الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-03-14 الساعة 10:35:54
اليُسر في التشريع الإسلامي
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 11 من جمادى الآخر 1438 هـ - 10 من آذار 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: كنا نتكلم في خُطب سابقة عن الأسس والدَّعائمِ التي بُني عليها هذا الدين وهذا التشريع الإسلامي، وقلنا إنه بُني على دعائم وركائز عديدة، مِن أهمها: العلم: فأول كلمة نزلت في ديننا "اقرأ". ومِن ضمنها الرحمة: فهي سبب بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107]. ومنها اليسر: ((إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)), )يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ([البقرة: 185]. ومنها الأخلاق: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) أي: الأخلاق الصالحة, وفي رواية: ((مكارم الأخلاق)). ومنها الفطرة السليمة: ما يتماشى مع الخلق من الفطرة السليمة، والتسامح مع الآخرين، ((بُعثت بالحنيفية السمحة)).

ركائز ودعائم -أيها الإخوة- نعرفها، ولكن بما أن العالم الغَربي اليوم، وأن مَكَنَةَ الإعلام اليوم مُتجهة إلى محاربة الإسلام عن طريق هذه المجموعات التكفيرية، التي تريد أن تعطي صورة غير صحيحة عن الإسلام، وها هنا اتخذ الغربيون ذَريعة، وبدؤوا بتشغيل آلة الإعلام لديهم على أن الإسلام هو هذه التنظيمات الإرهابية التكفيرية، وأن ما عداها فليس بإسلام، فنظروا إلى ما يقوم به هؤلاء على أنه الإسلام، وأرادوا أن يُقنعوا شعوبهم بأنه الإسلام، والإسلامُ بريء من كل هذه التعاليم، وللأسف إن كثيراً من أبناء المؤمنين والمسلمين اليوم أصبح يُريد أن يَتنصل من دينه، وذلك لجهلهم بركائز ودعائم هذا الدين، فأصبح يَنتشر بين أبنائنا مسألة الإلحاد في كثير من مفاصل المجتمع، لا يُريدون لا دين ولا شيء، يُريدون الإلحاد، أن لا يَنتسبوا إلى دين، ولذلك وجب علينا أن نُبين أن هذا الدين بريء مما يلفق به في وسائل الإعلام الغربية، وأن نحصن أنفسنا بمعلومات ربما نعرف بعضها ولا نعرف بعضها الآخر، لكي يأخذها أبناؤنا ويحفظوها وتكون عدة لهم في الدفاع عن هذا الدين العظيم، دين الإسلام الذي قال فيه سيدنا عمر بن الخطاب: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)، ولا يجوز أن ننام أبداً، يجب أن نُبين فضل وعظيم هذا الدين، لأننا إذا نمنا سينتصر الباطل، كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه: (مَا انتصر أهل الباطل بقوة باطلهم)، فالباطل ليس قوياً، )إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً(، قال رضي الله عنه: (ما انتصر أهل الباطل بقوة باطلهم، ولكن انتصر أهل الباطل بتخاذل أهل الحق عن نصرة حقهم)، لذلك انتصر الباطل.

تكلمنا عن الرحمة، وعن اليسر، ونحن اليوم نُتمم الحديث عن هذا الدين الذي عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة واحدة، فقال: ((إن هذا الدين يسر))، يُسر، ما هو الدين يا رسول الله؟ الدين يسر، عرف الدين بكلمة واحدة، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن خير دينكم أيسره)) ثلاث مرات, وقال رب العزة والجلال: )يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ([البقرة: 185]، لا تُشددوا على أنفسكم، ربنا يُريد بكم اليسر، )فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ([الشرح: 5-6].

نعم أيها الإخوة: نأتي اليوم للحديث على التكاليف الشرعية، التكاليف سميت تكاليف لما فيها مِن كلفة هذا مِن ناحية اللغة العربية، والكلفة هي التعب والمشقة، فيقال: هذا فيه تكليف، أي مشقة وتعب على هذا الإنسان، ويقول أحدنا: رفعنا بيننا التكليف، أي لا يوجد مشقة ولا تعب فيما بيننا، نحن القوم يحب بعضنا بعضاً ورفعنا الكلفة مما بيننا، فالتكاليف الشرعية: الصلاة, الزكاة, الصيام, الحج، لو بحثنا في هذا الدين العظيم لوجدنا أنَّ الله عز وجل على مستوى أركان الإسلام خَفَّف عنا الكثير، فقال سبحانه وتعالى:) يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ([النساء: 28]، وفي الشريعة اليهودية كان هؤلاء القوم يشددون على أنفسهم لأنهم أهل مكر وخبث، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، كانوا يتحايلون، لذلك جاءت شريعتهم متشددة جداً، الشريعة اليهودية هي أشد الشرائع السماوية، أتكلم عن الشريعة اليهودية غير المحرفة، أشد الشرائع في التكاليف، أبداً، لذلك كانت إذا أصابت النجاسة ثوب أحدهم لا تطهر بالغسل، بل يقص موضع النجاسة، لذلك ربنا عز وجل يريد أن يُذلهم، لذلك قال: )وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ([البقرة: 61]، كلما وقعت نقطة خمر وكلما وقعت نقطة دم يَقُصُّ ثوبه ويرقع، أصبحوا يلبسون الثياب المرقعة، ربنا ضرب عليهم الذلة، لأنهم كانوا قوماً خَبيثين، لذلك لما جاء سيدنا عيسى -نتكلم عن التكاليف الشرعية الآن، وليس العقائد صلاة وزكاة وصيام وحج وطهارة، نتكلم في التكاليف الشرعية الآن- لما جاء سيدنا عيسى وكلكم يحفظ هذه الآيات ماذا قال: )وَلِأُحِلَّ لَكُم(، لأن سيدنا عيسى -تعلمون أنتم، هذا من بعض معلوماتكم- أنه آخر أنبياء بني إسرائيل، فسيدنا عيسى بُعث بشريعة نصرانية، لكن هو من أنبياء بني إسرائيل، فهو آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل، فقال سيدنا عيسى بنص القرآن طبعاً في سورة آل عمران: )وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ ([50]، إذاً جاء سيدنا عيسى وخَفَّف عنهم التكاليف، ثم جاء التشريع الإسلامي فقال رب العزة والجلال فيه: )وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ([البقرة: 143], وقال سبحانه وتعالى:) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ([آل عمران: 110].

نأتي على موضوع الصلاة، الصلاة خمس أوقات على مستوى التكليف الشرعي، إذا كنت عاجزاً عن القيام تصلي قاعداً، أباح لك الشرع أن تصلي قاعداً، وإذا كنت عاجزاً عن الصلاة قاعداً تصلي مضطجعاً، فإذا كنت عاجزاً تصلي برأسك، فتجعل الركوع هكذا والسجود هكذا أخفض، فإن كنت عاجزاً عن الصلاة برأسك تومئ بعينيك، أليس هذا فضلاً من الله سبحانه وتعالى على الإنسان؟ أليس هذا الدين يسراً؟ الفقهاء قالوا: مَن كان لا يعرف العربية أسلم جديداً، لا يعرف العربية ولكن قرأ معاني القرآن الكريم مترجمة إلى لغة أخرى، إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، فعند الحنفية يصلي ويقرأ بهذه اللغة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، بأي لغة يتقنها يقرأ في الصلاة، ريثما يتعلم الفاتحة ويتعلم اللغة العربية، عند الجمهور يصلي ساكتاً بركوع وسجود، أليس هذا يسراً في الدين؟ إذا كنا مسافرين ألا نجمع الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير؟ ألا نجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم أو جمع تأخير؟ ألا نصلي الرباعية الصلاة التي هي أربع ركعات ألا نصليها ركعتين؟ )فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ([النساء: 101]، أليس هذا يسراً بهذه الأمة؟ ولذلك -أيها الإخوة- إذا أخذنا على مستوى التكاليف الشرعية موضوع الصلاة وجدنا فيه كل هذه الأشياء.

النبي صلى الله عليه وسلم -صلوا على رسول الله، اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم- قال في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، ورواه سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم للناس إماماً فليخفف، -أليس هذا يسراً؟ طُلب مِن الإمام إذا صلى بالناس أن يخفف- فإنه منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه- في المنزل قال عليه الصلاة والسلام:- فليطول ما شاء)) أطل كما شئت.

الحديث الآخر: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن سيدنا أبي قتادة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأقوم في الصلاة -يُصلي رسول الله بالناس إماماً- إني لأقوم في الصلاة أريد أن أُطَوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي))، أتجوز في اللغة العربية يعني أُخفف، يَختصر الرسول صلى الله عليه وسلم يخفف الصلاة والقراءة، وينهي الصلاة بسرعة عندما يسمع بكاء صبي، ما هذا النبي العظيم؟! ما هذا الدين العظيم؟! ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه))، لأن أم الصبي تُصلي معي، فأصبح قلبها أين؟ عند طفلها الذي يَبكي، فينشغل بالها وقلبها، قال: ((فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه))، هذا هو دين اليسر.

الحديث الثالث: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، يقول سيدنا جابر: أقبل رجل بناضحين، الناضحان: القربتان اللتان تملآن ماءً، في زمانهم لم يكن هناك تمديدات صحية وأنابيب توصل الماء إلى كل بيت، كانوا يملؤون جرارهم ودينانهم جرارهم ودنانهم عن طريق السقائين، السقاء عنده ناضحان، قربتان مصنوعتان من الجلد، يذهب فيملؤهما من البئر، ثم يملئ قراب الناس وجرارهم، وكذلك يسقون ذروعهم، وكذلك يفعلون بدوابهم، فكانت مهنة السقاء مهنة في ذلك الوقت موجودة وهي هامة، فهذا الرجل يعمل سقاء، وهذه مهنة شاقة، تملئ القربتين ماء تذهب إلى بيت فلان، تملئ ثم تعود، ثم تملئ ثم تعود، هذا يحتاج إلى جهد عضلي، فرجع هذا الرجل مساء بناضحين له، نعم يقول سيدنا جابر: وقد جنح الليل، دخل الليل، فوافق معاذاً يصلي سيدنا معاذ بن جبل، وجد معاذ يصلي بالناس صلاة العشاء، قال: يا سلام نُصلي مع معاذ ونذهب إلى البيت لنرتاح، هو مستيقظ من صلاة الفجر يعمل، نعم فوافق معاذاً يصلي، فقال: فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ، صلى مع سيدنا معاذ اقتدى فيه، قال: فقرأ معاذ بسورة البقرة أو سورة النساء، شك سيدنا جابر بن عبد الله، تعلمون أن سورة البقرة جزأين ونصف، وسورة النساء جزأين، وهذا الرجل مُتعب، قال: فوافق معاذ يصلي، فترك ناضحه والتحق بمعاذ، قال: فقرأ معاذ سورة البقرة أو النساء، قال: ففارقه الرجل، أكمل الصلاة وحده لما وجده أطال أكمل الصلاة لوحده، وانطلق هذا الرجل، فلما انتهى سيدنا معاذ مِن الصلاة أخبره الناس أنه يُوجد شخص صلى معك، فلما أطلت في الصلاة قطع صلاته وأكمل وحده وذهب، قال: فبلغ هذا الرجل أن سيدنا معاذاً نال منه، أي قال له: أصلحه الله، فتكلم سيدنا معاذ على هذا الرجل، فلما بلغ الرجل أن سيدنا معاذاً نال منه ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكى معاذاً، قال: فأرسل رسول الله إلى معاذ، فجاء معاذ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام الناس: ((يا معاذ، أفتان أنت))؟ قال الراوي: قالها ثلاثاً: ((أفتان أنت، أفتان أنت، أفتان أنت))؟ أمام الناس، ((فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى))، قال له: الرجل متعب تصلي فيه من سورة البقرة وسورة النساء؟! قال الحديث في البخاري ومسلم طبعاً قال: ((هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى))؟ فأعطانا رسول الله نموذجاً للصلاة: والشمس وضحاها, والليل إذا يغشى, سبح اسم ربك الأعلى، يَقرأ الإمام بهذا الشكل، قال: ((فإنه يُصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)).

انظر إلى يسر هذا الدين، وعظمة هذا الدين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))، السواك تنظيف لأسناننا، وجمال لأسناننا، لكن رسول الله لا يُريد أن يَشق علينا.

أرسل معاذاً وأبا موسى الأشعري -وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه- أرسلهما رسول الله إلى اليمن، ما هي الوصية؟ أرسل اثنان نواب عنه وسفراء عنه إلى اليمن، ليبلغوا دعوة هذا الدين العظيم، ما هي الوصية؟ ((يسرا ولا تُعسرا))، ما هي أول وصية ممكن أن تخطر في بالك؟ علموهم الصلاة، علموهم الصيام، لا، أول وصية ((يسرا ولا تعسرا))، انظر إلى يسر هذا الدين، تتمة الحديث: ((وبشرا ولا تنفرا))، يا سلام، بشارة ويسر، قال: ((وتطاوعا ولا تختلفا))، انتبهوا،) وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم ([الأنفال: 46]، ((وتطاوعا))، ليطاوع أحدكما الآخر، ((ولا تختلفا))، انتبها، أهم شيء جمع الكلمة وليس تفرقة الكلمة.

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خُذوا مِن الأعمال ما تطيقون))، ما هذا الدين العظيم! ((خذوا من الأعمال ما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا)).

وأختم هذه الخطبة بحديث الرهط الثلاثة: هذا الحديث للبخاري ومسلم، تعرفون أن ثلاثة نفر جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يوافقوه، لم يجدوا سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: فجاؤوا إلى بيوت أزواجه يسألونهن عن عبادة النبي وصلاته وطاعته لله، فقال بعضهم لبعض: وأين نحن من رسول الله، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، هكذا يقوم الليل، وهكذا يصوم، وهكذا يصلي، أين نحن من رسول الله، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم الليل ولا أرقد، وقال الثاني: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء، فبلغ كلامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إليه، فأتوا قال لهم: ((قد بلغني ما قلتم، أما إني لأخشاكم لله وأتقاكم لله، ولكنني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأرقد، وأتزوج النساء، هذه سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني))، إذاً رسول الله ما كان يحب التشديد على الناس أبداً، ((هذه سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).

على مستوى الحج مِن التكاليف الشرعية، حَجَّ مع رسول الله في حجة الوداع أكثر من مائة ألف إنسان، تعلمون أنه ما كان يُوجد تنظيم أمور كتنظيمها في الوقت الحاضر، كانت الطرقات ضيقة، وعدد الناس كبير، مائة ألف إنسان، وحديث سيدنا جابر بن عبد الله في الحج حديث طويل معروف في كتب الفقه وكتب الحديث، والحج مناسك، تتعلم من سيدنا الرسول عبر رؤيته يفعل هذا الأمر، فلما كان الناس كُثر، فمعنى ذلك لن يروا كل نُسك بنسكه، فما شاهدوا سيدنا الرسول ماذا فعل، فكان في حديث سيدنا جابر يأتي الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا رسول الله، لم أشعر فذبحت قبل أن أحلق، فيقول له رسول الله: ((افعل ولا حرج))، ويأتي الآخر فيقول: يا رسول الله، حلقت قبل أن أرمي، فيقول: ((افعل ولا حرج))، يقول سيدنا جابر راوي الحديث: فما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها عن الشيء قدم أو أخر إلا وقال: ((افعل ولا حرج)), ورب العزة والجلال يقول: )وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ([الأنفال: 46].

هذا هو ديننا العظيم يجب أن نَحفظ هذه المعلومات وهذه القصص مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نحفظها لأبنائنا ليصبح عندهم حصانة بأن هذا الدين دين عظيم، هو دين اليسر وليس دين العنف والتشدد والتطرف، ما أعظم هذا الدين، ولكننا نحن قصرنا في القراءة عنه وفي الدخول في جزئياته ومفاصله، ولذلك يمكن أن نؤتى مِن هذا الجانب، لأننا لا نقرأ، أمة لا تقرأ، أمة لا تتفقه، أمة تريد أن تضيع أوقاتها وأن تقتل أوقاتها كيف شاءت، لا نحب النظام، ولا نحب أن يكون أحدنا مقيداً بشيء، يريد أن ينام متى يريد، أن يستيقظ متى يريد، أن يفعل ما يريد، لا تقيدني بشيء، الأمم لا تنهض بهذه الأخلاق، لا تنهض بإضاعة الأوقات، وبعدم تنظيم أوقاتها، فيجب علينا أن نعيد ترتيب هذه الأفكار وتطبيقها على أنفسنا في حياتنا اليومية.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعني وينفعكم بما قلت وبما سمعتم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1089
تحميل ملفات
فيديو مصور