بتاريخ: 30 من ذي القعدة 1437 هـ - 2 من أيلول 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ( [الشورى: 14].
ورد في الحديث الذي رواه ابن ماجه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سلوا الله علماً نافعاً، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع)).
معاشر السادة: إن الطريقة التي يواجه بها المسلمون الحياة تحتوي على أغلاط كثيرة، ومرد ذلك إما إلى جهلهم بأمور كان يجب أن يحيطوا بها علماً، وإما إلى علمهم بأمور على غير وجهها الصحيح، والثقافةُ التقليدية مسؤولة عن ذلك القصور السائد، لأنها تحتاج إلى عناصر لا بد منها لِتكوين الغذاء العقلي المطلوب للجماهير، ولأن ما بها من حقائق ما زال يُعرض العرض المنفر أو يُفسر التفسير النَّاقص، وذلكم هو السِّرُّ الأول في تخلف العالم الإسلامي والعربي خلال العصور الأخيرة تخلفاً جعل الأوربيين منذ عصر الإحياء ينفردون تقريباً بقيادة القارات الخمس، وانحطاطُ التعليم هو المسؤول عن تكوين أجيال ضيقة الأفق بينة القصور، لا تتقدم بها دنيا ولا ينتصر بها دين.
ونريد أن نلفت النظر إلى أن القرون الأولى للإسلام كانت مَليئة بالخير والذكاء والنشاط، وأن شكوانا تنصب في جملتها على عصور الجمود والكسل العقلي والسماح للبدع والخرافات بالتعشيش في أرجاء المجتمع وكأنها دين قويم وصراط مستقيم.
إن الانطلاقة العسكرية الكبرى للإسلام والانطلاقة الحضارية الأكبر لأمته كانت من ورائها ثقافة خلاقة للحياة والقوة للإيمان والخلق للإبداع والإجادة، هذه الثقافة التي انبجست من الكتاب والسنة هي التي جعلت الرعيل الأول يشرفون على الدنيا من علو، لا إشراف القوي على الضعاف المقهورين، ولكن إشراف المعلم على التلامذة الناشئين، وإشراف الإمام الموجه على الحيارى الراكدين.
وقد ظلت الثقافة الإسلامية والعربية أمداً ليس بالقصير وهي أجدر ثقافات العالم بالإقبال والحفاوة، وأقدرها على التحديث والتطوير مهما تغايرت الأزمنة، ثم فقد المسلمون خصائص التحليق، فأخذوا يهبطون رويداً رويداً، ومنذ مئات السنين وهم يدبون على الثرى، على حين شرع غيرهم يصعد ويعلو ويسبق، والأمة العربية والإسلامية بحاجة اليوم إلى جهاد نفسي واجتماعي وعسكري يستفرغ الطاقات ويستنفذ الأعمار.
وعلينا أن ندرك أن كل معرفة تلقي بين أيدي الناس شعاعاً يُضيء الطريق ويكشف الغاية ينبغي أن نحتضنها وننميها، لأنها جزء من الفطرة التي بُعثنا بها والهداية التي ننشدها للعالمين.
وعلينا أن ندرك أن الهزائم التي مني بها الإسلام في ميدان الثقافة والتعليم كانت أنكى من الهزائم التي مني بها في ميدان السياسة والحرب، بل قد تكون هذه راجعة إلى تلك، ولم تنحدر أحوال المسلمين المادية والأدبية إلا في العصور التي انحطت فيها الثقافة الإسلامية واستعجمت فيها هذا الدين.
إن التربية الفاسدة والثقافة المغشوشة لهما أثر عميق في هذا التبلد السائد، وكل تربية تُقاوم الفطرة وتُشوه الأجهزة الإنسانية الأصيلة فهي خصم للإنسان، وكل ثقافة تحجب البصيرة وتقوم على التجهيل بالكون والحياة فهي خَصم للإسلام، وقد وجد في عصور شتى من ادعى العلم بالإسلام، ومع ادعائه العريض أنشأ أجيالاً مُنسحبة من الحياة، معصوبة العينين أمام آيات الله في ملكوته، معطوبة الخواص الدافعة إلى الترقي والتوسع والاكتشاف، ما أبعد الإسلام عن هؤلاء الناس، وما أبعد هؤلاء الناس عن كتاب يقول عن خصومه: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].
فهل قال الإسلام للعرب: ارعوا أغنامكم فوق مناجم النفط، ولا تفكروا فيما تحتها، ولا تستخرجوا قطرة منها؟! وهل قال الإسلام للعرب: ازرعوا القطن والكتان، ولا تحسنوا إنشاء مصانع الغزل والنسيج؟! وهل قال الإسلام للعرب: قفوا على الشواطئ وارمقوا الجوارِ في البحر كالأعلام، يصنعها غيركم وتعجزون أنتم عن ركوبها إلا متى يشاء؟! لا، بل دعا الإسلام العرب والمسلمين إلى التفكر والتدبر والبحث والاكتشاف والمعرفة والاختراع.
ألم يخاطب الله المؤمنين بقوله: ﴿وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُم﴾ [الأنفال: 60]، ألم يخاطب الله العرب جميعاً بقوله: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: 17-20]، وتأمل في كلمة كيف، إن كيف هذه من مفاتيح الحقيقة في علوم الكون والحياة، وهي كذلك من مفاتيح اليقين في معرفة الله وإجلاله وخوفه ورجائه، فالإسلام يَرفض كل شيء يحجر على حركة العقل أو يحد من نشاط العمل.
إن الانهيار الحضاري في الأمة العربية والإسلامية جاء وَليد تخلفٍ عقلي اجتاح أرجاءها بَعد خيانات علمية وتربوية واجتماعية وسياسية، شملتها من القمة إلى القاع، وجعلت الإسلام فيها أثراً بعد عين، ولو أن ما يجيئنا من الغرب هو العلم وحده لعددنا مَن يعترض طريقه خائناً.
إن التقدم العلمي ما يجيئنا إلا النَّذر اليسير، أما الطفح الحيواني والشتات الاجتماعي فسيل دافق، وهنا مكمن الخطر، ونحن نعرف -يا سادة- ونحن نعرف من أبناء أمتنا مَن تفوق في علم الذرة فقتله اليهود قبل أن يَجيئ إلينا، ومن بقي في بلاد الغرب فقد كان بقاؤه عن طريق شراء العقول مهما غلا السعر.
المأساة التي نشكو منها أن القوى المعادية للعروبة والإسلام استغلت التفوق الحضاري الحديث كي تنال منا أو تجهز علينا، وكما عمل الغرب جاهداً على شراء العقول الذكية عمل أيضاً جاهداً على شراء العقول الغبية، وذلك من خلال الغزو الثقافي، ولكن كيف نجح الغزو الثقافي الأجنبي في صياغة الأجيال الجديدة على هذا النحو الشائه، وكيف أمكنه إخفاء معالم الإسلام وتجهيل بَنِيهِ فيه.
إن ما يقع الآن هو نتيجة تربيات، هو نتيجة ثقافات فاسدة وتربيات سيئة وسياسات خائنة، يلعن الإسلام أصحابها ويقصيهم عنه، نعم منذ قرنين كانت أوربا تفرض سيادتها العسكرية والسياسية على العالم، وقد استغلت الفوضى الضاربة في أرجاء العالم الإسلامي والعربي، فكسبت من الحروب الباردة أضعاف ما تكسب من الحروب الساخنة، ورسمت خططها انتبه -أيها المسلم، أيها العربي- ورسمت خططها كي تصرف المسلمين بالعنف أو بالحيلة عن عقائدهم وشرائعهم وأخلاقهم ولغتهم العربية وآدابها، ووكلت إلى زبانية الغزو الثقافي أن يحققوا أضعاف ما يُحققه التفوق العسكري والصناعي.
إن ما يسمى بالإسلام السياسي هو نتاج العزو الثقافي الذي وُلد من رحم الوهابية والإخوان، والجماعاتُ الدينية التي أنشأتها أمريكا وأشرفت على رعايتها الماسونية العالمية وألبستها جلباب الإسلام السياسي كانت مع الأسف الطريق الأقصر لتنفير الإنسانية جمعاء من الإسلام الذي ارتضاه الله الدين لعباده.
إن هذا اللون من الفكر الملوث يأتي على العروبة والإسلام من القواعد، وقد انتشر مع الأسف في ميادين الدعوة وعلى منابر الإعلام كثيرون، يَحملون في عقولهم جراثيم الغزو الثقافي، مما جعل حماة العروبة والإسلام يشعرون بالقلق في الوقت الذي تقر به عين الغرب.
وعلى العرب والمسلمين أن يحذروا عدوهم القديم في ثيابه الجديدة، إنها نزعات ضد الحضارة وضد الإسلام وضد الإنسانية، والطفيليات من الحقول يجب أن تُجتث وتُستأصل.
معاشر السادة: تستعد الجامعات والمعاهد والمدارس في الجمهورية العربية السورية لاستقبال أبنائها الطلاب، وهذا الوطن هو وطن العلم، وطن الأخلاق، وطن القيم، هذا الوطن الذي خَرَّج العباقرة، خَرَّج المفكرين، خَرَّج الأطباء الكبار، خَرَّج المهندسين العظماء، خَرَّج المحامين القديرين، وخَرَّج وخَرَّج وخَرَّج، ونحن اليوم واجب علينا جميعاً أن نُيسر أسباب التعليم لكل طالب على أرض هذا الوطن، كم تشعر بالحزن والأسى والحسرة عندما تجد ما يُقارب نصف مليون طفل أو طالب لم يَستطيعوا حتى اليوم مُنذ أن ضَرب الإرهاب أمننا واستقرارنا لم يَستطيعوا حتى اليوم أن يَطرقوا أبواب العلم وأبواب مدارسهم، والمناطق الساخنة التي يُسيطر عليها الوهابيون المارقون، والتي يسيطر عليها خُدام نتنياهو وأوباما، يَزرعون في عقول أبنائنا يا سوريون، يَزرعون في عقول أبنائنا وفي رؤوسهم وفي نفوسهم مع تَشويه فِطرتهم الأفكارَ التي ورثوها من سجن أبو غريب ومِن سجن غوانتنامو.
انتبهوا أيها السوريون، المستقبل أمامنا خطير، وأقصد بكلمة خطير أن المسؤولية كبيرة على عاتق المعلم والعالم والداعية والمربي، لأن هذه الأفكار التي لُوثت مع الأسف أَصبحت تلك العقول عقول الأطفال تحمل فيه تحمل في نفوسها وفي عقولها وفي فطرتها ثقافة القتل، ألم تروا منذ أيام قليلة ذاك الفيديو الذي نشره داعش، كيف قام الأطفال دون سن الخامسة عشر، كيف قام الأطفال بتصفية أولئك الأبرياء الذين يحبون بلادهم وأوطانهم، أولئك الأبرياء الذين لم يَخنعوا ولم يركعوا لا لداعش ولا لفاحش، هذه الثقافة التي يَتربى عليها الأطفال اليوم في المناطق الساخنة خطيرة يا سادة، وعلينا أن نكون حذرين منها، وعلينا أن نواجهها بعنف، علينا أن نقف إلى جانب هذه الأفكار الوخيمة بكل حزم وإرادة، حتى نحن نزرع في نفوس أبنائنا ثقافة المحبة، ثقافة التراحم، ثقافة التسامح، ثقافة الأخوة، ثقافة محبة الوطن، ثقافة محبة أبناء الدم الواحد.
من هذا الليبي الذي جاءنا من ليبيا وترك بلده تحت العدوان، من هذا الليبي الذي جاءنا ليعلم أبناءنا ثقافة القتل، تاريخه تاريخ مخدرات، تاريخ تجارة السلاح، تاريخ كبائر، تاريخ فواحش، جاءنا إلى هنا ليعلم أطفالنا ثقافة القتل والخراب والدمار، من هذا السعودي المرتزق الصهيوني كعبد الله المحيسني في إدلب، الذي يتبجح أنه يُريد أن يصلي في المسجد الأموي في حلب، ويأتي في طريقه إلى دمشق ليصلي هنا في هذا المسجد المبارك، نقول لهذا الصعلوك: إذا كان سيدك أردوغان الوقح لم يَجرؤ ولم يستطع أن يأتي ولا أوباما أيضاً إلى قلب العروبة الإسلام دمشق، فمن أنت؟ وإذا أردت أن تأتي وعَزمت على ذلك ستجد البوط العسكري يصفع وجهك، ستجد بندقية رجال الله رجال الجيش العربي السوري تَدُكُّ عنقك، فنحن في هذا الوطن نَبني وطننا بالعلم، نَبني حياتنا بالأخلاق والقيم، ونعلم العالم كما علمناه سابقاً أن سوريا كانت مهد العلم، مهد الحضارات ومهد الرسالات، وستبقى دائماً وأبداً تحمل للأطفال وللمستقبل وللإنسانية العلم والهدى والنور والإخاء والمحبة.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك, اللهم إنا نسألك أن تنصر الجيش العربي السوري، وأن تكون له معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تُثبت الأرض تحت أقدامهم, وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تكون لهم معيناً وناصراً يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والمعلم الأول بَشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.