهد بني عبد المطلب قوماً مطلاً، يَجذبه ويتركه، يقول زيد بن سعنة: وأنا عيني على عمر، قال: فرأيت أعينه تدور في رأسه، الله يَرضى عن سيدنا عمر، ثم نهض سيدنا عمر وقال: يا عدو الله، أراك تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وهو بين أظهرنا؟ ثم قدم علي وركض سيدنا عمر، قال: فخاف زيد بن سعنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَه، لقد كنتُ أحوج إلى غير هذا، قال: وما ذاك يا رسول الله، قال: تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة، أي المطالبة، يا عمر، اذهب فأعطه ما له وزده عشرين صاعاً، قال: فذهبت مع زيد بن سعنة الحبر اليهودي، فأعطيته ما له وزدته عشرين صاعاً، قال: ما هذه العشرين، قال: هذا جزاء جعله رسول الله جزاءَ ما خوفتك وما تكلمتُ به أنا، فقال: يا عمر، أهو قال لك ذلك؟ قال: نعم، قال: يا عمر، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله لقد قرأتُ أوصاف محمد في التوراة والإنجيل -هو عالم حبر كبير- فعرفتها كلها فيه إلا خصلتين اثنتين: يَسبق حلمه غضبه، ولا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلماً وإحساناً، فأردت أن أعرف ذلك في محمد، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: فذهب فأعلن إسلامه أمام رسول الله، وشهد بعد ذلك مع رسول الله المواقع كلها، واستشهد سيدنا زيد بن سعنة في غزوة تبوك.

هذا رِفقُ النبي صلى الله عليه وسلم بعبدة الأصنام وبأهل الكتاب، مَن ليسوا على دينه ومَن ليسوا على إسلامه، فما بالك برفقه صلى الله عليه وسلم ورحمته بنا.

أيها الإخوة الكرام: عندما نَقرأ هذه القصص في شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعتصرنا ألم كبير، لأننا نرى كثيراً مِن مفاصل ومَرافق حياتنا قد انعدم فيه الرفق، فتجده كثيراً ما ينعدم في الأسرة الواحدة، فلا يحلم بعضها على بعض، ولا يرفق بعضها ببعض، وهناك هاجش دائماً في هذه الأسرة، هاجش العنف، هاجش الأوامر، هاجش التهديد، لا يرفق بعضنا ببعض، فإذا ذهب الإنسان ليستأجر منزلاً وربما يكون صاحب المنزل ليس بحاجة له يَرفع الأسعار عليه ارتفاعاً عالياً جداً، حتى لا يَكاد يصدق هذا الارتفاع، هو يعلم أن الناس في أزمة، لا يَرفق بعضنا ببعض، يأتي الإنسان التاجر يَستورد البضاعة، فيضع عليها مَبالغ طائلة مِن الأرباح، وهو لا يَرفق بحال الناس، لا يرفق بعضنا ببعض، تجد الإنسان وهو يقود سيارته دائماً يُريد أن يكون الطريق له، ويُعنف مَن يريد أن يسبقه بالسيارة، ربما عنده مَوضوع عاجل، يعنف ويسب ويشتم، لا يرفق بعضنا ببعض في أي مفصل من مفاصل الحياة، كيف تُسول لك نفسك أن تَربح كل هذه الأرباح الطائلة وأنت تعلم أن الناس في عسر؟ كيف تُبرر لك نفسك أن تفعل ذلك وأنت تعلم أننا نحن الآن في أزمة وفي الأزمات؟ الناس يتلاحمون، والله كأن المسلمين -أيها الإخوة- وكأن المؤمنين مِن كوكب آخر، كل النَّاس في الأزمات يلتحمون، مَا عَدانا نحن نجد أنفسنا في الأزمات مُضطربين، وتجد أيضاً أننا لا يَرفق بعضنا ببعض، ولا يرحم بعضنا بعضاً، يعني في هذه الأزمات زادت نسبة الطلاق 60%، وزادت نسبة المحاكم الآلاف، عشرات الآلاف، مئات الآلاف، زادت المحاكم بين الناس والخصومات والعداوات بين الإخوة وبين الأرحام.

أيها الإخوة: هذا ليس مِن ديننا، وليس من شرعنا نحن ليغير الله عز وجل ما نحن فيه، نحن بحاجة إلى إعادة حسابات مرة أخرى، ومن ضمن حساباتنا هذا الذي تكلمنا عنه إذا ظننا أننا ما شاء الله يعني أناس صالحون قائمون بكل الصفات الرائعة جداً، لكن هذا قدرنا، فنحن مخطئون: )إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم( [الرعد: 11].

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1002
تحميل ملفات
فيديو مصور