الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2016-08-16 الساعة 15:21:51
الدعــــاء
أ.د علي جمعة

حثنا ربنا سبحانه وتعالى على اللجوء إليه ودعاءه في الشدة والرخاء، وأخبرنا بأنه سبحانه قريب مجيب، وطلب منا أن نكون مخلصين له في الدعاء وأن ندعوه خوفا وطمعا، وتضرعا وخفية، ودلنا على مفاتيح الدعاء وهي أسماءه الحسنى، كل ذلك ورد إلينا عبر نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فمن القرآن ما يلي :

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة :186].  وقال تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف :29]. وقال سبحانه: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف :55]. وقال عز وجل: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف :56] وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف :180]. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَئَابِ﴾ [الرعد :36]. وقال سبحانه: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى﴾ [الإسراء :110]. وكذلك قوله: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ [غافر :14]. وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر :60]. وقوله عز وجل:  ﴿هُوَ الحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [غافر :65].

وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته بأن الله سبحانه يستحي أن يرد العبد خائبا بدعائه، وأن الدعاء من أكرم العبادات عليه سبحانه، وأنه تعالى يستجيب الدعاء، وأنه يحب أن يسأل، وذلك في مجموعة من الأحاديث نذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين» [رواه أبو داود، وابن حبان]. وقال صلى الله عليه وسلم  : « ليس شيء  أكرم على الله عز وجل من الدعاء » [رواه أحمد]، وقال صلى الله عليه وسلم  : « ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم » [أخرجه الحاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط]، وقال صلى الله عليه وسلم  : « سلوا الله تعالى من فضله, فإنه تعالى يحب أن يسأل, وأفضل العبادة انتظار الفرج » [رواه الترمذي، والطبراني في الكبير]. وقوله صلى الله عليه وسلم : « إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي » [رواه أحمد والترمذي]

 

فما هو الدعاء؟ الدعاء في معناه اللغوي هو مصدر دعوت الله أدعوه دعاء ودعوى , أي ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير . وهو بمعنى النداء يقال : دعا الرجل دعوا ودعاء أي : ناداه , ودعوت فلانا صحت به واستدعيته , ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله . ودعا المؤذن الناس إلى الصلاة فهو داعي الله , والجمع : دعاة وداعون. ودعاه يدعوه دعاء ودعوى : أي : رغب إليه , ودعا زيدا : استعانه , ودعا إلى الأمر : ساقه إليه.

وهو أن تُميل الشيءَ إليك بصوت وكلام يكون منك، وأصله دعاوٌ؛ لأنه من دعوت, إلا أن الواو لما جاءت متطرّفة بعد الألف هُمزت، ثمّ أقيم هذا المصدر مقام الاسم ـ أي: أطلق على واحد الأدعية ـ، كما أقيم مصدر العدل مقامَ الاسم في قولهم: رجلٌ عدلٌ، ونظير هذا كثير 

أما معناه في اصطلاح أهل الشرع : هو الكلام الإنشائي الدال على الطلب مع الخضوع , ويسمى أيضا سؤالا. قال الخطابي: «معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه» [شأن الدعاء ص 4]

والدعاء مستحب في الأصل وقد يجب أحيانا، قال النووي : «إن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف أن الدعاء مستحب.

وقد يكون الدعاء واجبا كالدعاء الذي تضمنته سورة الفاتحة أثناء الصلاة. وكالدعاء الوارد في صلاة الجنازة, وكالدعاء في خطبة الجمعة عند بعض الفقهاء فهو حينئذ جزء من العبادة.

وللدعاء آداب ينبغي للمسلم أن يتحلى بها ويتحرى إصابتها ومنها : أن يكون مطعم المسلم ومسكنه وملبسه من حلال الرزق لا حرام فيه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم :

آداب الدعاء:

أ - أن يكون مطعم الداعي ومسكنه وملبسه وكل ما معه حلالا . بدليل ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس : إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا, وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فقال تعالى : ﴿يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا﴾  وقال تعالى :  ﴿يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم﴾،  ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء, يا رب, يا رب, ومطعمه حرام, ومشربه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام, فأنى يستجاب لذلك» [رواه مسلم في صحيحه]

ومن الآداب كذلك أن يتحرى المسلم الأزمان الفاضلة، والأماكن الفاضلة والأحوال الفاضلة في دعاءه فذلك أرجى للإجابة وأكثر بركة في الدعاء، ومن هذه الأزمان والأماكن والأحوال كدعاء ليلة القدر، وجوف الليل الآخر، ووقت السحر، ودبر الصلوات المكتوبات، وبين الأذان والإقامة، وعند الآذان،  عند نزول المطر، عند زحف الصفوف في سبيل الله، وساعة من يوم الجمعة وهي على الأرجح آخر ساعة من ساعات العصر قبل الغروب، وعند شرب ماء زمزم، وفي السجود في الصلاة، وعند صياح الديك، وبعد زوال الشمس قبل الظهر، والدعاء عند المريض، والدعاء بعد الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله علية وسلم، و عند دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، ودعاء يوم عرفه في عرفه، والدعاء في شهر رمضان، ودعاء المظلوم علي من ظلمه، دعاء الصائم حتي يفطر، ودعاء الصائم عند فطره، ودعاء المسافر، ودعاء المضطر، ودعاء الإمام العادل، والدعاء في الطواف وعلى الصفا وداخل الكعبة، والدعاء على المروة، والدعاء فيما بين الصفا والمروة، والدعاء في الوتر من ليالي العشرة الأواخر من رمضان، والدعاء في العشر الأول من ذي الحجة، والدعاء عند المشعر الحرام.

وذلك لكثير من الأدلة نذكر بعضها، كقوله صلى الله عليه وسلم :  «ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطي , من يستغفرني فأغفر له» [رواه البخاري ومسلم].

ولقوله صلى الله عليه وسلم : «تفتح أبواب السماء، ويستجاب دعاء المسلم، عند  إقامة الصلاة، وعند نزول الغيث، وعند زحف الصفوف، وعند رؤية الكعبة» [رواه الطبراني في الكبير] وروي عن أبير هريرة موقفا، وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة» [رواه أبو داود]. وقوله صلى الله عليه وسلم : «الصائم لا ترد دعوته» [رواه أحمد في مسنده] وقوله صلى الله عليه وسلم : «الإمام العادل لا ترد دعوته» [رواه أحمد في مسنده]

ومن آداب الدعاء كذلك أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بالدعاء، فروى أنس «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطي» [رواه البخاري ومسلم] ومن آداب الدعاء أن يمسح بيديه وجهه في آخر الدعاء. قال عمر رضي الله عنه : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه» [رواه الترمذي في سننه والحاكم في المستدرك.

ومن الآداب أن يتجنب رفع بصره إلى السماء، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : «لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم» [رواه النسائي في سننه

ومن الآداب أيضا إخفات الصوت في الدعاء والاعتدال بين المخافتة والجهر لقوله عز وجل : ﴿ ادعوا ربكم تضرعا وخفية﴾ [الأعراف :55] , ولما روي أن أبا موسى الأشعري قال : «قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر, وكبر الناس ورفعوا أصواتهم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس : اربعوا على أنفسكم, إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا, إنكم تدعون سميعا قريبا , والذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم» [رواه البخاري ومسلم]، وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا عليه السلام حيث قال : ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾ [مريم : 3].

ومن الآداب أن لا يتكلف السجع، فلا يهتم بشكل الدعاء والموسقى الصوتية فيه فهذا كل من الشكليات التي تذهب بحقيقة الدعاء، وذلك لما رود عن ابن عباس : «وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه , فإني عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون إلا ذلك» [رواه البخاري]

ومن الآداب كذلك أن يجزم المسلم في الدعاء ويوقن بالإجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت, اللهم ارحمني إن شئت, ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له» [رواه البخاري ومسلم] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء» [رواه ابن حبان في صحيحه] وقال صلى الله عليه وسلم : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة, واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل» [رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه].

وعن سفيان بن عيينة : «لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه, فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ ﴿قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين﴾.  ومن الآداب كذلك الإلحاح في الدعاء وتكراره ثلاثا، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا ثلاثا, وإذا سأل سأل ثلاثا» [رواه مسلم في صحيحه]

ومن الآداب كذلك أن لا يستبطئ الإجابة، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل, يقول قد دعوت فلم يستجب لي. فإذا دعوت فاسأل الله كثيرا فإنك تدعو كريما» [رواه البخاري ومسلم]

 ومن الآداب أن يفتتح الدعاء  بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لما ورد عن فضالة بن عبيد قال : «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم : «عجل هذا ثم دعاه, فقال له أو لغيره : «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثنا , ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء» [رواه أبو داود في سننه والترمذي في سننه والحاكم في المستدرك].

ومن الآداب كذلك جعل الثناء عليه سبحانه والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في آخر الدعاء وذلك لقوله تعالى ﴿وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ [يونس :10]، وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فتكون في أوسط الدعاء كذلك وفي آخره، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تجعلوني كقدح الراكب يجعل ماءه في قدحه  فإن احتاج إليه شربه, وإلا صبه, اجعلوني في أول كلامكم وأوسطه وآخره» [رواه البيهقي في شعب الإيمان].

وقد يتوهم بعض الناس التعارض بين نفاذ القدر والدعاء، فلا ينبغي للمسلم توهم التعارض بين نصوص الشرع الشريف، فالشرع جاء بحتمية الإيمان بالقدر، وجاء بالحث على الدعاء، وذلك لأن الدعاء عبادة لها أثرها العظيم، والقضاء أحد أركان الإيمان.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الدعاء  قط, فكم رفعت محنة بالدعاء, وكم من مصيبة أو كارثة كشفها الله بالدعاء، ومن ترك الدعاء فقد سد على نفسه أبوابا كثيرة من الخير.  وقد قال الغزالي في هذا الشأن : فإن قلت : فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له ؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء, فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة, كما أن الترس سبب لرد السهام, والماء سبب لخروج النبات من الأرض, فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان, فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان. وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى ألا يحمل السلاح.

فإذا فهم المسلم عن الله تلك الدقائق وتحرى آداب الدعاء وصدق في اللجوء إلى الله، قبله الله واستجاب له دعاءه، نسأل الله أن يستجيب لنا وأن يقبلنا..

 

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1510

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *