الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-01-18 الساعة 14:22:30
رحمة الإسلام بالمخطئين والمذنبين
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 15 من ربيع الآخر 1438 هـ - 13 من كانون الثاني 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلَهِي لا تُعَذِّبنِي فَإِنِّي
وَمَا لي حِيلَةٌ إِلا رَجَائِي
وَكَمْ مِن زَلَّةِ لِذِي الخَطَايَا
إِذَا فَكَّرتُ في نَدَمِي عَلَيهَا
أَهِيمُ بِزَهرَةِ الدُّنيَا فُتُوناً
وَلَو أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهدَ فِيهَا
يَظُنُّ النَّاسُ بِي خَيرَاً وَإِنِّي

 

مُقِرٌّ بِالذِي قَدْ كَانَ مِنِّي
لِعَفوِكَ إِنْ عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنِّي
وَأَنْتَ عَلَيَّ ذُو فَضلٍ وَمَنِّ
عَضَضْتُ أَنَامِلِي وَقَعَرْتُ سِنِّي
وَأَقْطَعُ طُولَ عُمرِي بِالتَّمَنِّي
قَلَبْتُ بِأَهلِهَا ظَهرَ الْمِجَنِّ
لَشَرُّ الخَلقِ إِنْ لم تَعْفُ عَنِّي

اللهم اعف عنا يا عفو، واغفر لنا يا غفار، وقنا عذاب النار.

اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما لا أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

أعذني ربي من حَصَر وعيٍّ

 

ومن نفس أعالجها علاجاً

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: فما زلنا وإياكم في الحديث عن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكيف أن هذه الأمة العربية والإسلامية مُقصرة اتجاه هذا النبي العظيم صلوات ربي وسلامه عليه، مُقصرة في معرفة صفاته وأخلاقه وشمائله، مُقصرة في معرفة الحوادث والوقائع اليومية التي كانت تجري معه، بينه وبين أسرته، بينه وبين آل بيته، بينه وبين أصحابه، يَحرص كثير من الناس على تدريس السيرة النبوية، ويَأخذون منها فقهها، فأُلفت كتب كثيرة في فقه السيرة النبوية، مَا هي الأحكام الشرعية، وما هي الاستنباطات المستخرجة من هذه الحادثة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا ما يُسمى بفقه السيرة، ما هي الأمور التي يمكن أن نستخلصها من هذه الواقعة، وكثير من الناس عندما يُدرسون السيرة النبوية يُعنون بالمغازي والسرايا، بغزوات النبي صلى الله عليه وسلم، والسرايا جمع سرية التي كان يُرسلها، بغزوة بدر، وغزوة أحد، وغزوة الخندق، وغزوة حنين، وفتح مكة، وغزوة العسرة، إلى غير ذلك، وهذا كله أمر عظيم يجب أن نتعلمه، يجب أن نتعلمه، لا تفلح أمة جهلت رسولها، ولكن أُريد أن أعلق على ذلك بالتعليق الذي ذكره أحد الدعاة إلى الله عز وجل، وهو من كبار الدعاة، يقول: (إن هذه الأشياء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تَستغرق 5% فقط) الغزوات والحروب والسرايا والأمور العسكرية 5% من سيرته صلى الله عليه وسلم، و95% فيما عَدا الشؤون العسكرية، فنحن أهملنا 95% وعُنينا بـ 5%، ففهم الناس أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلّها غزوات وحروب وشؤون عسكرية، والواقع أنَّ 95% مِن حياة رسول الله مِن عمر الرسالة مِن البعثة على رأس الأربعين إلى الانتقال إلى الرفيق الأعلى في الثالثة والستين تُشكل هذه 5% مِن حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلمنا عن رحمة هذا النبي العظيم، وعن الأمور التي نجهلها كثيراً في حياتنا اليومية، والتي يَجب أن نُعنى وأن نَهتم بها، فنبي الرحمة تسمية نبوية، هو القائل عن نفسه صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم، عن أبي موسى الأشعري: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفي -أي خاتم النبيين- والحاشر -الذي يسوق الناس إلى المحشر- ونبي التوبة، ونبي الرحمة))، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا رحمة مهداة))، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((بعثت رحمة مهداة))، وقبل كل هذا كلام ربنا يَصدَحُ في كتابه: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107]، فينبغي أن ندرك هذه الأمور لننقلها لأبنائنا، لِنَحفظها نحن لِنُحفظها لأبنائنا، ثم لتنقلب واقعاً عملياً سلوكياً في حياتنا اليومية، ثم لننقلها لغير المسلمين، لغير العرب، الذين يجهلون من هو محمد صلى الله عليه وسلم.

فرسول الله نهى عن قتل النمل والنحل، ونهى عن قتل الصرد، وهو اسم لطائر عظيم الرأس يُقال: إنه أول طائر صام لله تعالى، ونهى عن قتل الضِّفدع فإن نقيقها تسبيح، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الهدهد، ومر على قرية نمل حُرقت، فانزعج وغضب، ((مَن حرق هذه)) نحن يا رسول الله، ((لا ينبغي أن يَحرق بالنار إلا رب النار))، وأخذ الصحابة فرخي عصفور صَغير مِن حُمَّرة، -من عصفور- فجاء رسول الله ورآها تَفرش وتُرفرف بجناحيها، وهي تبحث عن فرخيها، فقال: ((مَن فجع -انظر إلى كلمة (فجع) الفاجعة- مَن فجع هذه بفرخيها أو بولدها، ردوا إليها ولدها))، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً لواحد من الأنصار، فوجد جَملاً لما رأى رسول الله ذَرفت عيناه، فجاء رسول الله ومَسح على ذِفراه، أي مؤخر رأسه، ثم سأل عن صاحب الجمل، فقال: أنا، قال: ((ألا تتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكى لي أنك تجيعه وتدئبه))، وذلك الجَمل الذِي عِندما خَرج رسول الله من المسجد وجده مُناخاً على باب المسجد، لما رجع من آخر النهار وجده في نفس المكان في حر الظهيرة، الحرارة خمسين، والجمل في مكانه ليس أمامه طعام ولا شراب ولا ظل يستظل به، ((مَن صاحب هذا الجمل))؟! فابتغي فلم يوجد، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا تتقوا الله في هذه البهائم؟! اتقوا الله في هذه البهائم، اركبوها صحاحاً وكلوها ثماناً))، وذَلك الرجل الذي أضجع الشاة لِيذبحها، وبدأ يحد شفرته أمام عيني هذه الشاة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا تتق الله، أَتُريد أن تُميتها موتات؟! هَلَّا حددت شفرتك قبل أن تُضجعها))؟!.

رَسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم يَخاف على شعور جمل، على شعور شاة، فَكيف برحمته بابن آدم؟! كيف برحمته بالمؤمنين صلى الله عليه وسلم؟! هذا ما ينبغي أن ننقله للآخرين.

ولقد رأيت عنواناً لأحد من كتب في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، عنوانٌ مُلفتٌ للنظر، هذا العنوان عنونه قال: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، ورفقه بالمخطئين والمذنبين، رَحمته ورفقه بالمخطئين والمذنبين، إنسان مذنب، إنسان مرتكب معصية، مرتكب مخالفة شرعية، رسول الله يرحمه ويرفق به؟ قال: نعم، كيف تظن أن رسول الله ينظر إلى هؤلاء المذنبين والمخطئين والمقصرين؟ كيف تظن نظرته إليهم؟ طيب كيف وجهنا نحن أن نتعامل مع المخطئين والمذنبين والمقصرين؟ كَيف؟ بشدة؟ بالغلظة؟ أَعوذ بالله، أنت إنسان مذنب، أنت إنسان فاسق، هكذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

لن أجيب عن هذا السؤال، ولكن سأترك سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم مِن خلال هذه الوقائع التي أذكرها لكم، سنأخذ الجواب من هذه الوقائع.

مُذنب مقصر بعيد عن الله، مرتكب لمعصية كبيرة كانت المعصية أو صغيرة، يرؤف النبي صلى الله عليه وسلم بحاله، كيف تعامل معه؟ كيف يرحم هذا الإنسان؟.

يقول سيدنا أبو هريرة -والحديث في صحيح البخاري-: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر، فقال عليه الصلاة والسلام: ((اضربوه))، فيقول سيدنا أبو هريرة: فَمِنَّا الضارب بيده، وَمِنَّا الضارب بنعله، وَمِنَّا الضارب بثوبه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبض إلى الرفيق الأعلى ولم يذكر حَدَّاً للخمر، لكن حصل الإجماع بعد ذلك، وتعرفون قول سيدنا علي كرم الله وجهه، عندما سُئل عن ذلك قال: (إذا شرب هَذَى -يتكلم بكلام لا يدركه- وإذا هَذَى افترى -يرمي المحصنات المؤمنات، يقول عن فلانة: زانية وهي ليست بزانية- وَحَدُّ المفتري ثمانون جلدة)، فصار حَدُّ الخمر ثمانين جلدة، لكن قبل ذلك لم يكن هناك حَدّ، يقول: فَمِنَّا الضارب بيده، وَمِنَّا الضارب بنعله، وَمِنَّا الضارب بثوبه، فلما انصرف هذا الرجل قال بعض القوم: (أخزاك الله، أخزاك الله)، أي أدخل الله عليك الخزي والعار، فَغَضِبَ النَّبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان)) هُنا انتهت رواية البخاري، وعند الإمام أحمد في مسنده زيادة: ((لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: رحمك الله)) بدال أخزاك الله رحمك الله، غفر الله لك ورحمك، هكذا تصرف مع المذنبين المخطئين، وهذه هي رحمته بالمخطئين ورفقه بالمذنبين.

الحديث الثاني: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن سيدنا أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه يقول: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، في مسجد النبي ومعه أصحابه، هذا الشاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إيذن لي بالزنا، إيذن لي بالزنا) إيذن يعني إأذن، لكن إذا بُدأت بها لا تُلفظ الهمزة، تقول: إيذن، إأذن، خطأ مِن البداية بها، (إيذن لي بالزنا)، فقام الناس إليه ليضربوه، فزجروه وهموا به، في الجامع في بيت الله، مع سيدنا الرسول والصحابة كلهم قاعدون، وجاء هذا بكل هذه الجرأة؟ تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (إيذن لي بالزنا)، أعطيني إذناً، فأقبل عليه القوم فزجروه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مه -اتركوه- اكفُفُوا عنه)) يعني كُفُّوا عنه، وقال لهذا الشاب: ((ادنه)) ادنو، والهاء هاه السكت، فدنا، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((اجلس))، فجلس، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أتحبه لأمك))؟ فقال هذا الرجل: لا والله جُعلت فداك يا رسول الله، وفي رواية: فداك أبي وأمي يا رسول الله، لا والله لا أرضاه لأمي، انظر ماذا عَلَّق شُراح الحديث عند قول هذا الشاب: (فداك أبي وأمي يا رسول الله) قال: رغم كُلِّ حُبِّه لهذه المعصية وتعلقه بها، ويَطلب الإذن بها، لكن انظر إلى مكانة الله ورسوله في قلب هذا الشاب المؤمن، انظر إلى قلبه، يقول لرسول الله: فداك أبي وأمي يا رسول الله، يَفدي رسول الله بأبيه وأمه، إذاً كم يحب رسول الله هذا الشاب الذي يقول هذه الكلمات؟! (لا، فداك أبي وأمي يا رسول الله)، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أترضاه لأختك))، قال: (لا فداك أبي وأمي يا رسول الله)، قال: ((أترضاه لعمتك لخالتك))، وهو يقول ذلك الشاب: (لا والله فداك أبي وأمي يا رسول الله)، يقول راوي الحديث: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه على صدره، وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه))، يقول الصحابة: فلم يكن ذلك الفتى بعد هذا يَلتفت إلى شيء، يعني إلى شيء من الزنا أو المخالفات الشرعية، كَيف عَالج النبي صلى الله عليه وسلم؟ أولاً: لا يجوز لنا بنص كتبنا أن نَسُبَّ أصحاب المعاصي، منصوص في الفقه، ولكن ندعو لهم بالهداية، ثانياً: لا يجوز أن تَعتبر نفسك أفضل الناس، بل اتهم نفسك، وإذا عافاك الله مِن معصية فقل: ((الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً مِن خلقه وفضلني على كثير من الناس تفضيلاً))، هذا نَص كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى واحد منا مبتلى، ثم بعد ذلك التعليم للجاهل والحوار، ليس الموضوع سب وشتم، ليس الموضوع عنف وقسوة، قال له صلى الله عليه وسلم: ((ادنه))، فدنا، قال: ((اجلس))، فجلس، لأنه عندما هَبَّ إليه القوم لِيَضربوه أُرعب هذا الشاب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هَدَّأَ مِن روعه، ثم حاوره، وظهرت المحبة على لسان ذلك الشاب: (فداك أبي وأمي يا رسول الله)، ثم أقنعه بالحوار العقلي، (أترضاه لأمك، أترضاه لأختك)، وبعد الحوار العقلي الدعاء، لاحظ المراحل، الدعاء نهاية: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه)) إذاً أمرنا أن ندعو لأهل البلاء وأهل الابتلاء، هكذا هي رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمذنبين.

الحوادث والأحاديث كثيرة، نُرجِئُها إلى الخطبة القادمة، أختم بهذه الحادثة:

البخاري ومسلم في صحيحيهما أخرجا، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: بينا نَحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، إذ جاء أعرابي وقال: (يا رسول الله هلكت)، قال: (وقعت على امرأتي في رمضان)، وأنتم تعلمون أن هذا الأمر يُفسد الصوم وتجب به الكفارة، كفارة الصيام: إعتاق رقبة، والذي ليس عنده رقبة وحصل لقاء بينه وبين زوجته -لقاء كامل- يَصوم شهرين متتابعين ليس بينهما عيد لا عيد فطر ولا عيد أضحى، وإذا أفطر يوماً واحداً يعيد الستين مِن أولها، فإن كان لا يَستطيع الصيام يُطعم إذا كان لا يستطيع، وليس يطعم لأنه لا يريد الصوم، ربنا عز وجل جعل الصوم كفارة حتى لا يعود الإنسان مرة تانية، يُطعم ستين مسكيناً إذا كان لا يستطيع الصوم، فهذا الأمر في رمضان والناس صائمون، هذه معصية ومخالفة شرعية، (يا رسول الله هلكت)، ((ما صنعت))؟ قال: (وقعت على امرأتي وأنا صائم)، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أعتق رقبة))، وفي رواية: ((هل تجد ما تُعتق به رقبة))؟ قال: (لا والله يا رسول الله ما أجد ما أعتق به رقبة)، قال: ((صُم شهرين متتابعين))، قال: (يا رسول الله، وهل أوقعني بذلك إلا الصيام)! فقال صلى الله عليه وسلم: ((أطعم ستين مسكيناً))، فقال هذا الرجل: (والله يا رسول الله لا أَجد ما أُطعم به ستين مسكيناً)، يقول سيدنا أبو هريرة: فلبث الرجل غير بعيد، جلس بجانب المسجد، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه بعرق من تمر، والبعض صَحَّفَ هذا الحديث بِعِذق مِن تمر، وهذا تصحيف، والحديث: (بِعَرَقٍ)، والعرق هو الوعاء المصنوع من القش، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: ((أين ذلك الرجل)) الأعرابي الذي كان يَسألني قبل قليل، أين ذلك الرجل؟ فجاء هذا الرجل، كان في المسجد، قال: ((خُذْ هذا فتصدق به))، فقال: (على أفقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني)، يقول سيدنا أبو هريرة: فَضَحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال: ((خُذه وأطعمه أهلك))، وفي رواية: ((ولا تجزئ أحداً بعدك))، قال شراح الحديث: إنما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لهذا الأعرابي لِعِلمه بصدق توبته، ولعلمه بصدق ندمه، فرأى رسول الله أن توبته حقيقية وأن ندمه حقيقي، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((خذه فأطعمه أهلك))، تساهل معه النبي صلى الله عليه وسلم، ((ولا تجزئ أحداً بعدك)).

أيها الإخوة الكرام: هذا رجل قصر وارتكب ذنباً، وهكذا تعامل معه النبي صلى الله عليه وسلم، إنها ليست دعوة إلى التساهل في المعاصي، إنها ليست دعوة لفعل الكبائر والصغائر، ثم بعد ذلك نقول الله عز وجل غفور رحيم، فهذا صدق الله غفور رحيم، ولكن اعلم أن عذاب الله شديد، )غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ( [غافر: 3]، المؤمن يَعيش بين الترغيب والترهيب، يعيش بين التفاؤل والخوف من الله سبحانه وتعالى، المؤمن يَعيش دائماً بين الرجاء بعفو الله ورحمته والخوف من عقابه، وربما يكون العقاب في الدنيا قبل أن يكون العقاب في الآخرة، ربما يكون العقاب تراه في أسرتك قبل أن يكون يوم القيامة، ويكون السبب ذنباً كبيراً فعلته، ورب العزة والجلال لا أكرم منه، وهو القائل )وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ([الأعراف: 156]، إذاً هي ليست دعوة إلى التساهل بالمعاصي والآثام، ما يَهمنا هو هذا العنوان الجميل: رحمته صلى الله عليه وسلم ورفقه مع المخطئين والمذنبين، ما يَهمنا كيف نتعامل مع أهل الابتلاء.

هذه الأشياء نجهلها في سيرة رسول الله، في شمائل رسول الله، في أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى هذا الصنف من الناس البعيد عن الله يَجب أن تكون رحيماً به، لماذا؟ الجواب: لأنك طبيباً ولست جراحاً، أيها الناصح الذي ينصح، أنت طبيباً ولست جراحاً، إنما أنت ناصح ولست فاضحاً، إنما أنت ميسر ولست معسراً.

لذلك أيها الإخوة، الإنسان المؤمن دائماً إذا رأى أهل المعاصي والمخالفات الشرعية، ماذا يقول؟ ماذا علمنا رسول الله؟ أو إنسان مبتلى في جسده بمحنة ماذا يقول؟ ((الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى كثيراً من خلقه وفضلني على كثير من الناس تفضيلاً))، وتسأل الله لنفسك السلامة من هذا الابتلاء، من هذه المعاصي والآثام، وتدعو لصاحب الإثم وصاحب المعصية.

الحديث له تتمة نتركها إن شاء الله تعالى إلى الأسبوع القادم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 2065
تحميل ملفات
فيديو مصور