الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2013-08-05 الساعة 12:01:16
صالح العمل بعد رمضان
الشيخ مأمون المغربي

وداع رمضان

كُنَّا بِالأَمسِ القَرِيبِ نَتَرَقَّبُ هِلَالَ شَهرِ رَمَضَان ، وَنُعِدُّ أَنفُسَنَا لاستِقبَالِه وَالاشتِغَالِ بِطَاعَاتِه ، وَهَا نَحنُ نُوَدِّعُ شَهرَاً عَظِيمَاً وَمَوسِمَاً كَرِيمَاً ، تَحزَنُ لِفِرَاقِهِ القُلُوبُ الْمُؤمِنَة ، وَتَتَأَلَّمُ لِوَدَاعِهِ الأَنفُسُ الْمُطمَئِنَّة .

كُنَّا بِالأَمسِ القَرِيبِ نَتَلَقَّى التَّهَانِي بِقُدُومِهِ وَنَسأَلُ اللهَ بُلُوغَه ، وَاليَومَ نَتَلَقَّى التَّعَازِي بِرَحِيلِهِ وَنَسأَلُ اللهَ قَبُولَه . كُنَّا بِالأَمسِ نَتَرَقَّبُ رَمَضَانَ بِكُلِّ فَرَحٍ وَخُشُوع ، وَاليَومَ نُوَدِّعُهُ بِالأَسَى وَالدُّمُوع ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ في كَونِهِ إِلى أَن يَرِثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا.

لَقَد مَضَى هَذَا الشَّهرُ الكَرِيم ، وَقَد أَحسَنَ فِيهِ أُنَاسٌ وَأَسَاءَ فِيهِ آخَرُون ، وَهُوَ شَاهِدٌ لَنَا أَو عَلَينَا ،شَاهِدٌ للمُشَمِّرِ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِه ، وَشَاهِدٌ عَلَى الْمُقَصِّرِ بِغَفلَتِهِ وَإِعرَاضِه ، وَلا نَدرِي هَل سَنُدرِكُهُ مَرَّةً أُخرَى ، أَم يَحُولُ بَينَنَا وَبَينَهُ هَادِمُ اللَّذَاتِ وَمُفَرِّقُ الجَمَاعَات ؟

سَلامُ اللهِ عَلَى شَهرِ الصِّيَامِ وَالقِيَام ، سَلامُ اللهِ عَلَى شَهرِ القُرآنِ وَالإِحسَان ، لَقَد مَرَّ كَلَمحَةِ بَرقٍ أَو كَغَمضَةِ عَين ، كَانَ مِضمَارَاً يَتَنَافَسُ فِيهِ الْمُتَنَافِسُون ، وَمَيدَانَاً يَتَسَابَقُ فِيهِ الْمُتَسَابِقُون ، فَكَم مِن أَكُفٍّ ضَارِعَةٍ رُفِعَت ، وَكَم مِن دُمُوعٍ سَاخِنَةٍ ذُرِفَت ، وَكَم مِن عَبَرَاتٍ حَرَّاءَ سُكِبَت ، وَحُقَّ لَهَا ذَلِكَ فِي مَوسِمِ الْمُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ تَعَالى ، وَمَوسِمِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغفِرَةِ وَالعِتقِ مِنَ النَّار.

لَقَد مَرَّ بِنَا هَذَا الشَّهرُ الْمُبَارَكُ كَطَيفِ خَيَال ، مَرَّ بِخَيرَاتِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَرَحَمَاتِه ، وَمَضَى مِن أَعمَارِنَا وَهُوَ شَاهِدٌ لَنَا أَو عَلَينَا بِمَا أَودَعنَاهُ فِيه ، فَليَفتَح كُلُّ وَاحِدٍ مِنَا صَفحَةَ الْمُحَاسَبَةِ لِنَفسِه ، مَاذَا عَمِلَ فِيه ؟ وَمَاذَا استَفَادَ مِنه ؟ وَمَا هُوَ أَثَرُهُ فِي نَفسِه ؟ وَمَا هِيَ ثَمَرَاتُهُ فِي وَاقِعِ حَيَاتِه ؟ وَمَا مَدَى تَأثِيرُهُ عَلَى عَمَلِهِ وَسُلُوكِهِ وَأَخلَاقِه ؟ فَهَل عَزَمنَا عَلَى الأَخذِ بِأَسبَابِ القَبُولِ بَعدَ رَمَضَان ، وَهَل عَزَمنَا عَلَى مُوَاصَلَةِ الأَعمَالِ الصَّالِحَة ، أَم أَنَّ وَاقِعَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى خِلَافِ ذَلِك ؟ هَل تَأَسَّينَا بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ رضي الله عنهم ، الذِينَ تَوْجَلُ قُلُوبُهُم وَتَحزَنُ نُفُوسُهُم عِندَمَا يَنتَهِي رَمَضَان ، لِأَنَّهُم يَخَافُونَ أَن لا يُتَقَبَّلَ مِنهُم عَمَلُهُم ؟ وَلِذَلِكَ كَانُوا يُكثِرُونَ الدُّعَاءَ بِالقَبُول ، وَكَانُوا يَدعُونَ اللهَ سِتَّةَ أَشهُرٍ بَعدَهُ أَن يَتَقَبَّلَهُ مِنهُم ، وَكَانُوا يَجتَهِدُونَ فِي إِتمَامِ العَمَلِ وَإِكمَالِهِ وَإِتقَانِه ، ثُمَّ يَهتَمُّونَ بَعدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ وَيَخَافُونَ مِن رَدِّه ، فَلَقَد سَأَلَت عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن قَولِهِ تَعَالَى: (وَٱلَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَواْ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَة) أَهُم الذِينَ يَزنُونَ وَيَسرِقُونَ وَيَشرَبُونَ الخَمر ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ  عليه السلام: (لا يَا ابنَةَ الصِّدِّيق ، وَلَكِنَّهُم الذِينَ يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَيَخَافُونَ أَن لا يُتَقَبَّلَ مِنهُم) . وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه: كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهتِمَامَاً مِنكُم بِالعَمَل ، أَلَم تَسمَعُوا إِلَى قَولِهِ عَزَّ وَجَل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِين) . وَعَن فُضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ رضي الله عنه قَال: لَو أَنِّي أَعلَمُ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثقَالَ حَبَّةِ خَردَلٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِين) . وَقَالَ ابنُ دِينَارٍ رضي الله عنه: الخَوفُ عَلَى العَمَلِ أَن لا يُتَقَبَّلَ أَشَدُّ مِنَ العَمَل.

فَيَا شَهرَ رَمَضَاَنَ ، كَانَ نَهَارُكَ صَدَقَةً وَصِيَامَاً ، وَلَيلُكَ قِرَاءَةً وَقِيَامَاً ، فَعَلَيكَ مِنَّا تَحِيَّةً وَسَلامَاً . يَا شَهرَ الصِّيَامِ ، أَتُرَاكَ تَعُودُ عَلَينَا ، أَو يُدرِكُنَا الْمَوتُ فَلا تَؤُولُ إِلَينَا ، مَصَابِيحُنَا فِيكَ مَشْهُورَة ، وَمَسَاجِدُنَا فِيكَ مَعمُورَة ، فَالآنَ تَنطَفِئُ الْمَصَابِيحُ وَتَنقَطِعُ التَّرَاوِيح . مَن كَانَ مَنَعَ نَفسَهُ فِي رَمَضَانَ مِنَ الحَرَام ، فَلْيَمنَعهَا فِيمَا بَعدَه ، فَإِنَّ إِلَهَنَا وَاحِد ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَينَا وَشَاهِد.

إِنَّ يَومَ العِيدِ يَومٌ يَسعَدُ فِيهِ أُنَاسٌ وَيَشقَى فِيهِ آخَرُون ، فَطُوبَى لِعَبدٍ قُبِلَت فِيهِ أَعمَالُه ، وَالوَيلُ لِمَن رُدَّت عَلَيهِ أَفعَالُه . يَومُ العِيدِ يَومٌ يُهَنَّئُ فِيهِ الْمَقبُول ، وَيُعَزَّى فِيِهِ الْمَطرُود ، فَيَا أَيُّهَا الْمَقبُولُ هَنِيئَاً لَكَ بِثَوَابِ اللهِ وَغُفرَانِه ، وَتَعسَاً لَكَ يَا مَطْرُودُ بِإِصرَارِكَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَعِصيَانِه ، لَقَد عَظُمَت مُصِيبَتُكَ فَأَينَ دَمعَتُكَ وتَوبَتُك ؟ لِأَيِّ يَومٍ أَخَّرتَ تَوبَتَك ؟ وَلِأَيِّ عَامٍ ادَّخَرتَ عُدَّتَك ؟ أَإِلى عَامٍ قَابِلٍ أَو حَولٍ زَائِلٍ ؟ كَلّا فَمَا إِلَيكُ مُدَّةُ الأَعمَارِ وَلا مَعرِفَةُ الْمِقدَار ، فَكَم مِن رَجُلٍ أَعَدَّ طَيِّبَاً لِعِيدٍ فَجُعِلَ فِي تَلحِيدِه ، وَاشتَرَى ثِيَابَاً لِتَزيِينِهِ فَصَارَت لِتَكفِينِه.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1677
1  2  

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *