الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-03-22 الساعة 13:26:41
اليسر في التشريع الإسلامي /2/
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 18 من جمادى الآخر 1438 هـ - 17 من آذار 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: ذكر الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره، وتفسير القرطبي هو مِن أعظم التفاسير للقرآن الكريم, ذكر رحمه الله في سورة البقرة، أن رجلاً من بني إسرائيل كان فقيراً، وأحب ابنة عمه وكانت جميلة حسناء، فخطبها إلى عمه أخ والده، فخطبها إلى والدها فرفض أن يزوجه إياها، فجاء ابن أخيه فقتله لأنه رفض أن يزوجه ابنته، قال: فأخذه ووضعه في قرية أخرى غير القرية التي هُم فيها، لِيتَّهم أهل تلك القرية بقتله، قال: فلما أصبح الناس اتهم قومه أهل هذه القرية بأنهم هُم الذين قتلوا هذا الرجل الغني والد هذه الفتاة الحسناء، فقال أهل القرية: والله لا نعلم عنه شيئاً وما قتلناه، فاختصموا، فقال لهم رجل: أتختصمون وفيكم رسول الله موسى؟ رضي الله عن صحابة رسول الله وآل بيته، وصلى الله وسلم سلاماً كثيراً على أنبياء الله أجمعين، سيدنا موسى بينكم وأنتم تختصمون؟! اذهبوا إلى موسى، فذهبوا إلى سيدنا موسى، فجاء الأمر من الله سبحانه وتعالى أن يَأمرهم أن يذبحوا بقرة، هُم يسألونه مَن الذي قتل هذا الرجل؟ فقال لهم سيدنا موسى: اذبحوا بقرة، وكلكم يحفظ هذه الآيات، وربما لا يعرف سبب نزولها، وربما لا يعرف قصتها، وأنتم تعلمون أن سورة البقرة سميت بسورة البقرة بسبب هذه القصة، )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ([البقرة: 67]، أنا لا آتي بشيء من عندي، هذا من عند الله، أنتم سَألتموني: مَن قتل هذا الرجل؟ وأنا جاءني الأمر مِن الله بأن تذبحوا بقرة، )قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(.

يقول سيدنا عبد الله بن عباس وأبو العالية رضي الله تعالى عنهما: (لَو ذبحوا بعد أمر الله سبحانه وتعالى لو ذبحوا أي بقرة لأجزأتهم)، )قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(، لكن بني إسرائيل لم يَقبلوا بهذا الكلام،) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ(، لا فارض: أي لا بقرة مسنة, ولا بكر: أي لا بقرة صغيرة، )عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ(، لا كبيرة ولا صغيرة, ثم جاء الأمر من الله عز وجل مرة ثانية فقال: )فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ( [البقرة: 68]، أي: مرة ثانية أقول لكم )فَافعَلُوا مَا تُؤمَرُون(، رفضوا: )قَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا؟ قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا(، صَفراء مِن اللون الأصفر الفاقع، ومع ذلك ليست بقرة غليظة، بل بقرة جميلة تسرك رؤيتها، قال ربنا: )قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( فقَالُوا: )ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ( ما هي هذه البقرة؟ )إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا(، البقر كله يُشبه بعضه بعضاً، )إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّـهُ لَمُهْتَدُونَ ([البقرة: 69-70]، مِن المؤكد أننا سنجدها، هذا معنى )لمهتدون(, سوف يهدينا الله إليها، فقط بيِّن لنا أوصافها يا موسى، )قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّـهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ(، هذه البقرة بقرة عنيدة، صعبة المرار، لأن البقرة معروفة أنها ذليلة تشدها فتركض وتسايرك، والبقرة في ذلك الوقت إذا لم يجدوا ثوراً حرثوا الأرض عليها، لكن هذه البقرة ترفض أن تحرث الأرض، عنيدة هذه البقرة، )لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ(، إذا أردت أن تَضع عليها سِقاء لتدور حول البئر فتُحرج الماء أو تضع الماء عليها لتنقله مِن مكان إلى آخر فإنها ترفض ذلك هذه البقرة، )قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ(، أي: لا عيب فيها، ليست بعرجاء، ولا مقطوعة الأذن، ولا مقطوعة القرن، )مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا(، وانتبهوا أن تكون بقرة صفراء فاقع لونها، ليس فيها نقطاً سوداء أو بيضاء، -لأن الوشي في اللغة العربية هو أن تنسج الثوب بلونين، شِ الثوب، فعل الأمر مكون من حرفين ثانيهما حرف علة، فإذا حذفت حرف العلة -لأنه فعل أمر مبني على حذف حرف العلة- يبقى فعل أمر على حرف واحد، شِ، يُكتب حرف الشين وتحته كسرة، شِ, قِ: مِن الوقاية, فِ: من الوفاء، فعل الأمر مكون من حرف واحد وتحته كسرة، فالوشيُ وشى يَشي وَشياً، إذا نسج الثوب بلونين مزخرفاً- فانتبهوا هذه البقرة لا شية فيها، ليست مزخرفة، لا نقاط سوداء ولا بيضاء فيها، )مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا(، فوجدوا البقرة، انظروا ماذا قالوا لسيدنا موسى من قلة أدبهم: )قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ(، أثناء سؤالهم لهذه الأسئلة كلها والتشديد على أنفسهم كانوا يَعتقدون وهم يَسألون أن سيدنا موسى لم يكن صادقاً، الدليل: )قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ(، قال ربنا: )فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ([البقرة: 70-71]، كانوا لا يريدون أن يذبحوها, لماذا؟ لأن هذه البقرة وجدوها عند يتيم، فلما رآهم قادمين وعددهم كبير لشراء هذه البقرة راعه أمرهم، وقيل: راعَ والدته، هي التي كانت وصية عليه، وقيل: راعَ كفيلهم منظرهم، راعه أي خوفه، راعه منظرهم، قال: وكان ثمنها ثلاثة دنانير، سعر هذه البقرة في ذاك الوقت، قال: فرفض أن يبيعهم إياها، إما كفيله أو أمه في روايتين، رفض أن يبيعهم إياها، فذهبوا إلى موسى، فقال لهم: أرضوا صاحب المِلك، قال: فذهبوا إليه ففاوضوه، فلم يرضَ إلا بأن يبيعهم البقرة بنفس وزنها ذهباً، في إحدى الروايات أن بني إسرائيل جمعوا كل ما لديهم من الأموال وكل حلي نسائهم حتى يشتروا هذه البقرة، قال سيدنا عبد الله بن عباس: (شَدَّدُوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، ولو ذبحوا أي بقرة لأجزأتهم)، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((اسكتوا عما سكت الله عنه -لا تُشددوا على أنفسكم- فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم))، وقال رب العزة والجلال في القرآن الكريم:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ([المائدة: 101]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله كره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).

هذا مِن مظاهر يُسر هذا الدين، نحن نتكلم في الخطب الماضية ونتمم موضوعنا، وهو أن من الركائز التي بني عليها هذا الدين "اليسر"، ((إنَّ هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فيسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وسددوا وقاربوا))، )يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ([البقرة: 185]، قال: فذبحوا هذه البقرة، ثم ملؤوا جلدها ذهباً وأعطوه لذلك اليتيم.

يقول القرطبي: لأن والد ذلك اليتيم قبل أن يموت قال: اللهم إني استودعتك هذا الغلام، واستودعتك هذه العِجلة فهي له، العجلة البقرة، قال: فاستجاب الله دعاءه، فحصل ثروة يأكل منها طيلة حياته، انظروا عندما تستودع الله شيئاً، عندما تخرج مِن بيتك قل: (اللهم إني استودعت زوجتي وأولادي وأهل بيتي، واستودعت مالي لديك، فإنها لا تضيع ودائعك"، فالله عز وجل يحفظك، أنت إذا كان عندك إنسان تثق به ثقة عمياء، لا تشك به أبداً، فوضعت وديعة عنده هل تشك أنه سيرد لك الوديعة؟ أبداً، لماذا؟ قال: لأنه ابن أصل، لأنه إنسان ثقة، لأنه إنسان مؤتمن، لأنه إنسان حريص على أداء الحقوق، فكيف برب العزة والجلال سبحانه وتعالى؟.

استودع هذا الغلام، وهذه العجلة له، فحفظه الله وأمَّن له حياته كلها بأمر )اذبحوا بقرة(.

يقول الإمام القرطبي فيما يَرويه عن سيدنا مجاهد وسيدنا عكرمة وسيدنا أبي العالية وحبر هذه الأمة سيدنا عبد الله بن عباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: فأمر الله عز وجل بعد أن ذبحوا هذه البقرة أن يَأخذ رجل بلسانها، وقيل: بفخذها، فيُضرب به هذا الميت المقتول، قال: فيحيى، فأخذوا لسان البقرة فضربوا به هذا الميت، قال: فحيي، أي أصبح حياً، فقال: قتلني فلان، ثم رجع ومات، وهذه معجزة لسيدنا موسى عليه السلام، ثم رجع ومات، قال ربنا عز وجل: )فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ(، )وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا -أي فاختلفتم فيها- وَاللَّـهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ -لهذا الميت المقتول-  فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا -قيل: لسان البقرة، وقيل: فخذ البقرة- كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى -ارتد حياً- كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ -أي معجزاته- لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ([البقرة: 71-74].

الآن عرفتم قصة سورة البقرة؟ سميت سورة البقرة بهذه القصة، وقصة البقرة خُلاصتها: ((إن هذا الدين يسر))، الله يُريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في المسجد -مِن قيام الليل- قالت: فصلى بصلاته ناس، اقتدوا به أناس، يصلي سيدنا الرسول قيام الليل في شهر رمضان فاقتدى به ناس، قالت السيدة عائشة: فلما كان مِن القابلة -أي الليلة الآتية- قام فصلى في المسجد، قالت: فصلى بصلاته ناس أكثر -من اليوم الأول- حتى كثر الناس، قالت: فلما كان اليوم الثالث اجتمع الناس في المسجد، فلم يخرج إليهم رسول الله، قالت: فلما أصبحوا على صلاة الغداة -صلاة الفجر- فقال لهم صلى الله عليه وسلم: ((قد رأيت الذي صنعتم))، لأن حجرة رسول الله تُطِلُّ على المسجد، كل حجرات الرسول وغرف الرسول لها أبواب تُطِلُّ على المسجد، فهو رآهم، قال: ((قد رأيت الذي صنعتم، أما وإنه لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أنني خَشيت أن تُفرض عليكم))، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، لكي لا تُصبح صلاة قيام الليل التي نحن نسميها صلاة التراويح لكي لا تصبح فرضاً، ((أما إنه لم يمنعني مِن الخروج إليكم إلا أنني خشيت أن تفرض عليكم))، فصدق ربي سبحانه وتعالى: )بِالـمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ( [التوبة: 128] صلى الله عليه وسلم.

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن سيدنا أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال: جاء رَهط ثلاثة -ثلاثة أشخاص- إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوا عن عبادته، فكأنهم تقالَّوا عبادتهم، أن سيدنا الرسول كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه -تتشقق قدماه- هذا بالنسبة له شيء شخصي ليس للأمة، وقيام الليل في حق رسول الله فرض، وفي حق أمته سنة، فتقول له السيدة عائشة: يا رسول الله، لم تجهد نفسك، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول لها: ((يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً))، فتقالَّ هؤلاء الثلاثة عبادتهم أمام عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، قال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، قال الآخر: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء، فبلغ خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاهم وقال لهم: ((أما إني لأتقاكم الله وأخشاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأرقد، وأتزوج النساء، هذه سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، ما هبت النسائم، وما ناحت على الأيك الحمائم.

يا ربنا لك الحمد على هذا الدين العظيم، المبني على اليسر وعلى اللين والرفق، وليس مبنياً على التشدد والقتل والعنف، يا ربنا لك الحمد على هذا الدين.

جاء قوم من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنوا بالدخول عليه، فقالوا: السَّام عليكم، ليس السلام عليكم، السَّام هو الموت، السَّام عليكم، فقال لهم رسول الله: وعليكم، وسمعتهم السيدة عائشة فقالت: بل أنتم عليكم السَّام، وغضب الله عليكم ولعنكم، فقال لها رسول الله: ((رفقاً يا عائشة))، فقالت: أما سمعت ما يقولون يا رسول الله؟ يقولون: السَّام عليكم، الموت عليكم، قوم غدرة، قوم خبيثون، قال: ((أوما سمعتِ ما قلتُ، فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيَّ، يا عائشة عليكِ بالرفق، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)).

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1176
تحميل ملفات
فيديو مصور