الثلاثاء 07 شوال 1445 - 16 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-02-08 الساعة 10:21:54
إنَّ هذا الدين يسر /2/
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 06 من جمادى الأول 1438 هـ - 03 من شباط 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلَهِي لا تُعَذِّبنِي فَإِنِّي
وَمَا لي حِيلَةٌ إِلا رَجَائِي
وَكَمْ مِن زَلَّةِ لِذِي الخَطَايَا
إِذَا فَكَّرتُ في نَدَمِي عَلَيهَا
أَهِيمُ بِزَهرَةِ الدُّنيَا فُتُوناً
وَلَو أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهدَ فِيهَا
يَظُنُّ النَّاسُ بِي خَيرَاً وَإِنِّي

 

مُقِرٌّ بِالذِي قَدْ كَانَ مِنِّي
لِعَفوِكَ إِنْ عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنِّي
وَأَنْتَ عَلَيَّ ذُو فَضلٍ وَمَنِّ
عَضَضْتُ أَنَامِلِي وَقَعَرْتُ سِنِّي
وَأَقْطَعُ طُولَ عُمرِي بِالتَّمَنِّي
قَلَبْتُ بِأَهلِهَا ظَهرَ الْمِجَنِّ
لَشَرُّ الخَلقِ إِنْ لم تَعْفُ عَنِّي

اللهم اعف عنا يا عفو، واغفر لنا يا غفار، وقنا عذاب النار.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربي من حَصَر وعيٍّ

 

ومن نفس أعالجها علاجاً

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: ما زلنا وإياكم في الحديث عن دعائم وركائز هذا الدين التي بني عليها، وهذا التشريع الإسلامي العظيم الذي كان له أسس، وهذه الأسس:

أولها: العلم، فأول كلمة نزلت في ديننا "اقرأ".

وثانيها: الرحمة، )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107].

وثالثها: الأخلاق، ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).

ورابعها: اليسر والتسامح، ((بعثت بالحنيفية السمحة))، ((إنَّ هذا الدين يسر)).

أيها الإخوة الكرام: تكلمنا في الخطبة الماضية عن اليسر، وأن هناك نصوصاً لا يجوز لنا أن نجهلها، بل يجب أن نعلمها ونحفظها ونُحفظها أبناءنا، وذلكم إبَّان هذه الحملة الشرسة على ديننا العظيم، نحن لا نخاف على الإسلام وإنما نخاف على المسلمين، نحن لا ننصر الإسلام وإنما ينصرنا الإسلام، نحن لا نقوي الإسلام وإنما نقوى بالإسلام، ولكن الذين نخاف عليهم أبناؤنا وبناتنا، لذلك يجب أن نحصنهم وأن نقوم بوقايتهم من هذه الأفكار التي تنتشر في المجتمع وبين الناس، بين العامة والمثقفين وبين كل فئات الناس، ((إن هذا الدين يسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه))، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ خَير دينكم أيسره, إن خير دينكم أيسره, إن خير دينكم أيسره))، ويقول عليه الصلاة والسلام، وهو حديث السيدة عائشة ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً)، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((يَسِّروا ولا تُعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وسددوا وقاربوا)).

وعماد التشريع الإسلامي في جلب المنفعة والمصالح للعباد، ودرئ المفاسد عنهم، ورفع الحرج عنهم، )وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ([الحج: 78], )فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ([الشرح: 5-6], )يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ([البقرة: 185], )يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا( [النساء: 28].

وتكلمنا عن نماذج مِن اليُسر في حياة وواقع النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الماضية، ونحن اليوم نتمم الحديث أيها الإخوة، لأن الذي يجسد هذا الدين كلام الله عز وجل وأوامره ونواهيه، فهو المشرع سبحانه وتعالى وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه رب العزة والجلال: )وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى( [النجم: 3-4]، فرسول الله كان دائم البشر والابتسامة، وكان إذا تبسم يفتر عن ثغرٍ كحب البرد، أي كانت أسنانه بيضاء شديدة البيضاء، فإذا تبسم صلى الله عليه وسلم ظهرت أو ظهر مُقدم أسنانه فكانت بيضاء كحب البرد الذي ينزل من السماء صلى الله عليه وسلم، فكان دائم البشر ودائم التبسم، وكان عليه الصلاة والسلام يضحك، ولكن ضحكه ليس بمبالغ فيه، فربما بدت نواجذه لكن لا يبدو مؤخر أضراسه صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُمازح الناس ولكن ما كان لا يقول إلا حقاً، صلوا عليه وسلموا تسليماً.

أخرج الترمذي وأحمد، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: يا رسول الله، إنك تداعبنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إني لا أقول إلا حقاً))، وفي رواية: ((إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً))، يا رسول الله إنك تداعبنا، نعم، ((إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً)).

وأخرج ابن عساكر، عن سيدنا أبي جعفر الخطمي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر مثلكم أمازحكم))، ((إنما أنا بشر مثلكم أمازحكم)).

وأخرج ابن عساكر، عن أحمد بن محمد الخطابي قال: سُئل بعض السلف عن مرح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مَهابة -أي يَهابه الناس- فكان يبسط النَّاس بالدعابة)، سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم له هيبة عظيمة، ماذا يفعل لكي يُضفي على الجو أنساً؟ قال: (فكان يَبسط الناس -أي يباسطهم- بالدعابة)، وقد يقول قائل: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر دائم البسمة، وكان يُمازح ويُداعب الصحابة كما رأينا في الأحاديث، أليس هناك أحاديث تَنهى عن المزاح؟ مثلاً الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود في سننهما، عن سيدنا عبد الله بن سائب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُمار أخاك ولا تمازحه، ولا تعده موعدة فتخلفه))، ((لا تمار أخاك)) لا تجادل، لأن الجدال سبب للضغينة، كلمة منك وكلمة مني قد تتسببان بالسب والشتم ويؤدي الأمر إلى مشكلة، ((لا تمار أخاك))، اقصر موضوع الجدال، ((إن الله كره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))، ((لا تمار أخاك ولا تمازحه))، هذا نص، إذاً لا تمازح أخاك، وسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمازح الناس ويمازح الصحابة ويداعبهم، الثالثة: ((ولا تعده موعدة فتخلفه))، إذا وعدته موعداً فأنجز موعدك، وإذا عاهدته عهداً فأنجز عهدك، لا تفعل كما يفعل كثير من الناس بعد أن يُبرموا الاتفاقيات يمكثونها، وبعد أن يكون بينه وبين أخيه عهد يُخلف عهده، وموعد فلا يأتي إلى هذا الموعد، نعم وأيضاً ألا يُناقض ما ذكرته حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لستُ مِن دَدٍ ولا دَدُ مني))، ((لَستُ مِن دَدٍ))، الدَّدُ هو المزاح واللهو، أنا لست من المزاح، ((ولا دَدُ مني))، ألم يقل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (مَن كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به)؟ يَستخف الناس فيه، تذهب قِيمته عند الناس.

كيف نجمع بين هذا الكلام وبين الأحاديث التي ذكرتها، وكلام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه؟

أنتقل معكم إلى سيدنا المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير، عند كلامه عن هذه الأحاديث، وأنقل لكم كلامه فيقول سيدنا المناوي في فيض القدير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح، لأن النَّاس مأمورون بالتأسي به والاقتداء بهديه، فلو ترك اللَّطافة والبشاشة ولزم العبوس والقطوب -تقطيب الحاجبين- لأخذ الناس من أنفسهم ذلك، وذلك يُخالف الغريزة، الإنسان بغريزته يحب المزاح، فرسول الله مُشَرِّع، فكان يمزح، قال: ولكن لا يُناقض ذلك -أنه كان يمزح- لا يناقض قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَستُ مِن دَدٍ ولا دَدُ مني))، فإن الدَّد هو اللهو والباطل، ليس المزاح، الدَّد في العربية اللهو، اللهو يعني بالمحرم والباطل، فرسول الله ليس من اللهو المحرم، ولا من الباطل لا يفعله، قال المناوي: ولا يُناقض حديث الترمذي، ((لا تُمار أخاك ولا تمازحه، ولا تعده موعدة فتخلفه))، لأن المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط، إفراط يعني لا يُعرف جده مِن مزاحه، دائم المزاح، لا، كثرةُ المزاح منهي عنها، المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط، هذا أولاً. وثانياً: والذي يداوم عليه صاحبه، دائم المزاح. وثالثاً: الذي فيه كذب، فإن كثرة المزاح والإفراط فيه، وإن مداومة صاحبه عليه، وأن يكون فيه الكذب؛ يُورث الضحك وقسوة القلب، ويُشغل عن ذكر الله عز وجل، ويَؤول بالنتيجة -يقول المناوي- ويؤول إلى الإيذاء ويورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوقار.

إذاً الآن استطعنا أن نَصل إلى نتيجة، المزاح يكون بقدر معلوم، لا إفراط فيه، لا يلزم الإنسان الممازحة في كل أحواله، يَكون دائم الممازحة، ويكون صادقاً فيما يقول، لا يمزح بالكذب، ولا يقترب من المزاح الذي يُورث الضغائن في النفوس، إنسان فيه صفة وأنت تعلم أن فيه هذه الصفة إنسان، فجعلت تُقلده أمامه وهو موجود، إنسان عنده مشكلة صحية، جعلت تمزح معه وتذكر له هذه المشكلة الصحية، إنسان حصل معه موقف أمام الناس فكتمه، فجعلت تحكي ذلك بين الناس وهو موجود، هذا الكلام الذي يورث الضغائن، لا يمزح فيه أبداً.

فإذاً المزاح والبشارة والتبسم من مظاهر اليسر في هذا الدين، جَسَّدَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ضمن الضوابط الشرعية، فدعوني أستحضر معكم حادثتين أو ثلاثة نختم بهما هذه الخطبة.

الحادثة الأولى: أخرجها الترمذي رضي الله عنه، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه, يقول سيدنا أنس: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله، أي طلب من رسول الله أن يحمله على ناقة، يعني ما عنده مركوب يذهب إلى قبيلته، مات فرسه أو ماتت ناقته أو مات جمله، فطلب من رسول الله مركوباً، هذا معنى كلمة (استحمل رجل النبي صلى الله عليه وسلم) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني حاملك على ولد الناقة))، سأعطيك مركوباً، سأعطيك ولد الناقة، ((إني حاملك على ولد الناقة))، فقال هذا الرجل: يا رسول الله، وما أصنع بولد الناقة؟ جمل صغير لا أستطيع الركوب عليه، فقال: ((إني حاملك على ولد الناقة))، فقال الرجل: ما أصنع يا رسول الله بولد الناقة؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((وهل تلد الإبل إلا النوق)).

الحادثة الثانية: أخرجها الترمذي في سننه، وابن حبان في صحيحه، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: إن رجلاً مِن أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام، إذا سميت ابنك زاهراً فيكون اسمه على اسم واحد من الصحابة، زاهر بن حرام، ما معنى حرام؟ الحرام عند العرب يعني المحرم، ومنه البلد الحرام والبيت الحرام، هي كلمة جميلة، زاهر بن حرام أي ابن المحرم، وكان كلما أتى مِن البادية سيدنا زاهر كان يُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فورد عند ابن حبان  أنه كان يُهديه سمناً وأقطاً يَجبله معه، سمن عربي يَجبله، الأقط هو الكشك، يجلبه للنبي صلى الله عليه وسلم ويهديه له، قال: وكان رسول الله يُكافئه، لأن سيدنا النبي كل مَن أهدى له هدية كان يُكافئ هذه الهدية بمثلها أو أكثر منها، قال: وكان رسول الله يُحبه، وكان زاهر دَميماً، يعني كان قبيحاً، سيدنا زاهر صحابي جليل من البادية، يُحبه رسول الله، وكان رسول الله يقول: ((زاهر باديتنا ونحن حاضرته))، انظر إلى ملاطفة رسول الله لهذا الإنسان الذي ينفر منه الناس، فرسول الله كان يهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، ولهم فقه خاص، فالناس تهرب منه، وسيدنا الرسول كان يُحبه ويُقربه ليكسب مودة هؤلاء الناس الذين لا يَلتفت إليهم أحد ليجبر بخواطرهم، إذا لَقيت واحداً بالطريق أعطه شيئاً وقل له: ادع لي، إن كان صاحب عاهة أو مرض، هذه من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان سيدنا زاهر دميماً، فمن كثرة دلال سيدنا النبي ماذا يقول له؟ ((زاهر باديتنا -سفيرنا في البادية- ونحن حاضرته -نحن سُفراؤه بالمدينة المنورة-))، كم هذه الكلمة جميلة، كم هذه العبارة جميلة، كم فيها من الدلال من سيدنا رسول الله لهذا الصحابي، كم فيها من جبر الخاطر؟ ((زاهر باديتنا ونحن حاضرته))، يقول سيدنا أنس: فكان زاهر في السوق يَبيع مَتاعاً له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه من خلفه، وفي رواية ابن حبان: أنه أغمض عينيه من وراءه، يُمازحه سيدنا الرسول من وراءه، والرواية الثانية تقول: احتضنه، فقال زاهر: مَن هذا؟ أرسلني أرسلني، يعني اتركني، تعرفون دعاء قبل النوم: ((اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))، ما معنى أرسلتها؟ تركتها، يعني فالإرسال هو الترك، قال: مَن هذا؟ أرسلني، أي اتركني، قال: فالتفت زاهر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم، فاحتضنه، سيدنا أنس يقول: فجعل لا يألُ ما ألزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، كم فرح بذلك؟ قال: فجعل رسول الله يَقف في السوق أمام الناس فيقول: مَن يَشتري مني هذا العبد؟ أي سيدنا زاهر، هو ليس بعبد، هو حر، مَن يشتري مني هذا العبد؟ مَن يشتري مني هذا العبد؟ فلم يُجب أحد، فقال له سيدنا زاهر: يا رسول الله، إذاً تجدني كاسداً، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لكن عند الله لست بكاسد، أنت غالٍ))، وفي رواية ابن حبان: ((أنت عند الله رابح))، لأن الشكل ليس كل شيء، هناك الأخلاق والتعامل فيما بينك وبين الله، حُسن صلتك بالله، وحسن صلة العبد مع العبد، كيف تتعامل مع الناس.

رسول الله إذاً كم مَازح هذا الرجل، قال: ((زاهر باديتنا ونحن حاضرته))، وكان رسول الله يحبه، ويتبادلان الهدية، ويأتي إلى السوق فيقف خلفه ويُغمض له عينيه، ويقول: ((من يشتري مني هذا العبد)) في السوق، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، صلوا على رسول الله.

الحادثة الثالثة نختم بها هذه الخطبة: أخرج الترمذي في سننه، عن سيدنا الحسن -وهذا الحديث يُروى موقوفاً ومرفوعاً إلى السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها- قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا رسول الله، ادع الله أن يُدخلني الجنة، فقال لها عليه الصلاة والسلام: ((إن الجنة لا تَدخلها عجوز))، قال: فَوَلَّت وهي تبكي، قد يقول قائل: سيدنا الرسول كيف يتركها تبكي هكذا؟ قال: لأن الإنسان إذا جاءه خبر يبكيه وبعد قليل جاءه خبر يُفرحه يكون هذا البكاء مِن أجمل البكاء الذي بكاه في حياته، قال: فَوَلَّت وهي تبكي، فقال لهم رسول الله: ((أخبروها أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: ) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ([الواقعة: 35-38]))، قال عليه الصلاة والسلام: ((أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز)) تدخلها وهي يعني بكر شابة صبية.

نعم فرسول الله مزح ولكن لم يقل إلا حقاً، مَن يشتري مني هذا العبد، سيدنا زاهر هو عبد لله، فكان يمزح ولا يقول إلا حقاً، لا تدخل الجنة عجوز، صحيح لأنها سوف تدخلها بكراً شابة صبية.

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، ما هبت النسائم، وما لاحت على الأيك الحمائم.

للحديث تتمة في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى, استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 934
تحميل ملفات
فيديو مصور